التحريض على المهاجرين... تعاون رئاسي وحزبي في تونس لاستهداف الوافدين

التحريض على المهاجرين... تعاون رئاسي وحزبي في تونس لاستهداف الوافدين من جنوب الصحراء

تونس

سناء عدوني

سناء عدوني
سناء عدوني
صحافية تونسية
21 اغسطس 2023
+ الخط -

كيف جرت صناعة خطاب التحريض على المهاجرين من دول جنوب الصحراء في تونس؟ ومن المسؤول عن ترويج أكاذيب تتهمهم بنشر الإيدز والأمراض المعدية؟ سؤالان يجيب عنهما تحقيق "العربي الجديد" الذي يتتبع من أطلق الشرارة.

- ينهمك المهاجر العشريني السوداني رافي إسماعيل، كما عرّف عن نفسه باسم مستعار خوفا من مناخ التحريض المتفشي بتونس، في نصب خيمة إلى جوار 15 من رفاقه المجهدين ممن يحتمون أسفل مظلات وسط بناية متهالكة في ضاحية البحيرة شمال العاصمة، على مقربة من مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، احتجاجا على ما يقع بحقهم من انتهاكات وتعنيف وترحيل على يد السلطات التونسية والأهالي كذلك.

ويتحسر رافي على ما آلت إليه حالهم قائلا: "هربنا من الحرب والتجنيد وجئنا إلى تونس بحثا عن السلام، لكن الناس رفضونا وعنفونا ولا نعلم مصيرنا الآن".

وتعد معاناة رافي ورفاقه جزءا من مشهد تصاعد العنف والكراهية ضد الأجانب من دول جنوب الصحراء في تونس، والذي يوثق "العربي الجديد" كيف ولد وتطور حتى بات المهاجرون وطالبو اللجوء يعيشون في مناخ يتسم بانعدام الأمن والخوف على حياتهم والقلق من المتربصين بهم، وهو ما يتطابق مع ما وثقته منظمة هيومان رايتس ووتش في تقرير نشرته بعنوان "تونس: لا ملاذ للمهاجرين واللاجئين الأفارقة السود" بتاريخ 19 يوليو/تموز 2023، والذي اعتبرت فيه أن "تونس ليست مكانا آمنا لمواطني البلدان الأخرى إذ ارتكبت قوات الشرطة، والجيش والحرس الوطني والبحري انتهاكات خطيرة ضدّ المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الأفارقة السود، وشملت الضرب، واستخدام القوّة المفرطة والتعذيب والاعتقال والطرد الجماعي والإخلاء القسري وسرقة الأموال والممتلكات".

من أطلق شرارة العنف ؟

انطلقت الاعتداءات على المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء فعليا في فبراير/شباط الماضي، "بعد البيان العنصري والتمييزي الذي أصدره الرئيس التونسي قيس سعيّد في 21 فبراير 2023، إذ اشتدت العنصرية القائمة بالفعل ضدهم وتعرض عدد كبير منهم في صفاقس وسوسة والعاصمة لأعمال عنف ووجدوا أنفسهم بلا مأوى ودون طعام"، وفق ما يؤكده بيان نشره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعنوان ''تونس ليست بلد منشأ ولا ملاذا آمنا لمن يتم إنقاذهم في البحر'' في 17 إبريل/نيسان 2023. وهو ما تعكسه تجربة اللاجئ العشريني السوداني سمار كريم (اسم مستعار لخوفه من استهدافه) قائلا ''تعرضنا لكل أنواع الضرب والإهانات ومنعنا السكان من شراء الخبز، حتى أبواب المساجد التي كانت تستقبلنا للوضوء والاستحمام باتت موصدة أمامنا، ومن يريد مساعدتنا يخشى حشود الأهالي الغاضبة".

