السجون الأردنية.. أطفال يموتون تحت التعذيب

السجون الأردنية.. أطفال يموتون تحت التعذيب

10 مايو 2017
(داخل سجن الكاتراز، تصوير: فارس نمري)
+ الخط -


فتحت قضية وفاة الطفل رعد أعمر، الذي توفّي تحت التعذيب، في مركز أمن بادية الجيزة الأردني بـ عمّان، بعد أن أثبت تقرير الطبّ الشرعي، الذي اطلع عليه "جيل"، "وجود كدمات وسحجات على مختلف مناطق جسده"، الأمر الذي فتح أبواب الجدل حول ممارسات تعذيب، تطاول الموقوفين في المراكز الأمنية، وتحديدًا الأحداث منهم.

وكان ذوو الشاب، وافقوا أخيرًا، على تسلّم جثمان ابنهم، بعد إصرارهم على الامتناع عن تسلّم الجثمان في بداية الأمر، إلى حين الكشف عن هوية قاتله والأداة التي تمّت بها عملية القتل، والتهمة الموجهة له"، بحسب والد الشاب.

والد المتوفّى، أكد لـ"جيل"، عقب وصوله نبأ وفاة ابنه، أنه "سيلجأ للقانون، رافضًا التنازل وقبول الوساطات من كل الأطراف"، وهو ما تحقّق بالفعل، حين قرّر مدير الأمن العام الأردني، أحمد الفقيه، إيقاف كل من شارك في التحقيق مع الشاب رعد أعمر، في مركز أمن بادية الجيزة جنوب العاصمة عمان.

الشاب رعد، كان قد أُوقف على هامش التحقيق في قضية سرقة مجوهرات، بمركز أمني جنوبي العاصمة عمّان، بعدها تم الإعلان عن وفاته بسبب أزمة ربو، قبل أن يظهر تقرير الطب الشرعي، ويتحدّث عن "كدمات وسحجات"، ظهرت على جثّة الشاب.

هذه الحادثة، تعيد للواجهة الحديث عن التعذيب في مراكز التوقيف الأردنية، التي، أي ممارسات التعذيب، لا تستثني الصغير ولا الكبير، كما أظهرت ذلك تقارير عديدة، وروايات شهود عيان.

فحادثة أعمر، لا تعدّ الأولى من نوعها، والتي يقضي فيها، متّهمون في المراكز الأمنية، بل سبقتها حالات عدّة، فيما لم يشهد المواطن الأردني، أحكامًا أدانت الفاعلين حتى اللحظة، ما اعتبر، دافعًا حقيقيًا لزيادة هذه الحالات.

من ناحيتها، صفحات تقارير المنظمات العالمية، والمعنية بمتابعة حرّيات وحقوق الإنسان، خاصّة منظمة "Human Rights Watch"، تفيض بالتقارير القادمة من الأردن، من أن الأردن، "يعتبر أكثر بلدان الشرق الأوسط قسوة في التعامل مع المعتقلين، واستخدام كافة الأساليب للوصول إلى اعترافات، تؤخذ تحت التعذيب والإيذاء النفسي والجسدي".

وتتّهم Human Rights Watch، القائمين على السجون الأردنية، بأن "التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية، تكاد تكون مستخدمة بشكل ممنهج، ضدّ معظم المعتقلين، سواءً كانوا صغارًا أم بالغين"، مضيفة، وخلال تقريرها، عقب إجرائها عشرات المقابلات مع معتقلين في المراكز الأمنية وغرف التوقيف، إن "المحتجزين، يدّعون أنهم تعرّضوا للتهديد والضرب والإهانات والحرمان من النوم، كما تعرضوا لـ(الفلقة)، وهو شكل من أشكال التعذيب يتعرّض فيه المعتقل للضرب أخمص القدمين".

