"الوكالات"... أسواق شعبية ومزارات تاريخية فى زيارة واحدة

"الوكالات"... أسواق شعبية ومزارات تاريخية فى زيارة واحدة

01 فبراير 2017
تحوي منطقة الحسين العدد الأكبر من الوكالات (فرانس برس)
+ الخط -
بناء مستطيل أو مربع، مكون من عدة طوابق "ثلاثة على الأكثر"، ينقسم طابقه الأول إلى محال متساوية المساحة ومتجاورة، أما باقي الطوابق فهي أشبه بالغرف الفندقية المتراصة، وفي وسط البناء ساحة مفتوحة القبة - بلا سقف -، تقود إليها بوابة ضخمة، على واجهتها لافتة تحمل اسم (الوكالة).

في الدولة الفاطمية، ظهرت فكرة إنشاء الوكالات، حينما أنشأ الخليفة، الآمر بأحكام الله، في القاهرة أول وكالة، وكانت عبارة عن دار - يشبه تصميمها البناء السابق - لإقامة التجار الذين يتوافدون من باقي المحافظات، وأطلق عليها وقتها (دار الوكالة).

استمرت "دار الوكالة" فى استقبال التجار المصريين والأجانب الذين يأتون إلى القاهرة لعقد الاتفاقيات التجارية والإقامة فيها حتى عهد المماليك، حيث بدأ بناء الوكالات يتخذ منحى آخر تماماً.


فمع ازدياد أهمية مصر كمركز تجاري بين الشرق والغرب، وزيادة توافد التجار إليها والتمركز فيها لعقد الاتفاقيات وبيع البضائع، بدأ ظهور الحاجة لوكالات جديدة، لا تقتصر فقط على إقامة التجار أو مركز لعقد الاتفاقيات بينهم، بل أيضاً تكون وسيلة لعرض المنتجات والبضائع، لتبدأ الوكالات للتحول إلى أسواق شعبية، منها من كان يقتصر على بيع بضاعة واحدة وتسمى على اسمها مثل (وكالة البلح)، ومنها ما كان يبنيها أحد التجار لتأجير محالها دون اشتراط نوع محدد من البضاعة، وكانت هنا تسمى باسمه، مثل (وكالة الغوري).

مع الوقت، انبثق من الوكالات أشكال أخرى من البنايات، تتشابه معها في الغرض وإن اختلفت فى طريقة البناء أو طريقة العمل بداخلها، مثل (الخانات) والتي كانت تختلف فى أنها لا تعتمد على مبنى واحد وإنما تمتد بناياتها على شكل شوارع، كان أشهرها (خان الخليلي) وذلك قبل الزحف العمراني إليه، و(القيساريات) والتي كانت أشبه بمدينة تجارية تضم عدة وكالات.

فى وسط القاهرة ما زالت مباني عدد من الوكالات - حوالى 14 وكالة من أصل 33 وكالة - موجودة، حتى الآن، فضلاً عن بعض الوكالات الموجودة فى عدد من المحافظات، تخضع جميعاً لإدارة وزارة الآثار المصرية بالاشتراك مع وزارة الثقافة.

عوامل الزمن والإهمال تركت تأثيراً سيئاً على أغلبها، منهم من تدخلت الحكومة لإنقاذه بينما لم يصمد الباقي، وأصبح مجرد ذكرى من التاريخ فقط، مثل (وكالة عباس أغا) لم يتبق منها سوى البوابة الحجرية وباب خشبي، و(وكالة طوسون) والتي أنشأها الأمير طوسون فى عام 1340، و(وكالة باب الجوانية)، التي أنشأها السلطان برقوق فى عام 1390.

أما أشهر الوكالات الموجودة، حتى الآن، والتي تقع أغلبها فى أحياء القاهرة الفاطمية، هي (وكالة الغوري) والتي تقع في شارع التبليطة بالقرب من الجامع الأزهر، وتنسب إلى السلطان الغوري الذي أنشأها فى أوائل القرن 16، حيث ضمتها وزارة الثقافة إليها وقامت بتجديدها وتحويلها إلى مركز لفنون الحرف التقليدية ومرسم للفنانين التشكيليين.

فضلاً عن (وكالة قايتباي) والتي تقع فى شارع باب الفتوح خلف باب النصر بمصر القديمة، ويعود تاريخها إلى 600 سنة، والتي بدأت كفندق فى عام 1481 ثم توسعت بعد ذلك لبناء حوانيت الوكالة.

وهناك (وكالة نفيسة البيضا)، والتي تقع على مقربة من باب زويلة، وتسمى على اسم صاحبتها الجارية الجركسية "نفيسة البيضا" والتي تزوجت من علي بك الكبير، وكانت الوكالة مركزاً لبيع الشموع، وهي التجارة المستمرة فيها حتى الآن.

وتعد أيضاً (وكالة بازرعة) أحد الشواهد الحديثة على الوكالات التاريخية، والذى ساعد على ذلك مشروع الترميم الذى انهته وزارة الآثار للوكالة في 2001، تقع فى شارع التمبكشية المتفرع من شارع المعز لدين الله الفاطمي بمنطقة الحسين، وكانت تعرف سابقاً بـ(وكالة الكيخيا) لصاحبها حسن كتخدا، حيث كانت معدة لبيع الأخشاب، وقد ظلت معروفة بهذا الاسم، حتى أواخر القرن 19، حينما اشتراها (محمد بازرعة وهو تاجر من أصل يمني) وأطلق عليها وكالة بازرعة، لتتحول من بيع الأخشاب إلى بيع الصابون النابلسي والبن اليمني.

وفي نفس الشارع تقع (وكالة أودة باشا) والتي تم بناؤها عام 1673 وتعتبر من أكبر البنايات فى الشارع، ويصل عدد غرفها إلى 55 وحدة، وحوالى 26 محلاً متنوعاً، أنشأها الأمير محمد علي وأخوه ذو الفقار.

اللافت للنظر، أن منطقة الحسين تحوي العدد الأكبر من الوكالات، وكان السبب فى ذلك هو شهرة هذه المنطقة التجارية في ذلك الوقت، لذا كان الأمراء والحكام يتسارعون إلى بناء بنايات تحمل أسماؤهم عليها، فمنهم من كان يبني المساجد أو الوكالات أو الخانات.

المساهمون