"العفو العام" في الأردن.. مطلب شعبي ترفضه الحكومة

"العفو العام" في الأردن.. مطلب شعبي ترفضه الحكومة

02 يوليو 2017
+ الخط -

يرفض رئيس الحكومة الأردنية هاني الملقي، مرة أخرى، امتصاص، ولو القليل، من النقمة الشعبية، نتيجة القرارات الاقتصادية القاسية جدًا، والتي مست بشكل مباشر، المواطن الأردني الفقير، بعد أن علم "جيل"، من مصادر شبه رسمية، عدم نية الحكومة إصدار قانون "عفو عام"، كما كان يأمل كثير من الأردنيين.

هذه المصادر، والتي رفضت الكشف عن هويتها، وصفت الحديث عما يتردد حول "العفو العام"، ودراسته في بعض اللجان النيابية، بـ"أنه مجرد تفاعل داخل جنبات مجلس النواب، حاصل نتيجة ضغط أطراف اقتصادية متنفذة، عقب طرح مشروعين من قبل نواب، لا تزال دراستهما مستمرة في اللجنة القانونية".

وبررت هذه المصادر ذاتها، عدم توجه الحكومة الحالية لإصدار مثل هذا القانون، بعدة أسباب، أبرزها، أنه "سيضيع الحقوق والغرامات المتأخرة، وبعض المستحقات المالية"، مشيرة في ذات الوقت، إلى أن "العفو العام"، لا بد أن يكون في فترات زمنية متباعدة جدا، وليست قصيرة، علما أن آخر "عفو عام" صدر قبل ستة أعوام.

وفي مقابل ذلك، أي بدلاً من المطالبة بعفو عام، تقول هذه المصادر، إن "الواجب على المواطنين، ومن مبدأ المواطنة الصالحة، أن يتوجهوا لدفع ما عليهم من مستحقات مالية، وذلك تجنبا للمزيد من الغرامات"، مضيفة أيضاً "أن العديد من الملاحظات وصلت للجهات الحكومية، تفيد بتأخر المواطنين عن دفع ما عليهم من مستحقات وغرامات ومخالفات، انتظارا للعفو العام، وهو ما لن يحصل"، وفق تعبيرها.

لا تبدو الصورة صحيحة كثيرا، في عدم إصدار قانون للعفو العام في الأردن، وفق ما تقدم من تبريرات، إذ يعتبر العفو العام مطلباً شعبياً، غير أن تكلفته الاقتصادية في الحقيقة، كما يقول اقتصاديون كثر، قد تكون كبيرة على الموازنة.

ويبين هؤلاء الاقتصاديون لـ"جيل"، منهم الاقتصادي والناشط الحقوقي فوزي السمهوري، أن الحكومة في حال إقرار قانون للعفو العام، فإن ذلك يستلزم بطبيعة الحال، "العفو عن غرامات ومخالفات السير وغيرها"، وعليه، فإن فكرة إصداره مستبعدة من طرف الحكومة، وهي المستفيد من هذه الغرامات والمخالفات، والتي يحب الأردنيون أن ينعتوها بـ"الجباية".

هذه "الجباية"، القادمة من كثير من المخالفات والقضايا التي تلحق بالمواطنين، كـ"مخالفات السير بالكاميرات"، تحقق للدولة ما مقداره 50 مليون دينار سنوياً، وبالعفو العام، فإنها "ستفوت على نفسها هذه المبالغ من جيب المواطنين"، وفق هؤلاء الاقتصاديين.

من جانبه، يشير رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان عبد الكريم الشريدة، في حديثه لـ"جيل"، أن أكثر الإشكاليات التي تقف حجر عثرة في طريق إصدار قانون للعفو العام، يتمثل بوضوح، من وجهة نظر حكومية على الأقل، أن القرار قد يصاحبه الخوف، من تضييع الحقوق لأشخاص في قضايا مرتبطة بالحق الشخصي، داعيا إلى تشكيل لجنة أولاً، "لدراسة كافة الإشكاليات التي تلحق في حال إصدار قانون للعفو العام، حتى تتحقق الاستفادة التي من أجلها سيشرع، وهي تحقيق العدالة بين الجميع".

وإن كان الحديث عن "الحق الشخصي" لا يزال يثير كثيراً من الجدال، والذي لم يحسم بعد، وأحد أبرز مبررات الحكومة في التأني من إصدار قانون للعفو العام، فإن المحكومين على خلفيات مالية، سواء "شيكات" أو "كمبيالات" بناء على القانون المدني أو وفقاً لقانون الأوراق المالية، لا يستفيد أحد من إيقافهم سوى الحكومة.

"فالمواطن دافع الضرائب هو الخاسر الأكبر من اعتقالهم وإيداعهم السجون.. ففي النهاية، ستدفع الحكومة ضريبة مصاريفهم من جيب المواطن، إن كانوا محكومين لأيام أو أشهر أو سنوات، علماً أن نسبة الموقوفين على خلفية مثل هذه القضايا تقدر بأكثر من 75% من المواطنين"، وفق النائب البرلماني، ونقيب المحامين الأردنيين الأسبق صالح العرموطي.

العرموطي، وهو أحد النواب الأردنيين الذين تقدموا بمذكرة نيابية، تطالب الحكومة بإصدار قانون للعفو العام، يؤكد لـ"جيل"، "أن القضايا المالية في القانون الأردني والدولي والإنساني، بالإضافة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحرم حبس المدين بسبب الإعسار المالي"، مبيناً "أن الحكومة الأردنية حتى اللحظة لم تصوب أوضاعها حسب الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها".

الحقوقي الاقتصادي فوزي السمهوري يذهب أبعد من ذلك، حين يقول، "إن الحكومة ليست مطالبة فقط، بإصدار قانون للعفو العام عن هؤلاء، والذين تورطوا بقضايا مالية، بل يجب على الجهات المسؤولة أن تعمد إلى تعديل التشريعات، لوقف مثل هذه العقوبات".

هذا، ويقدر عدد الأردنيين الذين صدرت بحقهم مطالبات مالية لدى التنفيذ القضائي، نحو 300 ألف مواطن، فيما يدخل العشرات يوميا في عداد المطلوبين على قضايا مشابهة، وفق ما كشفته لـ"جيل"، مصادر أمنية.

وتبدو الحاجة ملحة أيضاً لإصدار مثل هذا القانون، نظراً للظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة والدولة الأردنية، يقول العرموطي، نسبة لوجود المئات من المواطنين، والذين عبروا عن آرائهم السياسية التي تؤيد بشكل أو بآخر، أفكار بعض المنظمات الجهادية، وأودعوا السجون.

بالإضافة، يوضح المتحدث، لأولئك الذين ذهبوا للقتال في سورية والعراق، ومن ثم، فضلوا العودة إلى الوطن، والدولة تمنعهم الآن من دخول أرضي المملكة، فـ"الأولى أن تفتح الدولة ذراعيها لأبنائها، وتحتضنهم من جديد، من خلال إصدار قانون للعفو"، بحسب تعبيره.

في هذا السياق، يرى السمهوري أن المحكومين على خلفية قضايا سياسية، من مثل الإفصاح عن الآراء السياسية، أو التجمع والتعبير عن الرأي، من الأصل ابتداء ألا يعرضوا على محاكمة، وألا تنزل بهم أي عقوبة، وإن كان بعضهم قد حوكم، فمن الأولى أن يصدر عفو عنهم، سواء الذين قضوا أشهرا أو حتى سنوات، وذلك حتى لا تضيع حقوقهم السياسية والمدنية المكفولة.


 

المساهمون