ومن أكثر أشكال التعذيب انتشارًا، وفق ما يكشفه "جيل"، خبراء أمنيون، هو "الضرب بالكابلات الكهربية، والعصي والتعليق من المعاصم إلى قضبان معدنية لساعات، وأثناء هذه الفترة يقوم الحراس بجلد السجناء العزل، كما يقوم حراس السجون، بتعذيب السجناء جراء ما يرونه مخالفات من السجناء لقواعد السجن ومراكز التوقيف".

وكل ذلك، وفق هؤلاء المتحدّثين، يطاول الأحداث في مراكز التوقيف، بل إن كثيرًا منهم يتعرّضون لوابل من التعذيب، حتى يعترفوا بجرائم لم يرتكبوها مطلقًا، وإنما خلاص من التعذيب، الذي يتسبّب في حالات كثيرة بإغماءات وإصابات بالغة للمعتقلين الأحداث.

يروي الأربعيني عيسى محمد، وهو سكان مدينة إربد (شمال البلاد)، أنه تلقّى اتصالًا من المركز الأمني، يعلمه أن ابنه (16) عامًا مطلوب للتحقيق، فما كان منه إلا أن صحب ولده متوجهًا للمركز، ظنًا منه أن الأمر روتيني ولا يستدعي القلق.

وما أن وصل عيسى لبوابة المركز الأمني، حتى اقتاد رجلان من الأمن، ابنه إلى الداخل، فيما بقي الأب منتظرًا لأكثر من ثلاث ساعات، حتى يخرج الضابط ويخبره بعدم جدوى وجوده في المركز، "ابنك في ضيافتنا هذه الليلة"، بحسب ما ينقل المتحدّث على لسان الضابط.

في اليوم التالي، يقول عيسى، وهو يروي تلك التفاصيل لـ"جيل"، إنه رفض مغادرة بوابة المركز الأمني، حتى يُسمح له بالدخول ويطمئن على ابنه المعتقل، أو يُطلق سراحه، وفي النهاية سمح له الشرطي بالدخول، ليجد ابنه مهشمًا، وقد ظهرت أثار التعذيب على كل أنحاء جسده.

يذكر هنا عيسى، وهو ينقل عن ابنه، كيف أن رجال الشرطة أوقعوه أرضًا، وراحوا يركلونه ويدوسونه بأرجلهم، يقول "ضربوه لفترة طويلة، وشارك عددٌ كبير منهم في ضربه وشتمه"، ويتابع، "ثم قيّدوه وسحبوه إلى الزنزانة، هناك تم شبحه وتناوبوا على ضربه مرّة أخرى"، ويتم كل ذلك، وفق المتحدّث، لنزع اعترافات من ابنه، في قضايا سرقات، لا يعلم الولد عنها شيئاً أبدًا.

ويتكرّر ذلك، مع عصام (اسم مستعار)، حيث يؤكّد في حديث إلى"جيل"، أن ابنه، الذي لم يتجاوز الـ 17عامًا، فقد الوعي تحت التعذيب في مركز أمن محافظة الزرقاء (وسط البلاد)، قبل أن ينقل إلى أحد المستشفيات الحكومية ليلًا، ليتم التأكد أن إصابته ليست مميتة، دون أن يحصل على العلاج، وكل ذلك، وفق المتحدث لانتزاع اعترافات.

وحول حقيقة امتناع وتردد مديرية الأمن العام الأردنية، في ملاحقة القائمين على التعذيب، قضائياً ومعاقبتهم، راجع بالأساس، للحفاظ على سمعة إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، علمًا، أن مدعين وقضاة الشرطة، هم من يتولون مسؤولية إجراء التحقيقات، وإحالة زملائهم من الضباط إلى القضاء ومحاكمتهم، ممن يرتكبون الإساءات ومنها التعذيب، وهذا في محاكم الشرطة.

وقام مسؤولو المظالم وحقوق الإنسان، الذين يحقّقون في الانتهاكات في السجون، بإحالة بعض الحالات للملاحقة القضائية، وهذا في عدد جدّ محدود من القضايا التي يوجد فيها أدلّة غير قابلة للدحض.

