الانقسام الفلسطيني.. إلى أن يحلم الشباب بـ البطالة

الانقسام الفلسطيني.. إلى أن يحلم الشباب بـ البطالة

21 يونيو 2017
(في حي خزاعة خان يونس، تصوير: محمد عبيد)
+ الخط -
في مثل هذه الأيّام قبل عشر سنوات بدأت أحداث "الانقلاب الأسود" كما يراها الفتحاويون، وبدأت "معركة الحسم" بالنسبة للحمساويين، لكن بدأت "أحداث الانقسام" الفلسطيني إرضاءً للحمساويين والفتحاويين، ويكونون منصفين معهم لأنهم تحت حكمهم بالضفّة الغربية وقطاع غزّة. ومع ذلك بقيَّ مجتمعهم خاضعًا لمماطلات المصالحة ومسلسلها الذي بدأ يعُرض أمامهم منذ عام 2009، لكن لا مخرجًا فلسطينيًا، حتى الآن، فبدأوا يبحثون عن مخرج عربي يخضعهم لأجندات عربية إلى جانب المصالحة منها برائحة إسرائيلية.

بدأت تلك الأيّام في غزّة ومكبّرات المساجد تكبِر بالنصر لأن الأجهزة العسكرية لكتائب القسام تمكنت من السيطرة على جميع المقرات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وبهذا سيطرت على القطاع كاملًا، لكن خلفت معركتهم، التي بدأت منتصف 2006 حتى منتصف 2007، أكثر من 800 ضحية من الأجهزة الأمنية للسلطة والقسّام وضحايا مدنيين آخرين ، وتبعها ضحايا أحياء، لكنهم أموات في قطاع غزة، يشاهدون الموت والخطر بسبب الحصار المفروض عليهم إلى جانب مقومات حياة معدومة مع عدوان متكرّر دمر البنى التحتية والبنايات.

لكن مع تلك الأحداث، اتجهت بوصلة أحلام الشباب الفلسطيني خصوصًا في قطاع غزّة من حلم التحرير أو الاستقلال إلى حلم البحث عن لقمة العيش والكرامة أو حتى ستر الجوع، بل ولاحقتهم جراثيم مجتمعية نتيجة الانقسام لا تزال قائمة في واقعهم وتنتشر أمام التجاذبات السياسية القائمة، أهمّها شبح المخدّرات والبطالة والانتحار.


انتحار الشباب
إلى وقت قريب، كان الانتحار بالنسبة للفلسطينيين أمرًا نادر الحدوث أو معدومًا تمامًا، فأرض الصراع لم تكن تصدّر إلا الشهداء، لكن في عام 2012 صُدم الغزيون إثر حادثة انتحار شاب بطلق ناري في حي الشجاعية وتبعه في العام نفسه، شاب آخر أحرق نفسه في مخيم الشاطئ، والسبب في الحالتين، كان قلة فرص العمل ومشاكل اجتماعية متراكمة عليهما.

لكن اليوم أصبحت هذه الظاهرة عادية في المجتمع الغزي، أمام حالات الانتحار التي باتت تعدّ بعشرات الحالات منذ ذلك العام ولغاية اليوم، لأن الحكام لا يتحرّكون أمام مطلب الشعب الحقيقي، والانتحار بالنسبة إلى بعض من فقد الأمل أصبح طريق هروب من مرارة الحياة في غزّة.

تسجّل تقارير فلسطينية رسمية، مئات محاولات الانتحار سنويًا. العشرات منهم ضحايا، 70 في المائة منهم أعمارهم تتراوح ما بين 20 إلى 28 عامًا، أي أنهم في ذروة عمر الشباب، وكانت آخر إحصائية للعام الماضي سجلت 14 حالة انتحار، 5 منهم في الضفّة الغربية و9 في قطاع غزة من أصل (227 محاولة انتحار) شنقًا أو بتناول السم والأدوية أو حرقًا.


شبح المخدّرات
المخدّرات كانت منتشرة بشكل محدود جدًا داخل المجتمع الفلسطيني قبل الانقسام، إلى جانب نشاط التجارة فيها، رغم أن تجّار المخدّرات في قطاع غزّة كان نشاطهم شبه علني في كثير من الأماكن، لكن لم تنتشر كحالها اليوم؛ فأمام كل المحاولات التي تبذلها أجهزة أمن غزة التي تحكمها وحماس والمعروفة بقوّتها الأمنية، إلا أنها باءت بالفشل أمام الكميات الضخمة التي تهرّب من مصادر غير معروفة إلى القطاع، وأمام ذلك لا يوجد سيطرة على عدد المدمنين في قطاع غزّة التي تفتقر الجهات الرسمية لأرقامهم الدقيقة خصوصًا المدمنين على عقار الترامادول المنتشر منذ سنوات الانقسام ولغاية اللحظة، ومعظم المروّجين والمدمنين هم من الشباب.

