زغلول النجار.. الأسئلة كانت تنتظر

زغلول النجار.. الأسئلة كانت تنتظر

20 ابريل 2017
(مشهد من 2001: أوديسة الفضاء لـ ستانلي كوبريك)
+ الخط -
لم يكن زغلول النجار يعرف قوّة الأسئلة التي تنتظره، في محاضرته في فاس المغربية، من طرف طلبة كلّية العلوم والتقنيات، بعد أن أنهى محاضرته في موضوع "الإعجاز العلمي في القرآن"، وقال إنّه يفضّل أن يمرّ إلى النّقاش، بدل أن يستغرق ويستفيض في محاضرته. فلم يخف امتعاضه، حين قال أحد الطلبة إنّه يتكلّم بيقينية كبرى من دون مراجع علمية تسند "نظرياته".

وعندما قال له آخر، إنّ مقولاته عن الإعجاز العلمي في القرآن مخالفة للعقل، قاطعه: أنت المخالف للعقل. ولم يسمح له بإكمال سؤاله، إلّا بعد أن احتج بقية الطلبة، واضطر المسيّر للسماح له بالصعود إلى المنصة، لإكمال أسئلته المُحرجة للنجار.

أسئلة محرجة للشيخ "العالم"
من خلال الاطّلاع على محاضرته الموجودة على يوتيوب، يمكن لغير الحاضر هناك، أن يرى تكرار النجار لأطروحاته المعتادة، بالتّرويج لفهمه الخاص للقرآن والعلم. وتقسيم الناس إلى كفّار ومسلمين. الفرق هنا، هو أسئلة الشباب، التي كانت مختلفة تمامًا عن محاضرة أخرى في نفس المدينة، لكن في لقاء نخبوي. طُرحت فيه أسئلة من قبيل، كيف يوّرث هذا العلم "الإعجاز العلمي" حتى لا يضيع؟ وسألت أستاذة علوم قالت، إنّها داعية الآن، "القرآن كتاب علم، لماذا يرفض الغرب الاعتراف بذلك، هل هو حسد منهم؟".


بينما كانت أسئلة الشباب في كلية العلوم، مختلفة ومحرجة ليقين الشيخ "العالم". أسئلة كان معظمها مقتبسًا من أسئلة البودكاست المغربي، نجيب المختاري، الذي يقوم بشرح العلوم بطريقة مبسطة في قناته في يوتوب، وعبر صفحته فيسبوكية. وطُرح جلّ الأسئلة بناء على مقالات النّجار، وتسجيلاته الموجودة على موقعه. ورغم أن رواد مواقع التّواصل الاجتماعي بالمغرب شّنوا حملة شرسة ضد زغلول النجار، بُعيد إعلان خبر استضافته. إلّا أن نجيب الوحيد الذي قدم حججًا قوية، مقابل مقولات النجار.

مدرسة الإعجاز تلميذ كسول
"الإعجاز العلمي مدرسة تخلط بين عالمين لا يمكن خلطهما. العلم التّجريبي من جهة (وهو علم موضوعي يشترك فيه البشر مع اختلاف معتقداتهم ولغاتهم، تُثبت فيه حقائق موضوعية هي نفسها بالنّسبة للجميع) والرّوحانيات، الذي هو أمر ذاتي يستكشفه الشّخص مع نفسه، أو في مجتمعه الرّوحي، دون الحاجة لإثباته علميًا". يقول نجيب المختاري لـ"جيل"، ويضيف "الإيمان الغيبي إذا تم إثباته علميًا لا يبقى إيمانًا بل يصير فيزياء".

