اليمن: "مليشيا المخدّرات" في ساحات القتال

اليمن: "مليشيا المخدّرات" في ساحات القتال

25 ديسمبر 2016
أنصار ميليشيا الحوثي (تصوير: محمد حويس)
+ الخط -
على مدى سنوات طويلة ظلّ اليمن بلدًا معذبًا وفقيرًا، نتيجة تفاقم مشاكله في شتى المجالات، إضافة إلى ظهور نشاطات ممنوعة أسهم النظام في بقائها، وأبرزها تجارة المخدرات وتهريبها من وإلى اليمن، واتّضح أن تجار المخدرات ومهربيها تتم حمايتهم من قبل قادة أمنيين وضباط في جهازي الأمن القومي والسياسي، وسرعان ما كان يتم إطلاق سراحهم من السجون في حال تمّ القبض عليهم في النقاط الأمنية.

لم يعد خافيًا على أحد، أن تجارة المخدرات في اليمن ظاهرة توسّعت وتطوّرت على أيدي رجال سلطة الرئيس السابق صالح، والذين ما زالوا إلى اليوم ينشطون في هذا السوق الذي انتعش بعد دخول البلاد في حرب طاحنة.

يعتبر الكاتب الصحافي حمود هزاع في حديث إلى "جيل"، أن تجارة المخدرات في اليمن مرتبطة بنظام صالح منذ السبعينيات، وتكاد تجارة المخدّرات تكون محصورة عليه، مضيفًا: "لعل الجميع يعرفون قصّة الشهيد اللواء عبد الرّب الشدادي الذي فصله الرئيس المخلوع صالح بداية الثمانينيات من الجيش، على خلفية إقدامه على إتلاف كميات كبيرة من الخمور والمخدّرات كُلّف بإيصالها إلى صنعاء على اعتبار أنها شحنة أسلحة، ذلك الرفض الذي أبداه الشدادي ومعظم اليمنيين، استغله الحوثيون للتقرّب من صالح وّأصبحوا يعملون معه بعدها، حتى باتت أسماءهم مرتبطة بقضايا المخدرات في اليمن، حيث كانوا يستغلّون أجهزة الدولة في حماية تجارتهم، إلى أن أصبحوا شركاء لصالح".


تورّط الحوثيين
الأجهزة الأمنية اليمنية في محافظة مأرب، الموالية للشرعية، أحبطت الأسابيع الماضية، محاولة تهريب كمية كبيرة من الحشيش، والمخدرات، إلى مليشيات الحوثي والمخلوع في صنعاء، وتولّت عمليّة إحراقها وإتلافها أمام وسائل إعلامية.

وأكد نائب مدير أمن محافظة مأرب العميد الركن عبده السياغي، في تصريحاته، أن المخدرات كانت مخبأة في قاطرة محملة بالأسمنت، كانت قادمة من محافظة حضرموت، وفي طريقها إلى صنعاء، مشيرًا إلى أن الشحنة المضبوطة تمثّلت في 352 كيلوغرامًا من الحشيش والمخدرات".

تتمدد عصابات المتاجرة وتهريب الحشيش والمخدرات في مناطق يمنية كثيرة، خصوصًا تلك المناطق الحدودية مع دول الجوار، وتحديدًا في منطقة حرض الواقعة على الحدود اليمنية السعودية ومنطقة ميدي القريبة منها، والمطلّة على البحر الأحمر، وباتت هذه العصابات تمتلك كثيرًا من العقارات والسيارات والأسلحة المتنوّعة، وتنفذ حملة استقطابات واسعة بين سكان هذه المناطق للعمل معها طبقًا لمصادر أمنية.

وتشير المصادر الأمنية إلى أن هناك عدّة مجموعات تعمل في هذا المجال؛ بينها مجموعة مشكلة من بعض مواطني منطقة حرض مع حوثيين من صعدة، وأخرى مشكلة من حرض وميدي وعبس ومن مناطق أخرى من محافظة الحديدة وصعدة، يقومون بالتهريب عبر البرّ والبحر، ويستغلّون العاطلين عن العمل في التهريب.

هناك مجموعات تهريب يستغلّون الشخصيات البارزة، ويدخلون السعودية بسيارات فارهة ومعهم كميّات كبيرة من المخدرات والحشيش، ومنهم من يُلقى القبض عليه، إضافة إلى أن هناك تهريبًا عن طريق النساء اللواتي يستخدمن الحمير لعدم جلب الانتباه.

تلتقي مصلحة الحوثيين في هذه المنطقة مع مصالح المتاجرين بهذه المخدرات، كون التهريب يتمّ إلى السعودية، فضلًا عن الدخل الذي تعود به عليهم هذه المخدرات ماديًا.

مسالك التهريب
يستعمل مهرّبو المخدرات إلى السعودية، طرقًا رئيسية برية وبحرية، حيث تنتقل المخدرات من إيران عبر خليج عمان، ثم عن طريق برّي من محافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عمان، مرورًا بمحافظات حضرموت وشبوة ومأرب والجوف، وهي محافظات خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، وصولًا إلى معقل الحوثيين بمحافظة صعدة على الحدود السعودية.

