المغرب: انتفاضة الحسيمة.. "هل أنتم حكومة أم عصابة؟"

المغرب: انتفاضة الحسيمة.. "هل أنتم حكومة أم عصابة؟"

19 مايو 2017
( في مدينة الحسيمة، تصوير: فاضل سنة/ فرانس برس)
+ الخط -

لم تمر سوى أيام قليلة على تصريحات زعماء الأغلبية الحكومية، المتّهمة نشطاء الحراك الشعبي في الريف بالانفصال وتلقي أموال من جهات خارجية، حتى جاء الردّ سريعًا وغير متوقّع من سكان مدينة الحسيمة - شمال المغرب- حيث خرج الآلاف من المحتجين في مسيرة حاشدة منددة بـ"أكاذيب الحكومة"، وبتحامل المسؤولين على السكانالذين رفعوا منذ مقتل السمّاك، محسن فكري، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي مطالب اجتماعية واقتصادية.


الاحتجاجات تنبعث من رماد "الحكومة"
أجواء التوتر التي سادت خلال الأيّام الماضية كانت توحي بأن مسيرة اليوم ستكون مشحونة جدًا، بل وخمّن كثيرون أن القوّات العمومية ستمنع التظاهر، لا سيما وأن تعزيزات أمنية مكثفة وصلت إلى المنطقة في الساعات القليلة الماضية، غير أن عناصر الأمن ظلّت مرابطة في المحاور الطرقية الكبيرة وحاولت، في مرّات عدّة، أن تمنع وصول المحتجين من البلدات والحواضر القريبة من مركز المدينة دون أن تتدّخل لقمع المسيرة، كما كان يؤشر على ذلك حجم سيارات وعناصر الأمن التي حلّت بالمنطقة.

وبينما ساور الاطمئنان بعض الجهات الرسمية بأن الحراك الشعبي يقترب من مرحلة الخمود، أشعلت تصريحات الأغلبية الحكومية بعد اجتماعها بوزارة الداخلية فتيل الاحتجاجات من جديد، إذ عادت شرائح كانت قد شاركت في المسيرة الأولى إلى الشارع، منها فئات واسعة من الطبقة المتوسّطة، وكان لافتًا جدًا مشاركة النساء والأطفال والشيوخ، وتشكيل سلاسل بشرية لحماية المنشآت العامة والمؤسّسات ردًا على بيان الحكومة الذي قال إن الدولة ستتدخل في حالة تخريب الممتلكات والمس بالأمن العام.

وقبل المسيرة التي دعا إليها النشطاء قبل أياّم، شنّ النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة ضد أحزاب الأغلبية الحكومية ولم يفتأ جزءٌ واسع من سكان منطقة الريف والمدن المغربية عن تغيير صور البروفيلات لتحمل مقولة لمحمد بن عبد الكريم الخطابي، زعيم الحرب التحريرية ضدّ الاستعمار الإسباني في العشرينيات من القرن الماضي: هل أنتم حكومة أم عصابة؟.

وقد حقّق هذا "الهاشتاك" انتشارًا واسعًا على "السوشيل ميديا" وصار شعارًا مؤطرًا للاحتجاجات الغاضبة، التي نفّذتها الساكنة في إحدى الساحات العامّة بمدينة الحسيمة.


إضراب عام ومسيرة.."رفع العسكرة" أوّلاً
محلّات مقفلة، لافتات في كل مكان، ورجال الأمن يراقبون عن كثب تطوّرات الأوضاع على الأرض، شعار "لا للعسكرة" يُسمع في كل مكان، جسّدت المشهد الأوّل من يوم استثنائي بالمنطقة لا سيما وأن نسبة نجاح الإضراب العام الذي دعت إليه تنسيقية الحراك، حسب تقديرات محليّة وصلت إلى أكثر من تسعين في المائة..ثم بدأت تتقاطر العشرات من وسائل النقل من مختلف مناطق الإقليم (إمزورن، بني بوعياش، بوكيدان، إزمورن، تارجيست، ميضار..) للمشاركة في المسيرة الكبيرة التي جمعت أكثر من مائة ألف محتج غاضب من الحكومة المركزية، ومن سياسات الدولة تجاه مدينة الحسيمة التي كانت علاقتها بالسلطة دائمًا متوترة، وصلت إلى أشدّها في مواجهات مباشرة بينهما في الخمسينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