الإعجاز العلمي مدرسة ظهرت حديثًا، ولم يكن هناك حسب علمي أي وجود لأي ادعاءات إعجازية أثناء زمن العصر الذهبي للعلوم. ابن الهيثم، الرازي، جابر ابن حيان، كانوا كلهم يعتمدون منهجًا علميًا صارمًا يعتمد على التجربة العلمية، ولم يستعمل أحدهم نصوصًا دينية لإثبات أمور أو نفي حقائق علمية. وهي مثل ذلك التّلميذ الكسول في القسم، الذي يعجز عن الإجابة عن السّؤال. لكن كل مرّة، يقوم فيها التلميذ المجتهد إلى السبورة، ويشرح جوابه، يقفز ويقول "كنت أعرف الجواب منذ مدّة!". إذا كنت كذلك، فلماذا لم تنوّر البشرية به؟

أين العمليات الجراحية، أو الأدوية الناجعة، أو الطائرات، أو الصواريخ، أو الأقمار الاصطناعية، التي أنتجتها "مدرسة الإعجاز"؟ هذه المدرسة عقيمة لا تنتج شيئًا سوى مجموعة من الإساءات إلى الإسلام والمسلمين.

أحد عشر أو تسعة عشر كوكبًا؟
يسأل نجيب في معرض نقده لـ"نظريات" النّجار، الذي نشره في صفحته فيسبوكية: "نقلتم في أحد أشرطتكم عن الرّسول قوله، إن الشمس "تغرب عن قوم وتطلع على قوم، وتغرب عن قوم وتطلع، فقوم يقولون غربت، وقوم يقولون طلعت". وقلتم إن هذا دليل على كروية الأرض في الحديث الكريم. لكني قلبتُ كتب الحديث رأسًا على عقب ومحركات البحث، وفعل مهتمون ومختصّون، ولم يجد أحد أثرًا لهذا الحديث، سوى في شريطكم. هل عندكم دراية بمدى جسامة صياغة أحاديث جديدة لم ترد عن الرسول؟". ويضيف "عليك مراجعة جميع النّصوص الدينية الأخرى التي رويتم، لطمأنة قرّائكم ومشاهديكم أنكم لا تختلقون الأحاديث؟".

ويضيف نجيب في سؤال آخر "قلتم في المقالة رقم 439 من موقعكم، في سنة 2004 إن تعريف الكوكب هو "كل جسم كروي من أجرام السماء يدور حول ذاته، ويجري في مدار محدد له حول الشمس" وإن عدد كواكب المجموعة الشمسية هو 11 وقلتم إنه لا يمكن إيجاد كواكب أبعد من ذلك لأنها "ستفلت من مجال جاذبية الشمس"، وإنها معجزة لأن القرآن تنبأ بهذا العدد النهائي (11 كوكباً) في حلم النبي يوسف عندما رأى 11 كوكباً في منامه".

ويسأل "منذ ذلك الحين إلى الآن، اكتُشف على الأقل 19 كوكباً في المجموعة الشمسية، كلها كروية تدور حول نفسها وحول الشمس، وعشرات الأجسام الأخرى في طور التصنيف إلى كواكب حسب تعريفكم. ومئات الكواكب في المجموعات الأخرى. هل تسحبون وتعتذرون عن ادّعائكم؟ هل اتّضح لكم أن العلم متغيّر، ويتقدم مع مرور الوقت، وأن إدخال النّص الديني في معمعة مجال علمي متغير ومتقدم باستمرار، سيؤدي إلى الإساءة إلى الدين؟".

الحجر الأسود والأشعّة الجنسية
يضيف نجيب، مخاطبًا النّجار "ذكرتم في المقالة رقم 67 من موقعكم، أن ضابطًا بريطانيًا اسمه Richard Francis Burton قام بسرقة الحجر الأسود من مكة وهرّبه إلى بريطانيا، حيث تم تحليل الحجر، وتبيّن له (حسب قولكم) أن الحجر الأسود "من أحجار السماء وله تركيبة خاصة مختلفة عمّا سواه" وأن الضابط عندما توصّل لهذا، أسلم وكتب قصة رحلته.

في البحث عن هذا الضّابط تبيّن أنه موجود فعلًا، ولكن عند الاطلاع على كتابه، اتضح أن الضابط لم يُسلم، ولم يسرق الحجر، بل قال، إنه أثناء رحلته الاستكشافية لمنطقة الحجاز، مرّ على الكعبة ولمس الحجر الأسود، وبدا له أنه حجر نيزكي. وورد بالحرف في كتابه: "لن أتعرّض هنا للأصل الخرافي للحجر الأسود، بعض الاعتقادات بخصوص هذا الحجر حقًا منافية للعقل(absurd)".