رغم صدور عقوبات جديدة تصل إلى حدّ الإعدام للتجار المروّجين للمخدرات، إلا أنها تجارتها مازالت مستمرة، حيث كما أعلن اللواء توفيق أبو نعيم مدير عام قوى الأمن الداخلي في قطاع غزّة، أن كميّة المخدّرات التي ضبطت في بداية عام 2017 في شهر يناير/ كانون الثاني تُعادل الكميّات التي ضُبطت خلال الفترة نفسها من العام الماضي 2016. وتبعتها عشرات الحملات كانت آخرها في شهر أبريل/نيسان الماضي والذي أكد فيه الناطق باسم داخلية غزة أن الكمية المضبوطة تعادل مبلغ 5 ملايين دولار.


البطالة حلم الشباب
أما البطالة أصبحت حلمًا اليوم، فقبل 10 سنوات لا يكاد الشباب الذين يبلغون سن الـ 18، إلا ويتم تعيين نسبة كبيرة منهم في الأجهزة الأمنية إلى جانب مواصلتهم الدراسة، وكانت البطالة نسبتها لا تذكر في ظل التشغيل القائم في السلطة الفلسطينية بعد ملف انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزّة وتسلّم محمد دحلان ملف التعيينات والتشغيل.

لكن ذلك العهد رغم كل الاختلافات القائمة على بعض الأشخاص في السلطة، إلا أنه كان عهدًا جميلاً عند الشباب ويذكرونه كأنه من مراحل نهوض فرص التوظيف في قطاع غزة، لأن اليوم على أرض الواقع، أصبح البحث عن "بطالة" مسعى كل خريج جامعي، بل إن بعضهم يسارع لتقديم طلبات عمل مؤقت تابع للحكومة الفلسطينية أو الأونروا وبعضهم قد يكون عامل نظافة في الشارع، هنا يمكن القول إن نسبة النصف منهم يمكن أن يخضعوا للعمل في التنظيف في الشوارع بشكلٍ مؤقت.

إلى جانب ذلك، أعلن مركز الإحصاء الفلسطيني في شهر فبراير/ شباط هذا العام ضمن آخر إحصاءات لمسح القوى العاملة في فلسطين، أن نسبة البطالة في قطاع غزة هي الأعلى في العالم بنسبة عدد السكان ووصلت 41.7% مقابل 18.2% في الضفة الغربية.


التعليم العالي ووظائف تعجيزية
نسبة المتعلّمين عند الشباب تزداد بالطبع، أمام كل الإحباط القائم في قطاعهم المحاصر، ويلجأون كلهم للتعليم، لأنه الوسيلة الوحيدة لمواجهة الظروف، ولعل مقولة "العلم نور" تنير طريقهم في القطاع المظلم معظم أوقاته، حيث وصل عدد المتعلمين رغم الحصار لنسبة 98.3% خلال آخر إحصاء لواقع التعليم العربي.

أما على صعيد الوظائف، فأمامهم شروط تعجيزية وتبرّر بعض المؤسّسات القائمة أنها تريد أصحاب الخبرات وليس الخريجين، حتى إن بعض تلك المؤسّسات تقوم بإعلان أرقام ضخمة من المتقدّمين لإحدى وظائفها وتستقبل بعضها عشرات آلاف طلبات التوظيف.

وأمام هذا الواقع المرير، تكتفي معظم الأحزاب الفلسطينية بشعارات الشباب كشكل تسويقي للحزب، وبالاطلاع على صفوف بعض أعضائها ويمثلها أعضاء بلغوا 80 عاماً، وأحزاب أخرى تعتبر نفسها شابة بأعضائها لكن يمثلها أعضاء في الأربعينات والخمسينات، وأمام فئة الشباب، يطلبون منهم الانتماء للحزب للحصول على امتيازات خاضعة لرؤيتهم، دون أن يشاركوهم مجالسهم التي تصنع القرار الفلسطيني المتناثر أكثر من الشعب المظلوم.

المساهمون