الإخفاء القسري بمصر.. كيف تصبح إرهابيًا في 24 ساعة؟

الإخفاء القسري بمصر.. كيف تصبح إرهابيًا في 24 ساعة؟

31 اغسطس 2017
(خلال اعتقالات طلبة الأزهر، الصورة: فرنس برس)
+ الخط -

بعصاب على العينين، تبدأ رحلة المختفين قسريًا في مصر، تلك الرحلة ربما تنتهي بعد أيّام أو تمتدّ لسنوات، يتوارى فيها المختفون ولا يُعثر على أثر لهم ويظل مكانهم مجهولًا ليبقى هذا المشهد هو حياة المختفين قسريًا.

في 2006 اعتمدت الأمم المتحدة 30 أغسطس/ آب اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري وقّعت حتى الآن 92 دولة على تلك المبادرة، ليُصبح المختفي قسريًا هو كل محتجز أو معتقل أو مختطف بأيدي موظفي الدولة أو بموافقتها ودعمها وإخفاء مصيره ومكان وجوده.


عطيطو البداية
كانت بدايات الاختفاء في مصر عقب 3 يوليو/ تموز 2013 لكن الحالة الأولى في التوثيق كانت في مايو/ أيار 2015 لطالب بكلية الهندسة يدعى إسلام عطيطو، اختفى فور الانتهاء من امتحانه وفي اليوم التالي أعلنت وزارة الداخلية مقتله خلال اشتباك مع قوّات الأمن، إلا أن كاميرات مراقبة الجامعة أثبتت استدعاءه من طرف موظف في الجامعة انتظره حتى أكمل امتحانه ورافقه إلى وجهة مجهولة، في اليوم السابق قبل يوم من مقتله.

لم تمرّ سوى أيّام لتختفي إسراء الطويل وإثنان من أصدقائها في يونيو/ حزيران من العام نفسه، ليبدأ معها الحديث عن عدد كبير من حالات الاختفاء وثّقت حملة "الحرية للجدعان" آنذاك 163 شخصًا خلال شهرين فقط.


رحلة الاختفاء قسريًا
المفوضية المصرية في تقريرها "قبو المختفين قسريًا" الصادر في يونيو/ حزيران 2017، كشفت عن وجود أكثر من 1000 شخص مدني يتعرّضون لأشكال مختلفة من التعذيب وسوء المعاملة الإنسانية داخل سجون سرّية بمعسكر الجلاء و120 عسكريًا يحاكمون عسكريًا بالمكان نفسه.

في مقابلة بالتقرير مع أحد الناجين قال إنه في اليوم الأوّل له عومل بمنتهى القسوة لاعتقادهم أنه على صلة بولاية سيناء، فقاموا بتوصيل أصابعه بخواتم كهربائية وظل أحدهم يتحكّم بفولت الكهرباء، ثم عُلق من الخلف وجرد من ملابسه وبدأ الاعتداء عليه بالعصا، وفي اليوم التالي تُرك في الشمس الملتهبة ومكث على هذا الوضع أربعة أيّام أثناء التحقيق.

بمجرّد الانتهاء من التحقيق أخبروه بأنه ذاهب لمكان لإعادة تأهيله، ونُقل في سيارة بصحبة أربعة أشخاص، وهناك حقّق معه مرّة أخرى خلال 40 يومًا قضاها في زنزانة إنفرادية، وسُئل عن انتمائه لتنظيم ولاية سيناء ولكنه أنكر فصعق بالكهرباء مرّة آخرى وهُدّد بالإعدام أثناء هذا التحقيق، وبعدها اخبروه بأنه سيُنقل لمكان لا رحمة فيه، كان هذا المكان "معسكر الجلاء".

التقرير رصد استخدام رجال الأمن لأشكال مختلفة من التعذيب كان أبرزها سياسة التجويع تجاه المحتجزين وإعطائهم كميّات قليلة من المياه بمعدّل لتر واحد يوميًا للاستحمام والشرب وغسل ملابسهم، والصعق بالكهرباء وإجبارهم على الزحف عراة على بطونهم، الصعق بالأسلاك الكهربائية في الأطراف والأماكن الحساسة من الجسم، وإجبارهم على النزول في مصرف المياه والخروج منه دون استحمام كنوع من الإذلال لهم.

