سيارات مجهولة البيانات...غزيون يفقدون حياتهم وحقوقهم بسبب مركبات "البودي"

سيارات مجهولة البيانات...غزيون يفقدون حياتهم وحقوقهم بسبب مركبات "البودي"

25 يوليو 2017
1000 شيكل قيمة غرامة السيارة مجهولة البيانات (العربي الجديد)
+ الخط -
فقد الثلاثيني الغزي حسام عبد الله، كافة حقوقه القانونية والمالية في الحصول على تعويض مالي، بعد تعرّضه لحادث سير في إبريل/ نيسان بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، إذ إن المركبة التي صدمته كانت بلا أوراق وليس لها أي بيانات مسجلة لدى دائرة الترخيص التابعة لوزارة النقل والمواصلات، ما تسبّب في إصابته بكسور شديدة في القدم والكتف والجمجمة.

قضى عبدالله أسبوعين في مستشفى غزة الأوروبي وخضع لعمليات جراحية معقّدة، فيما تم زجّ السائق في السجن، واشترطت الشرطة إتمام الصلح بينه وبين عائلة عبد الله، من أجل إطلاق سراحه، وهو ما تم بعد أن دفع ثلاثة آلاف دولار أميركي للعائلة، غير أنها كانت أقل بكثير من تكاليف العلاج، كما يقول المحامي المختص في قضايا التعويض أيمن أبو عيشة، مؤكداً أن التقرير الطبي الخاص بالمجني عليه يعد معياراً مهماً لتقدير القضاء لقيمة التعويض، والتي قد تصل إلى 15 ألف دولار في حالة عبدالله، والذي يقول شقيقه حسام: "اضطررنا للصلح مع مرتكب الحادث، اتباعاً للعادات والتقاليد على الرغم من عدم اقتناعنا بها، إذ إن السائق كان يقود سيارة "بودي" مجهولة البيانات عامداً، ما يجعل شركات التأمين لا تغطي مثل تلك الحوادث، والتي تضيع فيها حقوق المجني عليهم".


ما هي سيارات "البودي"؟

يطلق مسمّى "البودي" على مركبات غير قانونية وصلت إلى غزة بشكل غير رسمي، من دون المرور على جهات الاختصاص، إذ إنها غير مسجلة في حواسيب وزارة النقل والمواصلات أو إدارات شرطة المرور، وبالتالي لا تحمل لوحات أرقام، وعددها يزيد وينقص باستمرار وفقاً لإمكانية تهريبها إلى القطاع، بحسب إفادة محمود ياسين، الناطق باسم وزارة النقل والمواصلات في قطاع غزة.

وتعدّ تلك السيارات أحد هواجس شرطة المرور ووزارة النقل والمواصلات في غزة، كما يقول الرائد إياد المدهون مدير المكاتب الفنية بشرطة المرور، مؤكداً أن تلك السيارات غير القانونية أحد الإشكالات الخطرة في غزة، والتي تهدد الأمن في القطاع، ما جعل الشرطة تبذل جهوداً كبيرة للحد منها.

وأوضح الرائد المدهون أن المركبات المضبوطة من هذا النوع يغرّم مالكها 1000 شيكل (280 دولاراً)، ويمنح فرصة زمنية يحددها القاضي لتسوية أوضاعها وترخيصها، وإلا سُحبت منه.

ويضع بعض السائقين لوحات ذات أرقام مزيفة على تلك المركبات، ويتحرّكون في مناطق جانبية، أو خلال ساعات الليل، حتى لا تضبطهم الشرطة وتحجز سياراتهم ويغرموا بالمبلغ المحدد، ما قد يتسبب في حصول غيرهم على الغرامة كما حدث مع الأربعيني نادر جابر، والذي فوجئ بمخالفة سير مدرجة على سيارته حين توجه إلى دائرة الترخيص بهدف تجديد الرخصة، وبعد الاستفسار والفحص تبين أن المخالفة مسجلة بنفس رقم سيارته، لكن لون السيارة المسجل من قبل الشرطي مختلف عن لون مركبته، وعقب التحقيق تبيّن أن مالك سيارة بودي وضع لوحة أرقام مزيفة تشابهت مع رقم سيارة جابر.

