ماذا وراء خطاب الكراهية؟

ماذا وراء خطاب الكراهية؟

05 يونيو 2017
بوسع الكراهية المتقدة أن تمنح الحياة الفارغة معنى وهدفا(Getty)
+ الخط -
من أكثر الرسائل التي يحتويها إعلام وميديا حركات التطرف رسائل الكره والاستعداء، نسمع شعارات قتال الكفرة، والمرتدين، والمنافقين، والغرب الصليبي، وربما شعر المتابع أنها يمكن أن تحارب حتى الكائنات الفضائية من الكواكب الأخرى لو أتيحت لها الفرصة.

خطاب الكراهية هذا ليس وليداً أو حكراً على حركات التطرف والإرهاب، بل هو خطاب دارج الاستخدام لدى كثير من الأطراف؛ فالأنظمة تستخدمه، ووسائل الإعلام، والتيارات الإسلامية أيضاً.

وقد لاحظ إيريك هوفر أن الكره من أقوى عوامل التوحيد شمولاً ووضوحاً؛ تجتذب الكراهية الشخص من نفسه، وتنسيه ما حوله، يومه ومستقبله. هكذا يصبح الشخص جزءا لا هوية له يتحرق بالرغبة إلى الالتحام بالأجزاء التي تشبهه؛ ليكون جمهورا شديد الاشتعال. فما لا يمكن تحقيقه بالحب يمكن تحقيقه بالكراهية الجماعية.


ومن الملفت للنظر أن الحركة المتطرفة تستطيع أن تبدأ وتنتشر من دون أن تؤمن بالله، ولكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك من دون الإيمان بالشيطان، عندما سُئل هتلر عما إذا كان من الضروري إبادة اليهود قال: "كلا.. لو زال اليهود لكان علينا أن نخترعهم.. من الضروري أن يكون هناك عدو ملموس لا مجرد عدو مفترض".

فمن الضروري لبقاء حركة التطرف أن يكون هناك عدو ملائم كما أن هناك عقيدة ملائمة. فالكراهية الجماعية تستطيع أن توحد العناصر المتنافرة. بل إن الكراهية يمكن أن توجد رابطا مشتركا مع عدو على نحو ينخر قواه ويضعف مقاومته.

يتمتع شيطان الحركة المتطرفة بحضور دائم وقوي لا حدود له. وهكذا يصبح أي فشل داخل الحركة من فعل الشيطان، ويبدو أن الشيطان المثالي لابد أن يكون أجنبيا، ومن هنا فإنه لا بد لكي تكتمل الصورة من منح الشيطان المحلي أصولا أجنبية.. صليبي، عميل، مرتد..

يبدو من الغريب أن الذين ينفذون عمليات قتل يروح ضحاياها الأبرياء يعلنون أنهم خرجوا على الظلم الذي وقع عليهم! فهم أشبه ما يكونون وجهاً آخر للشر الذي يحاربونه! مما يدعونا للتساؤل: كي يوائم المتطرف بين شعاراته وسلوكياته؟ إن احتقار النفس يولد أكثر النزعات إجراماً؛ لأنه يجعل الشخص ينطوي على كراهية قاتلة للحقيقة التي تدينه، وتظهر عيوبه. نحن لا نجعل الناس متواضعين وديعين نادمين على تصرفاتهم عندما نكشف لهم عن ذنوبهم؛ الأرجح أننا سنثير فيهم مشاعر الكبرياء والعدوانية.

وأكثر الطرق فاعلية لخنق تأنيب الضمير إقناع أنفسنا والآخرين أن الذين أخطأنا بحقهم هم، بالعقل، مخلوقات شريرة تستحق أقصى العقوبات، وإنه لمن المفزع حقا أن نلحظ كيف يعمد المظلومون دوما إلى صياغة أنفسهم على شكل ظالميهم، وما يقال من أن الشر يبقى حتى بعد أن يذهب فاعلوه صحيح، ومرجع ذلك أن الذين لديهم سبب لكراهية الشر يشكلون أنفسهم على شاكلته ومن ثم يديمون وجوده، وهذا ما يلاحظ أن التنظيمات المتطرفة تفعله بالأبرياء، وكيف تقتل بطرق بشعة بل وتصور ما تفعله، رغم أن خطاب المظلومية الذي تتبناه خرج على ممارسات مشابهة.

وإن كان من رسالة نريد إيصالها فإن شعورنا بالكره يعد تعبيراً عن محاولة يائسة من جانبنا لإخفاء شعورنا بالنقص، أو بقلة أهميتنا، أو بالذنب، أو بأي عيوب أخرى تنبع من داخلنا. يتحول احتقار النفس، هنا إلى كراهية للآخرين، مع محاولة مستميتة لإخفاء هذا التحول. لم يكن الكره يوماً حلا لمشاكلنا.

بوسع الكراهية المتقدة أن تمنح الحياة الفارغة معنى وهدفا، ومن هنا فإن الأشخاص الذين يعانون تفاهة حياتهم يعمدون إلى البحث عن معنى جديد، لا عن طريق اعتناق قضية مقدسة فحسب، بل باحتضان ظلامات متطرفة. وتتيح الحركة الجماهيرية للمحبطين تحقيق الهدفين.

عندما نصهر استقلالنا في مجموع الحركة الجماعية فإننا نعثر على حرية جديدة: حرية الكراهية والتخويف والكذب والتعذيب والقتل والخيانة دون خجل أو ندم. وهنا من دون شك نجد جزءاً من جاذبية الحركة الجماهيرية. نجد هنا (الحق في الانتهاك) الذي يزعم دستويفسكي أن له جاذبية لا تقاوم. نحن لا نكون أقوى عندما ننتقم، نحن أقوى عندما نسامح.

المساهمون