"المختفون قسريًا في انتظار إنصاف العدالة" كان ذلك تقرير حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2015، وثّقت فيه شهادة عدد ممن وضعوا داخل مبني الأمن الوطني بلاظوغلي، كان مصطفى أحدهم، حيث أفرج عنه في النصف الأوّل من 2014 بعد خضوعه للتحقيق 11 يومًا.


من السيارة إلى الميكروباص
اختُطف مصطفى من الشارع حيث كان في سيارة سياحية، وعند وصوله سأله الضابط عن معرفته لسبب وجوده بهذا المكان، لكنه نفى، فكان رد الضابط: "لما تعرف تعالى كلمني"، وبعد عّدة ساعات بدأ التحقيق معه من قبل ضباط، ووجهت له أسئلة حول من يشارك معه بالتظاهرات؟ لكنه أجاب: "بنزل بمفردي"، لتبدأ رحلة تعذيبه. ‬

طبقًا للشهادة، فقد نزعت ملابس مصطفى بالكامل وتعرّض للصعق بالكهرباء في كافة أجزاء جسده من أجل الاعتراف على أسماء المشاركين معه في التظاهرات.

ومع إصراره على إنكار معرفتهم، تم تعذيبه بأسلوب تعليق "العروسة"، وقيّدت يداه أسفل ركبتيه وأدخلت عصى طويلة تحت ركبتيه وبين يديه، ليعلق في الهواء كالذبيحة مع‬ و‫ضع طرفي العصا على كرسيين متقابلين، ما أدى إلى حبس الدماء في يديه وقدمه، مع استمرار صعقه.

في اليوم التالي، تكرر الوضع، بحسب التقرير، ليقول له أحد الضباط: "كل ما أسألك سؤال وتقول معرفش هكهربك"، وبدأ التحقيق حتى الرابعة عصرًا، واستمر تسعة أيام في تلك الدائرة.

في اليوم التاسع، غامر مصطفي برفع العصاب عن عينيه، ليجد معه في الغرفة 21 شابًا، وعندما لاحظه أحد الأفراد، اعتدوا عليه بالضرب لمدّة ساعة، وفي اليوم التالي فوجئ بوضعه داخل ميكروباص، وإلقائه منه ليجد نفسه على كوبري أبو الريش بمنطقة السيدة زينب.


الأرقام المجهولة
تبقي أعداد المختفين قسريًا في مصر مجهولة، لم تُعلن وزارة الداخلية أو تعترف بوجود مختفين لديها من قبل، وظلّت المنظمات الحقوقية توثّق الحالات التي استطاعت الوصول لها، كانت حملة أوقفوا الاختفاء القسري في تقريرها ربع السنوي لعام 2017، وثقت 107 حالة اختفاء منذ 1 يناير/كانون الثاني وحتى نهاية مارس/ آذار.

المجلس القومي لحقوق الإنسان، أصدرفي منتصف 2016 تقريرًا حول أعداد المختفين، جاء فيه أن ذروة الاختفاء جاءت بين عمليتي فض تجمعي رابعة العدوية، والنهضة في أغسطس/ آب 2013، تضمن حصر المجلس 266 حالة، أحالها المجلس القومي لوزارة الداخلية على 22 محافظة.

وبحسب تقرير هيومن رايتس ووتش "اختفاء العشرات سرًّا"، فإن المفوضية المصرية للحقوق والحرّيات، أطلعتهم على معلومات تفصيلية بشأن 14 شخصًا آخرين اختفوا في الشهرين اللذين أعقبا عزل مرسي ولم يظهرا بعد ذلك قط. وقامت عائلاتهم بتحرير محاضر رسمية لدى الشرطة وشكاوى أمام النيابة، التي لم تحقق فيها قط، بحسب قول محمد لطفي، مؤسس المنظمة، لـ هيومن رايتس ووتش. من جهتها، التنسيقية المصرية للحقوق الحرّيات رصدت خلال عام 2016 وحدة 1713 حالة اختفاء قسري، بينما رصد مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب 980 حالة ظهر منهم 105 فقط.

المساهمون