قتل التونسي نزار العمري بعدما تزايدت وتيرة المشاحنات ووصلت إلى حد نشوب اشتباكات عنيفة بين أهالي صفاقس جنوب البلاد ومهاجرين

وتزايدت وتيرة المشاحنات ووصلت إلى حد نشوب اشتباكات عنيفة بين أهالي صفاقس جنوب البلاد ومهاجرين يقطنون مدينة ساقية الدائر شمال المحافظة، ما أدى إلى مقتل التونسي الأربعيني نزار العمري، في 3 يوليو/تموز الماضي على يد مهاجرين أفارقة، بحسب ما يؤكده لـ"العربي الجديد" وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية في صفاقس عدد 1، فوزي مصمودي قائلا: "جرى توقيف 3 من المهاجرين ينحدرون من جنوب الصحراء بتهمة قتل العمري، بينما لاذ اثنان آخران بالفرار، مشيرا إلى أنهم يواجهون قضايا أخرى مثل الإقامة غير القانونية فوق التراب التونسي". وأعقب ذلك خروج مظاهرات في المدينة مطالبة بترحيل الأفارقة كردة فعل على الحادثة، بحسب مقاطع مصورة نشرها النائب في مجلس نواب الشعب عن ولاية صفاقس طارق مهدي.

رافعة حزبية تلقفت خطاب سعيّد

أسفر تهييج مشاعر الخوف من المهاجرين عن "خلق رهاب لدى التونسيين" كما يقول الناطق الرسمي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر.

و"لم يكن العنف ضد المهاجرين وما جرى بعده مفاجئا أو عفويا"، بحسب تفسير خالد طبابي، الباحث في علم الاجتماع بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، قائلا إن "الحزب القومي التونسي (أقصى اليمين) هو الذي بدأ تحريك خطاب عنصري ثم جاء بيان سعيّد والذي كان بمثابة إشارة لانطلاق العنف كونه اعتبر ملف الهجرة أمنيا وله مخاطر اقتصادية وصحية واجتماعية، إضافة إلى ربط المهاجرين الأفارقة غير المسجلين في مفوضية اللاجئين بالجريمة".

ما سبق يؤكده تقرير هيومان رايتس ووتش آنف الذكر، والذي يربط غالبية حوادث العنف التي ارتُكبت بحق المهاجرين في تونس ببيان سعيّد الذي تضمن أوامر لقوات الأمن بقمع الهجرة غير النظاميّة، وحذر من حشود المهاجرين غير القانونيين باعتبارهم جزءا من "خطة إجرامية لتغيير التركيبة السكانية لتونس" وأنهم مصدر "للعنف والجرائم والممارسات غير المقبولة".

ووصفت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز خطاب سعيّد "بالعنصري"، وقالت اللجنة في بيان أصدرته في 4 إبريل/نيسان الماضي، إن مثل تلك التصريحات تتناقض مع الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، خاصة أن تصريحات الرئيس أدت إلى تصاعد موجة خطاب الكراهية والوصم تصحبها أعمال عنف ضد أولئك المهاجرين بما في ذلك اعتداءات جسدية واعتقالات وإخلاء من المنازل وطرد من العمل.

ويربط بن عمر  بين خطابات سعيد وزيارات الوفود الإيطالية الى تونس معتبرا أن المعطيات التي تضمنتها التقارير الأمنية الإيطالية تتقاطع مع نظرية المؤامرة التي يؤمن بها الرئيس وتتقاطع أيضا مع الاستراتيجية الأوروبية في حماية الحدود التي لم تعد تقتصر على أجهزة المراقبة، بل تشمل خطابات تصف المهاجرين بالخطر وتدعوا إلى خلق مناطق عازلة في دول الجنوب وهو ما نجحت تلك الدول في نقله إلى تونس وفق تعبيره.

