عازفات من غزّة.. نوتة ثامنة في موسيقى المجتمع

عازفات من غزّة.. نوتة ثامنة في موسيقى المجتمع

22 ابريل 2017
(في معهد سيّد درويش/ غزّة)
+ الخط -


لا تزال نظرات الاستغراب تلاحق الفتيات اللواتي يشاركن الفرق الموسيقية الفلسطينية، سواءٌ كان ذلك في الغناء أو العزف، رغم أن بعض الفلسطينيات المشاركات في المسابقات العربية كان حضورهنَّ قويًا خلال الأربع سنوات الماضية، لكن ذلك لم يغّير نظرة بعض فئات المجتمع التي لا تزال تفضّل عمل النساء في مهن محدّدة، تمنعهن من الاختلاط بالرجال أو المهن التي لا تُظهر صورهن على الشاشات.

في غزّة بدأت الصورة تتغيّر قليلًا، فبعض الفتيات اليوم؛ فضّلن الالتحاق بمعاهد الموسيقى، ويُعدُّ معهد سيد درويش في غزّة، الذي تشرف عليه فرقة "صول باند" متنفّسًا لبعض الفتيات الراغبات في تعلّم الموسيقى.

فارس عنبر، عضو فرقة "صول باند" الموسيقية، وهو شاب يبلغ 21 عامًا، نشأ على الموسيقى منذ كان في السابعة من عمره، وقد كان حينها طفلًا يعزف الإيقاع على الطبلة، من ثم انتقل ليعزف على كل آلات الإيقاع والعود، ومتخصّص حاليًا في العزف على آلة الدرامز. يتحدّث عن مراحل تطوّر معهد سيد درويش الذي كان ملتقى للفنانين، يتجمّعون فيه ويقيمون عروضًا موسيقية ضيقة، ومن ثم اقترح هو وفريقه بأن يُصبح معهدًا يعلّمون فيه الموسيقى لكل الفئات العمرية، ويركّزون على الأطفال والفتيات لخلق جيل يعبّر عن قضاياه المعاصرة والإنسانية عبر الموسيقى.

بدأ إنشاء المعهد بأموال خاصّة، من فريق "صول باند" الذي يضم سبعة أفراد، وكانوا يشترون بعض الآلات الموسيقية، من الأموال التي يجنونها من بعض العروض التي تنظّم في غزة، من أشخاص قادمين من الخارج يصطحبون معهم آلات موسيقية ذات جودة كبيرة، أو آلات قديمة لدى بعض الفنانين في غزّة، وانطلقت الفرقة في شهر يوليو/ تموز من العام الماضي 2016، في استقبال عشرة طلاب، وبعد شهرين وصل عدد الملتحقين إلى 36 طالبًا نصفهم من الفتيات.

يقول عنبر في حديث إلى "جيل": "في نهاية العام الماضي كان عدد الفتيات أكثر من الطلاب الشباب والأطفال، لكن الفتيات يقتصر دخولهن في المجال الموسيقي على العزف على آلات العود أو الغيتار أو البيانو، نظرًا للعادات والتقاليد من جانب الأسر التي تفضّل لبناتها العزف على تلك الآلات دون المشاركة في آلات الإيقاع".

يبلغ عدد طلاب المعهد أكثر من 60 طالبًا اليوم، من بينهم 45 عازفًا موهوبًا لا يدفعون رسومًا مقابل دروسهم الخاصّة، وتتكفّل المدرسة بتطوير قدراتهم لبلوغ الاحتراف في العزف والغناء والمشاركة في الاحتفالات مستقبلًا.

المشكلة في غزّة، تكمن في أن بعض الحفلات التي تضمّ فتيات في العزف أو الغناء يتمُّ منعها من طرف وزارة الداخلية، بحجّة رفض "الاختلاط" في الحفلات الشبابية، وفريق "صول باند" مُنع من إقامة حفلات لأنه يُعطي دورًا لفتيات بالمشاركة معه في بعض الحفلات.

الملحّن الفلسطيني سلام سرور، مدير المعهد وهو والد أحد أعضاء فرقة "صول تيم"، يوضّح أن توجّه الموهوبين في الغناء والعزف في الأربعة أعوام الأخيرة، سببه المواهب الفلسطينية التي تمكّنت من الظهور عبر مسابقات عربية ودولية، وكانت بداية الشرارة لهم فوز محمد عساف، الذي كان زميل المغنّين والعازفين في غزّة، الشباب يحلمون بأن يصعدوا على المنبر الذي سبقهم إليه عساف، وبعض الأهالي أصبحوا يشجّعون أبناءهم أكثر من أي وقت سابق.

لكن لغاية اللحظة، لا تزال المعاهد الموسيقية في غزّة محدودة جدًا كما يشير سرور، ولا يتجاوز عددها العشرة، ويبحث الموهوبون في غّزة عن مختصين في المجال الموسيقي، ولهم حضور قوي في العروض، وهو ما جذب الطلاب في معهد سيد درويش نظرًا لحضور اعضاء "صول تيم" في الكثير من العروض وكسبوا ثقتهم خصوصًا الفتيات منهم.

ويقول سرور في حديث إلى "جيل": "نعتمد كفلسطين على الأغنية الوطنية في بداية تعلّم الموسيقي ما بين عزف على مختلف الآلات أو الأغاني، لكن الفتيات في غزة يملن لتعلّم العزف والغناء على اللون المصري القديم والحديث أيضًا، إضافة للأغاني التراثية، لأن العنصر الذكوري في غزة، كأهالي الشام بشكل عام يميل للون الشامي الجبلي في العزف والغناء".

فاتن الصوراني، واحدة من طلاب المعهد، تبلغ من العمر 20 عامًا وهي طالبة في جامعة الأزهر في تخصّص القانون، بدأت تتدرّب منذ سنتين على العزف على الكمان، لكنها واجهت صعوبات داخل أسرتها قبل المجتمع، رغم أنهم يحبّون الموسيقى ويستمعون لها بشكل متواصل.

تقول المتحدثة إلى "جيل": كانت نظرة أهلي للعازفين نظرة سلبية ولا يفضّلون أن تخوض الفتاة تجربة العزف معهم، لكن بدأت بإقناعهم بشتى الطرق حتى اقتنعوا برغبتي في ذلك"، لكنها واجهت انتقادات في الشارع عندما تصطحب الكمان معها متوجّهة للمعهد.

جذب دخول الصوراني لتعلّم الموسيقى زميلاتها في الجامعة، ومنهن من استبعدن التحاقهنّ بسبب النظرة المجتمعية السلبية للفتاة التي تشارك الفرق الموسيقية، ولاحظت أن كثيرًا من الفتيات بدأن بتقبّلن الفكرة غير آبهات بالمجتمع، وتطمح المتحدّثة إلى المشاركة في العروض الكبيرة في العزف على الكمان.

المساهمون