حسام عبد الله فقد كافة حقوقه القانونية بعد أن صدمته سيارة "بودي" (العربي الجديد)


حوادث قاتلة

بلغ عدد الحوادث المرورية منذ بداية عام 2015 حتى نهاية شهر مايو/ أيار من العام الجاري 9107 حوادث، تسببت في مقتل 177 مواطناً، وإصابة 8670 شخصاً، فيما تسبّبت المركبات مجهولة البيانات في 1833 حادثاً من المجموع الكلي خلال تلك الفترة، وراح ضحيتها 39 قتيلاً خلال الفترة المذكورة، وفق مكتب تحقيقات حوادث المرور في قطاع غزة، والذي يحتجز 200 سيارة من هذه النوعية تسببت في حوادث، وتتباين أنواع تلك السيارات بين القديم من نوع "سوبارو" اليابانية، و"كيا وهيوانداي" للأنواع الحديثة، والتي دخلت عبر الأنفاق كما يقول الناطق باسم وزارة النقل والمواصلات.

ومرت تلك السيارات بمرحلتين منذ تولي السلطة الوطنية إدارة غزة في عام 1994، إذ كان عددها 2500 سيارة، في عام 1995 معظمها كانت مملوكة لمستوطنين باعوها لغزيين وادّعوا أنها تعرّضت للسرقة، للحصول على تعويضات من شركات التأمين، لكن بعد ذلك تم ترخيصها بشكل مؤقت، وهو ما كان يطلق عليه "ترخيص مسروق"، وكانت تحمل لوحات أرقام مميزة عن غيرها، كما أوضح عماد محسن، تاجر سيارات تعامل في شراء وبيع تلك السيارات، والذي تابع "دخل بعد عام 2011 مزيد من سيارات البودي، قادمة من مصر وليبيا، وملأت القطاع مجدداً".


سيارات رخيصة

يستخدم الموظف في السلطة الوطنية محمود عمر سيارته من نوع "كيا أوبتميا" منذ سنوات في تنقلاته، على الرغم من أنها غير مسجلة لدى إدارة التراخيص، إذ شجّعه رخص ثمن السيارة، والذي لا يزيد على نصف ثمن سيارة مشابهة منتجة في عام 2014، لكن عدم دفعه مستلزمات الترخيص والجمارك والرسوم وغيرها من المتطلبات المالية شجعه على استخدامها حتى لو اضطر في يوم ما إلى دفع الغرامة التي لن تزيد عن 1000 شيكل، وهو ما يستطيع تحمله.

ولا يزيد ثمن "السيارة البودي" عن ثمانية آلاف دولار في حال كانت من النوع الحديث من موديلات 2012 وما بعدها، كما يقول تاجر السيارات محسن، مشيراً إلى أن مثيلاتها من السيارات المرخصة والقانونية يتجاوز ثمنها 15 ألف دولار، غير أنه لفت إلى أن مالكي هذه السيارات يأملون في تغيير قوانين ترخيص السيارات لاحقاً، حتى يتمكّنوا من ترخيصها، إذ إن عمليات ترخيص تلك السيارات معقدة جداً وتتطلب دفع رسوم باهظة.

وأوقفت وزارة النقل والمواصلات في قطاع غزة ترخيص سيارات البودي، خاصة تلك التي دخلت من خلال الأنفاق، وفق ما جاء على موقع الوزارة الرسمي على الإنترنت، في إجابة على تساؤلات مواطنين، عن سبب وقف الترخيص بعد عام 2012، وردّت الوزارة بأن ذلك كان لاكتشاف أن بعض هذه السيارات مسروقة، وجاءت عبر الأنفاق بشكل غير رسمي، وحتى لو تم السماح بترخيص بعضها، وهذا نادراً ما يحدث، كما قالت الوزارة، فإن المالك يضطر إلى دفع غرامة مالية وجمارك ورسوم ترخيص، قد تصل في مجموعها إلى نحو ثمانية آلاف دولار أميركي.