مساهمة عبير موسي في التحريض

خرجت مظاهرات عديدة مناهضة للمهاجرين بقيادة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر (يضم مؤيدي نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي)، أكبرها كانت بتاريخ 25 يونيو/ حزيران المنصرم حين تحركت مع أنصارها إلى صفاقس مطالبة "بمنع مخطط توطين المهاجرين في تونس بـ"تواطؤ من قيس سعيّد المرتهن لأوامر رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني" وفق ما جاء في خطاب ألقته خلال التظاهرة، كما طالبت السلطات ببدء مفاوضات مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لترحيل المهاجرين غير النظاميين وإعادة توطينهم في بلدان قادرة على احتضانهم، قائلة: "لكن سعيّد لا يملك الحزم لقول كل ذلك أمام ميلوني لذلك سيظل يفتح أبواب تونس أمام المهاجرين".

وسعى "العربي الجديد" إلى الاتصال بموسى لتوضيح موقفها وأرسل كتابا رسميا عبر البريد الإلكتروني الخاص بالحزب، بتاريخ 5 أغسطس/آب 2023 ولم يتلق أي رد، ورغم تواصل معدة التحقيق مع كريم كريفة، النائب السابق عن كتلة الحزب الدستوري في البرلمان المنحل إلاّ أنه اعتذر عن تقديم أية إفادة.
 

خطاب رسمي وحزبي يغذي كراهية الأجانب ويحرض عليهم

وبلغ التحرض مداه على يد الحزب القومي، الذي نشر مقطع مصور في الرابع من يوليو الماضي، أي بعد ليلة واحدة من حادثة قتل العمري، على صفحته على موقع فيسبوك وشاهده 137 ألف متابع، ظهر فيه الأمين العام للحزب حسام طوبان قائلا: "إن المنظمات الممولة أجنبيا تقوم بتدريب المهاجرين على القوانين التونسية خدمة لمشروع الاستيطان، مشددا على ضرورة الحسم وترحيل مهاجري جنوب الصحراء إلى بلدانهم".

الصورة
الحزب
يطالب الحزب القومي بوقف عمل الجمعيات الحقوقية بذريعة دعمها مشروع الاستيطان الأجصي (العربي الجديد)

ولم تكن المرة الأولى التي يبث فيها طوبان خطابا تمييزيا ضد المهاجرين، إذ زعم في مداخلة إذاعية في 23 فبراير الماضي ونُشرت لاحقا على منصة تيك توك التي ينشط فيها الحزب، وسجل المقطع 28.1 ألف مشاهدة، أن أعداد المهاجرين فاقت المليون، وهو ما يعد رقما غير منطقيا إذ بلغ عدد الأجانب المقيمين في تونس 59 ألفا، أي ما يعادل 0.5 % من إجمالي سكان البلاد، منهم 21.466 من دول جنوب الصحراء، وفق تقدير المعهد الوطني للإحصاء في تقرير بعنوان "المسح الوطني للهجرة الدولية" صدر في 7 ديسمبر/كانون الأول 2021.

ويأتي "بث طوبان رقما مهولا حول أعداد المهاجرين بهدف إثارة الريبة في نفوس المواطنين"، وفق ما يؤكده المتخصص في التواصل السياسي فطين حفصية من أن هذه المعطيات تؤجج مشاعر الخوف التي يشحنها الحزب القومي معتمدا على استيراد نظرية الاستبدال العظيم اليمينية التي طرحها الكاتب الفرنسي رونو كامو، كما أن خطاب طوبان يصب الزيت على النار، ويزيد التأليب الشعبي ضد المهاجرين وضد المنظمات الحقوقية.

ومن جهته، اعتبر طوبان أنه بغض النظر عن صحة الرقم الذي قدمه أو عدمها فإن "الخطر الأكبر يكمن في التنظيم وشبكة النفوذ والعلاقات التي يديرها أفارقة جنوب الصحراء الموجودون في تونس لإزالة البلاد من الوجود"، مشيرا إلى أن ''الحزب القومي وثق كل ذلك في تقرير بعنوان مشروع الاستيطان الأجصي وإزالة تونس من الوجود، والمنشور في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 على الموقع الرسمي للحزب. 