ثم أضاف المختاري "ادّعيتم في حلقة كاملة على الجزيرة، أن مكة المكرمة موجودة في مركز اليابسة، بينما في العلم الحديث الأرض شكلها كروي. بالتالي، فجميع نقط يابسة الأرض هي مراكز لليابسة، وليس فقط الكعبة، بفعل كروية الأرض".

وادعيتم  أنّ هناك "دراسات" (دون ذكر أي مرجع) "أثبتت" أن الأشعة فوق البنفسجية الضّارة تؤثر في النّساء أكثر من الرّجال ولهذا فرض الله الحجاب، لكي يحمي النّساء من الأشعة فوق البنفسجية. بينما لا يمكن وجود دراسة علمية في هذا المنحى، لأن هذا مخالف لما نعلمه عن أشعّة الشمس. القطن مثلًا يحجب فقط 15% من الأشعة فوق البنفسجية، يعني مثلًا حجاب من القطن سيمرر 85% من الأشعة فوق البنفسجية".

كيف تقوم القيامة؟
في سؤاله الأخير، يتحدث نجيب عن ادّعاء زغلول لوجود "معجزة في إخبار القرآن بتباطؤ دوران الأرض فيزيائيًا بفعل المد والجزر، حتى تتوقف وأن ذلك هو يوم القيامة (صعود الشمس من مغربها)". ويسأله "كيف توفّقون بين هذا الادعاء وبين كون تباطؤ الأرض بفعل المد والجزر سيأخذ 1900 مليار سنة، قبل توقف الأرض. بينما في نفس النّموذج الذي اعتمدتم، بعد فقط 5 مليارات سنة من الآن ستكون الشمس قد ابتلعت الأرض وأحرقتها بفعل توسّع الشمس إلى عملاق أحمر؟ ما يعني أنّ الأرض ستبتلعها الشمس، وستختفي قبل توقّفها بمئات مليارات من السّنين. كيف توفّقون كذلك بين وصف النّصوص الدينية للساعة على أنها قريبة، وأنّها ستأتي "بغتة" وليس بعد تباطؤ طوله 1900 مليار سنة؟".

جماجم مزيّفة وبول البعير المعلب
طرحتُ ستّة أسئلة فقط لضيق الوقت، أما عدد الأسئلة لأعمال السيد زغلول فهائل، ولا يكاد أي مقال، أو شريط له يخلو من مغالطات علمية ومنطقية. يقول نجيب لـ"جيل"،  فأغلب هذه المغالطات، يكفي قدر قليل من مبادئ المنهج العلمي لانتقادها. مثلًا قصّة جمجمة ادّعى زغلول أنه ذهب إلى متحف لندن، وناقشها مع علماء الأحياء هناك. واكتشف زيفها، ليتم سحبها من المتحف. بينما عند العودة إلى التواريخ، نجد أن الجمجمة أُثبت زيفها عندما كان النجار طفلًا. ما قاله أيضًا عن شركات سويسرية تنتج بول البعير، ليس لها وجود.

المشكل مع مدرسة الإعجاز العلمي هو عدم اعتمادها للمنهجية العلمية القائمة على الشّفافية في الطرح، وتوضيح المراجع، والدّقة والأمانة العلميتين. وعدم افتراض الجواب قبل طرح السّؤال. وأن يكون العالم خصمًا لنفسه ومنتقدًا لنفسه قبل كل شيء. وهناك ردود في كتب كاملة على الإعجاز العلمي، منها كتاب للفزيائي والفلكي السّابق في وكالة ناسا الجزائري، نضال قسوم، "براءة التفسير والإعجاز في القرآن من الشّكوك عليه"، مُطلقًا عليه مسمى الدّراسات "التّخريفية" التي تتعسّف في تفسير آيات الكتاب المبين لتتناسب مع الحقائق العلمية.

المساهمون