أربعة مخاطر

تشكّل هذه السيارات خطراً على الأمن في قطاع غزة، إذ إنها سيارات بدون لوحات أرقام، وهو ما يسهّل استخدامها في ارتكاب الجرائم، أو المخالفات القانونية، كما يقول الرائد المدهون، ويضيف تاجر السيارات عماد محسن، والذي توقّف عن التعامل بهذا النوع من السيارات، أن مخاطر سيارات البودي يعاني منها تجار السيارات الجديدة، والتي تنخفض أسعارها، بسبب ضعف الحركة الشرائية المرتبطة بميل المشترين إلى امتلاك سيارات رخيصة الثمن والتكلفة، ما أدى، ضمن حزمة من العوامل، إلى انخفاض هامش ربح تجار السيارات من 17% في عام 2012 إلى أقل من 5% في عام 2017.

ومن ناحية أخرى لا تدفع تلك السيارات مكوساً وجمارك وبدل ترخيص لوزارتي المالية والنقل والمواصلات، ما يسهم في خفض إيراداتها، بينما الخطر الثالث، وهو أهم تلك الأضرار بحسب محسن، فهو إلحاق أذى كبير بالمصابين في حوادث وقعت بسبب تلك السيارات، والذين تضيع حقوقهم القانونية ولا تعترف بها شركات التأمين، وقد يفقد بعضهم حياته وتظل عائلته بلا معيل، وهو ما يوافقه عليه الناطق باسم وزارة الصحة الدكتور أشرف القدرة، قائلاً إن "الحوادث المرورية المتزايدة في غزة تُؤثر على عمل الطواقم الصحية وعلى الخدمات الطبية المقدمة للمواطن". وتابع مضيفاً "ينجم عن تلك الحوادث معاقون وهؤلاء تتكلّف أسرهم مبالغ مالية كبيرة لإعادة تأهيلهم، وكل هذه المخاطر ترجع إلى عدم تغطية شركات التأمين مخاطر تلك السيارات غير القانونية".


وتنص المادة 144 من قانون التأمين الفلسطيني رقم 20 لسنة 2005، على إلزام من يستعمل مركبة بتعويض المصاب عن كل ضرر جسماني أو مادي أو معنوي ناتج عن حادث طرق كان للمركبة دخل فيه. كذلك تنص على أن "من يستعمل المركبة أو من يأذن باستعمالها مسؤول مسؤولية كاملة ومطلقة عن تعويض المصاب، بغضّ النظر عما إذا كان هناك خطأ من جانبه أو من جانب المصاب أم لم يكن".

ويقول المحامي أبو عيشة إن توقف عمل الصندوق الوطني لضحايا حوادث الطرق ألحق ضرراً كبيراً بالمصابين بسبب حوادث سببتها مركبات مجهولة البيانات (بودي)، إذ كان هؤلاء المصابون يحصلون على تعويضات من الصندوق في السابق، وتوقف عمل الصندوق منذ عام 2007، بسبب الانقسام الفلسطيني وتبعاته، وبات من يصدمهم سائق سيارة غير مرخصة مضطرين للجوء إلى العرف والعادة والقضاء العشائري للحصول على حقوقهم، لكن عبر الجاهات؛ وهي وفود عشائرية تتدخل للصلح بين الجاني وعائلة المجني عليه، وتتم ممارسة ضغوط كبيرة على عائلات المجني عليهم، وتفرض ثقافة "عدم قبول العوض"، على عائلة المصاب، لإجبارها على التنازل عن كثير من حقوق ابنها، حتى يرتضوا بالقليل من المال في مقابل إرضاء الجاهة والإفراج عن المجني عليه، والذي تحتجزه الشرطة حتى إتمام الصلح، كما حدث مع عائلة الشاب محمد نصر، والذي راح ضحية حادث سير وقع بواسطة سيارة مرسيدس بودي في عام 2013، غير أن تدخل الجاهة أجبر عائلة المجني عليه على التنازل عن حقوقها في الدية والتعويض، نظراً إلى صعوبة الأوضاع المادية للسائق.