ووجهت نسخة من تقرير الحزب القومي إلى رئيس الجمهورية بحسب ما أعلنه رئيسه سفيان بن صغير خلال مقابلة تلفزيونية على قناة قرطاج بلوس (خاصة) في يناير/كانون الثاني 2023، أي قبل شهر من البيان الرئاسي الذي فتح أبواب العنف ضد المهاجرين، وبحسب طبابي، فإن كل هذه أحداث متشابهة مترابطة في ظروفها وسياقاتها، ويوافقه فيما ذهب إليه حفصية بإشارته إلى أن "استلهام البيان الرئاسي لمصطلح الاستيطان الوارد في تقرير الحزب وتغيير التركيبة الديموغرافية رسخ استخدام هذا المعجم شعبيا حيث أصبح الجمهور يتداول مسألة الاستيطان والتوطين والتحذير من الخطر الديموغرافي والعرقي الداهم"، مؤكدا أن "الحزب القومي التونسي  استغل ما جاء في بيان رئيس الدولة ليؤسس للفعل والممارسة العنصرية ضد المهاجرين".

الصورة
استيطان
حملات تحريض ضد المهاجرين على فيسبوك (العربي الجديد)

ويدعو الحزب القومي الحكومة إلى طرد المهاجرين غير الشرعيين وإيقاف العمل بكل الاتفاقيات والمعاهدات "التي تفرض على الدولة التونسية استقبال المهاجرين غير الشرعيين وتوطينهم بحجة أنهم لاجئون، وهو ما يبيّنه تقرير نشره على موقعه الرسمي بعنوان مطالب حملة تونسيين ضد الاستيطان، وهو ما يعتبره طبابي خطابات عنصرية تحرض ضدّ المهاجرين. وفي شباط الماضي، دعا الحزب التونسيين إلى التوقيع على عريضة إلكترونية تطالب بترحيل المهاجرين المقيمين في البلاد بطريقة غير قانونية من خلال حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تشاركتها مجموعات أخرى على فيسبوك.

تصدير الخطاب العنصري للجمهور

"نجح الحزب القومي في تصدير خطابه للجمهور" كما يرى حفصية، ويتجلى ذلك في نشر تدوينات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بواسطة تونسيين يعبرون من خلالها أنهم ضد وجود الأفارقة، ورافضين لتأجيرهم منازلهم بحسب منشورات رصدتها معدة التحقيق في مجموعة  ''سيب التروتوار" وتعني اترك الرصيف، والتي تضم 200 ألف مشترك على موقع فيسبوك والناشطة في صفاقس، وتزايد عدد متابعيها في مطلع يوليو الماضي بالتزامن مع مشاحنات الأهالي والمهاجرين، وهو ما يعكس تأثير الخطاب العدائي الذي بثّه الحزب القومي تجاه المهاجرين بحسب حفصية، مبينا أن "الخطاب التحريضي للحزب تحول إلى فعل" عبر منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة منصتي تيك توك حيث يبلغ عدد متابعيها 24 ألفا، ويصل عدد المشاهدات على الفيديوهات المنشورة عليها إلى 542 ألف مشاهدة وهو ما يثير مخاوف المتخصصين في التواصل، إذ يوضح حفصية أنه "رغم تنوع المضامين إلا أن ما يلاحظ هو تكثيف الخطاب العنصري للحزب على منصة تيك توك باعتبارها جسرا اتصاليا مستحدثا في تونس ويمس أوسع فئة مجتمعية وعمرية وهي الشباب".