كما يسلك المهربون طريقا ساحليًا عبر البحر الأحمر، وصولًّا إلى ميناء ميدي شمال غرب اليمن، والمحاذي للساحل السعودي بمدينة جازان.

وباستمرار تعلن المنطقة العسكرية الخامسة الموالية للشرعية، إحباط عمليات تهريب كميات كبيرة من المخدرات والحشيش باتجاه السعودية، وتقول إن المهربين يعملون لصالح جماعة الحوثيين.

الإدمان على المخدرات ظاهرة اجتماعية ليست جديدة في اليمن، لكنها تفشت مؤخرًا بشكل كبير، خصوصًا في ظل الظروف الاستثنائية التي يخضع فيها البلد للتمزّق وويلات الحرب والصراع السياسي والأهلي.

ويشير أخصائيون إلى أن الشباب هم الفئة الأكثر عرضة للوقوع في الإدمان، ويرى كثيرون منهم، أن السبب الرئيسي هو التمزّق الاجتماعي الناتج عن الحرب.

الاختصاصيون يؤكّدون أن الظروف النفسية الصعبة التي يعيشها اليمنيون اليوم زادت من حالات الاكتئاب لديهم، ولذا يندفع الكثير من مرضى الاكتئاب إلى تعاطي المخدرات.

وتتوفّر المخدرات في السوق اليمني على اختلاف كمياتها وأنواعها، وقد صار تجار المخدرات يتحرّكون بحرية داخل البلاد، خصوصًا في ظل الانفلات الأمني، وتحت مساعدة مطلقة من قبل مليشيا الحوثي، التي تعتبر المستفيد الأول.

الصيدليات واحدة من الأماكن التي تباع فيها الأقراص المهدئة (المخدّرة)، حيث أكد العديد من العاملين في بعض الصيدليات عن تردّد المدمنين عليها، وللأسف صارت الصيدليات تقدّم تسهيلات لهؤلاء لأشخاص وتقوم ببيع الأقراص لهم وذلك بهدف الربح، ويتم ذلك خصوصًا في ظل غياب الرقابة التي يفترض أن تتابع الصيدليات.


حبوب رسمية
ليس الربح هو ما تسعى إليه جماعة الحوثي من تجارة المخدّرات فقط، بل أصبحت المخدرات سلاحًا رئيسيًا في الحرب؛ فالحوثيون يوزّعون اليوم أقراص المخدرات على المقاتلين في صفوفهم، قبل قيامهم بتوزيع الرصاص والذخيرة والسلاح.

انتشار المخدرات بين المقاتلين من طرف الحوثيين هو الظاهرة الأبرز مع استمرار الحرب في اليمن، إذ بات تعاطي المخدرات أمرًا مألوفًا حتى في المعسكرات الواقعة تحت سيطرة المليشيا.

عبد الهادي العزعزي الناشط السياسي، والموجود في ميادين القتال يقول لــ "جيل": "مثلما تقوم الحركة الحوثية باستخدام الخرافة في التأثير على اليمنيين البسطاء ومعظمهم من الشباب، فإنها تستخدم المخدرات في معاركها، من أجل التقليل من نسبة إدراكهم لحجم المخاطر المحيطة بهم أثناء المعارك، ومن جهة تجعل مقاتليها شديدي الولاء، حدّ "العبودية"، مقابل حصولهم المستمر على المخدرات على حدّ قوله.

ويشير العزعزي إلى أن جنود الحوثي يتعاطون "الفاليوم" و"الديزبام"، وعشرات المنشطات، وتباع في بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وفي البقالات، وتستخدم مع القات وتتحوّل إلي منبه قوي جدًا، حتى صارت تعرف بــ"حبوب الشجاعة".

تحدث "جيل" إلى أحد المقاتلين الذين كانوا يقاتلون في صف الحوثي، حيث أكد أن الحوثيين يقومون بتوزيع المخّدرات على المقاتلين في جبهات القتال، وهناك مادة تعرف بــ"الشمة" يعتقد مروان حاتم أن هذه المادة تُخلط بمواد مخدّرة، إضافة إلى ذلك هناك أقراص توزّع على مقاتلي الحوثي بشكل مستمرّ خصوصًا لمن يتقدّمون الصفوف الأولى في مناطق النزاع.

يؤكّد المتحدّث، أنه تناول هذه الأقراص أكثر مرة، وكانت تمنحه شعورًا غريبًا وتجعله يقوم بتصرّفات غريبة.

جماعة الحوثي لم تنهب الخزينة العامة للدولة، ولم تدمّر المدن ولم تقتل اليمنيين بالنار فقط، ولكنها تريد قتلهم بأقراص المخدرات، وأمام اليمنيين اليوم العديد من المهمّات الواقعة على عاتقها، ومن ضمنها محاربة المخدرات التي عمل الحوثيون على تدفقها إلى البلاد بشكل مدمر.

المساهمون