منسيّون.. فلاسفة عرب غيّروا التاريخ

منسيّون.. فلاسفة عرب غيّروا التاريخ

29 يوليو 2017
(ابن رشد، دي أغوستيني مكتبة الصور)
+ الخط -


يصعب على معظمنا أن يعد 10 فلاسفة مشهورين يعرفهم، وإن استطاع أحدٌ أن يقوم بذلك نجده يذكر فلاسفة الإغريق القدامى أو بعض فلاسفة آسيا المميزين من أمثال كونفوشيوس. لكن، وللأسف لا يذكر أحدٌ منا علماءً وفلاسفة عرباً كان لهم الأثر الأكبر في إغناء الفكر الإنساني على مرّ العصور المتعاقبة. يستخدم العالم اليوم النظام الرقمي الذي أسّسه العلماء العرب في ما يعرف بالعصر الذهبي الإسلامي؛ الفترة الممتدّة بين القرن الثامن والقرن الثالث عشر، كما وضعوا أسس البحث العلمي الصحيح الذي بتنا نستخدمه لمئات السنين.

وأعتقد أنّك قد سمعت ببعضٍ من هذه الأسماء مسبقًا بسبب شهرتها الواسعة، لكن أحببت ذكر المعروف والتطرق إلى المنسي لأعطي هذه الأسماء اللامعة ولو جزءًا بسيطًا من حقّها علينا كخلفاء لها باللغة أو الأرض، إن لم نكن بالفكر وحب المعرفة. قرأت مرّةً عن الطبيب الباحث يحيى بن عدي، ونعم وبكل صراحة لم أسمع به من قبل. لكن قبل الحديث عنه سأورد كلماتٍ صغيرة أوصى يحيى أن تُكتب على قبره عند وفاته:

رُبَّ مَيْتٍ قد صار بالعلم حيَّـا .. ومُبَقّى قـد مات جهلًا وعَيَّا
فاقتنوا العلم، كي تنالوا خلودًا.. لا تَعُدّوا الحياة في الجهل شيَّا

ولد يحيى بن عدي في مدينة تكريت في العراق في عام 893، وعمل خلال حياته على ترجمة الكثير من الكتب الإغريقية إلى اللغة العربية، مستعينًا بمعرفة اللغة السريانية، بما في ذلك كتب أفلاطون وأرسطو. ساهم إضافةً إلى ذلك بإغناء البحث العلمي عن طريق عددٍ من المقالات والأبحاث تجاوز عددها الخمسين مؤلفًا، ويعدّ كتاب "تهذيب الأخلاق" من أشهر أعماله.

"كتبت أكثر من 20000 صفحة، حتى أنّي أمضيت خمسة عشر عامًا من حياتي أكتب ليلًا نهارًا الموسوعة الكبيرة التي عنونتها باسم الحاوي. فقدت بصري خلال هذه الفترة وشُلّت يدي بعدها وحُرمت من القراءة والكتابة. لكن ومع ذلك لم أستسلم أبدًا".

كانت تلك كلمات العالم الشهير أبو بكر محمد بن زكريا الرازي، كان كيميائيًا، طبيبًا، وفيلسوفًا. يعزى إليه الفضل في وصف الحصبة والجدري لأوّل مرة كمرضين مختلفين. طوّر الرازي فكرًا فلسفيًا وصف الكون فيه على أنّه مكوّن من خمسة عناصر أساسية: الرب، الوقت، المكان، الروح، والمادة. إضافةً إلى تأليفه أوّل كتاب يتحدّث عن طب الأطفال.

وبالحديث عن الطب لا أظنّ أنني بحاجةٍ إلى التعريف بالطبيب الأشهر والعالم الألمع ابن سينا. يعتبر ابن سينا المفكّر الأعظم في العصر الإسلامي الذهبي، بكتبه التي بلغت 450 كتابًا. كتب ابن سينا عن علم الفضاء والنجوم، الكيمياء، الجغرافيا، الدين، المنطق، الرياضيات والفيزياء، حتى أنّه كتب الشعر. عمل خلال حياته على صقل الطريقة العلمية التي قام الفيلسوف الأشهر أرسطو بوضعها، وساهمت تعليقاته حول منهج أرسطو بالتأثير على الأوروبيين في فترة حركة التنوير الفلسفية.