الصورة
عنصرية
نشر الرهاب من المهاجرين بين التونسيين بالاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي (العربي الجديد)

وبحسب ملولي فإن الحزب سعى جاهدا لاستمالة نشطاء المجتمع المدني في صفاقس من أجل تنظيم مواجهة مباشرة مع المهاجرين باستعمال الهراوات، لكن النشطاء رفضوا وفق ملولي. بينما ينفي طوبان لـ"العربي الجديد" ذلك قائلا "نكذب هذه الادعاءات الباطلة ونعتبرها من قبيل إثارة الإشاعات. سبق أن دعونا في أكثر من مناسبة إلى الالتزام بالقانون وعدم الدخول في أي مواجهات أو أي شكل من أشكال العنف ضد المهاجرين" ، مشددا على أنهم دعوا فقط إلى قيام الدولة بالحلول القانونية.


إلصاق التهم بالمهاجرين

يؤكد مصمودي لـ"العربي الجديد" أن محاضر التحقيق تثبت أن مرتكبي الجرائم (التي تم إلصاقها بالمهاجرين) منهم تونسيون ومنهم مهاجرون، ولا ترتبط الجرائم حصرا بالمهاجرين، رافضا إلصاق جميع تهم السرقة مثلا والتي تحدث في الجهة بالمهاجرين.

رغم ذلك، يطالب المدون التونسي والناشط في صفاقس زياد ملولي، والذي يدير مجموعة ''سيب التروتوار"، بإيجاد حل للمهاجرين، معتبرا أن "الوضع الأمني والصحي أصبح كارثيا بسببهم لأنهم ضالعون في قتل العمري إضافة إلى النهب وتجولهم بأمراض السل والإيدز". الأمر الذي ينفيه المدير الجهوي للصحة بصفاقس الدكتور حاتم الشريف لـ"العربي الجديد"، مؤكدا أن تسجيل الإصابات بالأمراض السارية لم يتجاوز المعدلات العادية، مشددا على أن وزارة الصحة تتقصى الوضع الصحي للتونسيين والأفارقة على حد السواء وتنظم عمليات تلقيح لأفارقة جنوب الصحراء، مشيرا إلى عدم وجود أي آفة أو وباء".

لكن ملولي ينتقل إلى اتهام آخر يتعلق بتلقي المهاجرين أموالا من الخارج عبر البريد التونسي وهو أمر يدعو للتساؤل والريبة وفق تعبيره. الأمر ذاته كان موضوع مجلس أمن قومي أشرف عليه الرئيس التونسي ونقلته الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على فيسبوك في 14 يوليو 2023، تم خلاله تقديم بيانات مفادها أن تحويلات المهاجرين غير النظاميين خلال النصف الأول من السنة الحالية بلغت 3 مليارات دينار تونسي (971 مليون دولار).

الصورة
تو
السلطات التونسية تزيل خياما لمهاجري دول جنوب الصحراء (Getty)

ويفسر حفصية مسألة تداول موضوع التحويلات ورمي تلك الأرقام من قبل رئيس الجمهورية بأنه يهدف إلى زيادة الشك وتقبل نظرية وجود مخطط استيطاني وهذا ينعكس على نمط التعامل المجتمعي الذي يتحول إلى عنف وتمييز وكراهية وفق تعبيره.

وكذلك الحال بالنسبة لترويج وتجذر أفكار كالخطر الصحي الذي يمثله المهاجرون ومصدرها فاعلون سياسيون يؤثرون في المجتمع وفق طبابي.

عالقون في وادي المغطى

يتجمع 160 مهاجرا غير نظامي في وادي المغطى الذي يبعد عن محافظة توزر الحدودية جنوب غرب البلاد 20 كيلومترا، وينحدرون من جنسيات مختلفة منها السودان، وغامبيا، وساحل العاج، وبوركينا فاسو ، ومالي وغينيا، وفق تقرير أعده المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحصل عليه "العربي الجديد" بعنوان "وادي المغطى: فضاء مفتوح للتغييب المضاعف: قصة مهاجرين عالقين ومنبوذين"، والذي يكشف أن هؤلاء المهاجرين يعيشون ظروفا مزرية على طول الوادي وبين مرتفعات الجبال وتحت النخيل وبالقرب من بركة المياه الملوثة، وهو ما يوثقه أيضا فيديو  حصل عليه "العربي الجديد".