وكتب عادل الطاهري، أحد المشاركين في التظاهرة، واصفًا الأجواء التي استبقت اللحظات الأولى لبداية المسيرة "عندما كنت في إمزورن قبل ساعة، كانت الطريق مقطوعة، وحواجز الدرك منعت سيارات الأجرة من المرور وهي محمّلة بالناس، لكن مع ذلك لم تفتر العزائم، فلا يوجد محل واحد مفتوح، في لحظة وأنا أجيل النظر شعرت كأن هذه البلدة خارج سيطرة الدولة، لا يوجد شرطي واحد أو رمز من رموز الدولة هناك، وحدهم الذين يرغبون في الالتحاق بالحسيمة يسيرون حاملين رايات الأمازيغية وعلم الأجداد المعلوم الذي اتخذ علمًا للجمهورية.

لكن المخزن لما رأى تلك الأمواج البشرية تترجّل سائرة على الأقدام، مستعدة لقطع ما يقارب عشرين كيلومترًا، هاله الأمر، وخشي حدوث اصطدام وانفلات شعبي قد لا يقدر على ضبطه، ففتح الطريق".


الدولة..نتفهم مطالب الحراك
جابت المسيرة الشوارع الكبرى للمدينة، قبل أن تستقر في الساحة الكبرى، وأمام ضغط المحتجّين والدعم الكبير الذي حظي به على وسائل التواصل الاجتماعي، قال مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، عقب اجتماع وزاري قدم فيه عبد الوالي لفتيت عرضًا حول احتجاجات الحسيمة، إن الحكومة تتفهّم مطالب المحتجّين بيد أن ثمة فئة تريد الركوب على الأحداث واستثمارها بطريقة غير قانونية، حسب قول الخلفي.

تصريحات الخلفي قبل ساعات فقط من المسيرة لم تثن المحتجّين عن رفع شعارات تطالب برحيل الحكومة وإسقاط العسكرة عن المدينة، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ورفع التهميش عن المنطقة، ولم تثن الآلاف ممن استجابوا لدعوات التظاهر كذلك باتهام الحكومة" بالانفصال عن الشعب".

ووسط تغطية غير مسبوقة لوسائل الإعلام العمومي التابعة للدولة، أكد محمد المجاوي، القيادي في الحراك الشعبي في حديث إلى"جيل": "خرجت ساكنة مدينة الحسيمة هذا اليوم في مسيرة الكرامة لأهل الريف ببناته وأبنائه وأرضه، ردّاً على تصريحات المسؤولين الحكوميين والحزبيين التي اتهمت حراك الريف بالانفصالية والتخريب، وخدمة أجندة أعداء الوحدة الترابية. ورد اليوم سواءً عبر الإضراب الشامل الذي نفذه أوسع عدد من التجّار وأرباب المقاهي بالحسيمة وإمزورن، وآيث بوعياش، آيث حذيفة، آيث عبد الله أجدير". 

وأردف المتحدّث في السياق نفسه :"هو أوّل إضراب حقيقي يعرفه هذا الإقليم منذ عقود، وكذلك المسيرة التاريخية التي لم تشهدها المدينة من قبل وبمشاركة واسعة من كل الأهالي وكل لجان الحراك بالريف، من تلارواق تارجيست آيث بوفراح بني جميل تماسينت إمزورن وتروكوت، وكل الضمائر الحيّة".

المساهمون