المنسّق الحكومي لحقوق الإنسان في رئاسة الوزراء الأردنية، باسل الطراونة، أكدّ أن ما يحدث من تجاوزات، هي وقائع فردية، مشيرًا إلى تشكيل لجنة متخصّصة من قبل الحكومة، لمتابعة ما وصفه بقضايا الانتهاكات الفردية، معتبرًا في ذات الوقت، "أن إجراء مدير الأمن العام، حين أوقف من شاركوا مع الشاب أعمر، وحوّلهم للتحقيق، إجراء نوعي في دولة، لا يوجد فيها إفلات من العقاب"، على حدّ وصفه.

وعلى ما يبدو، فإن دور الأحداث، التي أنشأت من جانب وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية، لمن يرتكبون مخالفات قانونية، وتكون أعمارهم دون الثامنة عشرة، لتكون معنية بتأهيل ورعاية الأحداث لم تخلُ أبدًا من هذه الممارسات القمعية.

والإحصائيات في هذا الصدد، تشير إلى أنه في العام الماضي، تعاملت وزارة التنمية الاجتماعية، مع أكثر من أربعة آلاف حدث ارتكبوا مخالفات قانونية، فيما تمّ تحويل 400 منهم للقضاء، على الرغم من أن قانون الأحداث، نص على النهج الإصلاحي البعيد عن المؤسسّات ودور الرعاية، وإيجاد عقوبات بديلة غير سالبة للحريّة.

ويضاف إلى ذلك أيضًا، أن 64% من الأحداث مرتكبي الجنح والمخالفات للمرّة الأولى، هم من طلبة المدارس، وانقطاعهم عن الدراسة ووضعهم بالمراكز الأمنية، يسهم في "تعزيز مسار جنوحهم وانحرافهم".

إلا أن الهدف الأساسي من إنشاء هذه الدور، لم يتحقّق، بل إن 21%من الأحداث بدور الرعاية، فكروا في الانتحار، و87% منهم يعانون من الاكتئاب، و64% منهم تعرّضوا لصدمات نفسية عنيفة، نتيجة حالات تعذيب وانتهاك للكرامة الإنسانية، وفق الدراسات التي أجرتها منظمة "يونيسف" العالمية، وكذلك وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية أيضًا.

فواز الرطروط، الناطق الإعلامي في وزارة التنمية الاجتماعية، أشار في حديثه لـ"جيل"، إلى أن هذه الإحصائيات الواقعية للمراكز والأحداث بها، "من شأنها أن تؤكد أهمية اتباع برامج التحويل والعدالة الإصطلاحية، لضمان تأهيل الحدث وإعادة دمجه في مجتمعه، بصورة تكفل نموه وتطوّره، ليصبح مواطناً فاعلًا، بدلًا من أن يتحوّل إلى مجرم".

من ناحيتهم، أكد أخصائيون لـ"جيل"، منهم حسين الخزاعي، أن النسب المتعلّقة باكتئاب الأحداث بالمراكز وتفكيرهم في الانتحار، تعتبر مؤشرًا على أهمية إيلاء الجوانب النفسية والإرشادية، الاهتمام الأكبر من قبل وزارة التنمية الاجتماعية، والتركيز على استبدال العقوبات السالبة للحريّة، بعقوبات بديلة تضمن عدم تواجد الحدث بالمركز.

الجدير ذكره، أن الأردن يحتفل هذه الأيّام، بمرور 25 عامًا، على انضمامه إلى اتفاقية مناهضة التعذيب، فيما تبدو قيمة الإنجازات طيلة هذه السنوات، مقتصرة على توثيق المزيد من حالات التعذيب، وإن كانت الحكومة مصرّة، على أن ما يحدث هو حالات فردية، وغير مسيّسة.

المساهمون