وتتيمز هذه المنطقة بطبيعة وعرة وصعوبة التنقل ومناخ شديد الحرارة، والتقى "العربي الجديد" بطالب لجوء من ساحل العاج طلب عدم كشف هويته حفاظا على أمانه بعد اضطراب الأوضاع واستهداف المهاجرين، وذكر أنه مُنع من دخول التراب الجزائري رغم أنه طالب لجوء، ويمتلك جواز سفر، وظل عالقا في وادي المغطى، من دون القدرة على دخول تونس أيضا في ظل موجة ترحيل المهاجرين، إذ لم تميز السلطات التونسية في حملتها ضد المهاجرين بين حاملي الوثائق من غيرهم بحسب رمضان بن عمر، وأخلت أجهزة الدرك والشرطة المدينة لكبح أعمال العنف وامتصاص غضب الأهالي فنقلت المهاجرين إلى الغابات الحدودية بالتزامن مع توافد آخرين ظلّوا عالقين في المنافذ الحدودية.

وبحسب التقرير السابق الذي ينقل شهادات ميدانية من العالقين أثناء ملء استبيانات وتقديم المساعدات، تبين أنهم مهاجرون وصلوا إلى تونس خلال بضعة أيام أو أسابيع من قبل حادثة مقتل العمري في صفاقس أي في مطلع يوليو 2023، حيث دخلوا على الحدود الجزائرية ووضعتهم السلطات أو أوقفتهم في مدينة قفصة.

ويوثق التقرير حالات إنسانية مستعجلة، يزيد إنقاذها تعقيدا صعوبة وصول سيارات الإسعاف، ما يجعل المهاجرين والنساء والأطفال والرضع عالقين وسط ظروف مناخية قاسية لا يجدون الماء الصالح للشرب، حتى أن بعضهم لجأ إلى بركة مياه ملوثة حسب التقرير ذاته، لكن منظمة الهلال الأحمر تحاول التخفيف من وقع الأزمة وتعمل على تقديم المساعدة، إذ  توفر 4500 وجبة للمهاجرين في صفاقس إلى جانب مياه الشرب وتقديم الدعم النفسي لهم، كما يقول أنس الحكيم مدير الهلال الأحمر في صفاقس لـ"العربي الجديد".

ذات صلة

الصورة
تحقيق التجنيد1

تحقيقات

يكشف التحقيق كيف تُستنزَف موارد اليمن البشرية، إذ يُجنّد المتحاربون شباناً في سنّ الجامعة، وبدلاً من تحقيق أحلامهم في حياة كريمة وبناء الوطن، يعودون جثثاً هامدة
الصورة
جابر حققت العديد من النجاحات في مسيرتها (العربي الجديد/Getty)

رياضة

أكدت التونسية، أنس جابر نجمة التنس العربي والعالمي، أن تراجع نتائجها في المباريات الأخيرة، يعود إلى إصابة قديمة منعتها من تقديم أفضل مستوى لها.

الصورة
يدفع المهاجرون مبالغ أقل للصعود على متن القوارب الحديدية

تحقيقات

بحثاً عن الأرخص، تصنع شبكات تهريب البشر الناشطة في تونس قوارب حديدية من أجل نقل المهاجرين غير الشرعيين عبرها إلى أوروبا بكلفة أقل، إذ تنفق مبالغ بسيطة على بنائه
الصورة
أكد المشاركون أن الثورة شهدت انتكاسة بعد انقلاب قيس سعيد (العربي الجديد)

سياسة

أكدت جبهة الخلاص الوطني، اليوم الأحد، خلال مسيرة حاشدة وسط العاصمة تونس، أن البلاد في مفترق طريق ولا بد من قرارات مصيرية حتى لا تذهب نحو الانهيار.