"حسبنا ما كُتِب من شروح لمذاهب القدماء، آن لنا أن نضع فلسفةً خاصّة بنا"- ابن سينا
وإذا ما تبحّرنا في سير علمائنا وقرأنا في حياتهم وكتبهم نجد معظمهم قد برع في عدة مجالاتٍ ولم يقتصر على مجالٍ واحد. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان فخر الدين الرازي المولود في مدينة الري عالمًا موسوعيًا، وعلى الرغم من تبحّره في علوم السحر وما وراء الطبيعة إلا أنّ أبحاثه ودراساته قد امتدّت من العلوم الإنسانية، اللغوية والعقلية إلى العلوم الكونية كالفيزياء، الطب، الرياضيات، والفلك وبحسب ابن كثير فإنّ كتبه تجاوزت المائتين. ولعلّ أكثر ما يشتهر به هو كتابه "التفسير الكبير" الذي يعد من أهم كتب تفسير القرآن الكريم ولا يزال يستشهد به إلى وقتنا الحاضر.

ورد في كتابه "المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات" ما يعتبره الكثيرون شرحًا لقوانين نيوتن الأوّل والثاني والثالث. كان لامتداد الرقعة الإسلامية الكبير عبر القارات الثلاث أثرٌ كبير في إنتاج المفكّرين، وكان منهم المؤرّخ وعالم الجغرافية العثماني حاجي خليفة. كتب حاجي خليفة معجمه الببليوغرافي الشهير "كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون"، وهو مسرد ضخم لآلاف الكتب العربية، الفارسية والتركية قضى في كتابته ما يتجاوز عشرين عامًا ويُعتقد أنّه قام برؤية جميع الكتب المذكورة الذي تجاوز عددها خمسة عشر ألفًا حيث كان يورد عنوان كل كتاب، بدايته، نهايته، وبعض المعلومات عن حياة المؤلف وفصول الكتاب الرئيسية.


أول طرزان عرفته البشرية
وإذا تعمّقت أكثر في سجلات المؤلفات والمصنّفات العربية لن تغيب عن ناظريك قصّة حي بن يقظان التي ارتبط اسمها بالأندلسي ابن طُفيل. تحكي هذه القصة حياة حي بن يقظان الذي ولِد في جزيرة لوحده، لترمز من خلال صفحاتها إلى العقل ومختلف علاقات الإنسان وصلاته مع الدين والكون من حوله.

كانت هذه الرواية الفلسفية مصدر الإلهام الأوّل للفيلسوف الإنكليزي جون لوك الذي كتب كتابه الذي يتحدّث فيه عن حرّية العقل، ومقال عن الفهم الإنساني.

عداك عن مؤلفاته في الطب والفلك التي لم ينج منها الكثير، كانت هذه الرواية ملهمًا أساسيًا للكاتب دانييل ديفو الذي كتب قصة روبنسون كروزو، وقصة الكاتب إدغار رايس بوروس الشهيرة طرزان.

لا تتعدى هذه النجوم كونها غيضاً من فيض من سماء العصر العربي، الذي ذخر منذ الأزل بآلاف الأسماء التي تركت أثرًا كبيرًا سواءً في مجتمعاتنا المعاصرة أو حتى في بقية المجتمعات وفي مختلف الأزمان. ولم تكن هذه اللمحة السريعة إلا لتذكير بعض من ينكرون فضل العرب في العلوم بحجّة تراجعهم الحالي وابتعادهم عنها بما تذخر به رفوف المكتبة العربية وعقول أبنائها الملهمة.

المساهمون