أطفال الصومال... ضحايا الحرب على الإرهاب

أطفال الصومال... ضحايا الحرب على الإرهاب

مقديشو

أحمد محمود جيسود

أحمد محمود جيسود
أحمد محمود جيسود
أحمد محمود جيسود
16 يناير 2023
+ الخط -

يكشف تحقيق "العربي الجديد" عن محاكمة أطفال صوماليين أمام محاكم عسكرية بعد مدد احتجاز طويلة لاتهامهم بالانتماء لحركة الشباب الإرهابية، ما يخالف القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية، ويدمر مستقبلهم وعائلاتهم.

- فوجئ المعلم الصومالي حسن محمد حسن، مدير مدرسة ودجر في مدينة بيدوا جنوبي الصومال، بقدوم قوة أمنية لاعتقال الطفل عبد الناصر علي كوس (13 عاما) أحد طلاب الصف الرابع في المدرسة في بداية سبتمبر/أيلول 2021، بتهمة انتمائه لحركة الشباب الإرهابية، كما يقول لـ"العربي الجديد" مضيفا: "طلبت القوات الأمنية الدخول، فسمحت لأحدهم فاقتاد كوس إلى مقر وكالة الاستخبارات والأمن القومي".

ويقضي كوس عقوبة السجن لمدة عشر سنوات بعد حكم صدر ضده من محكمة عسكرية في مدينة بيدوا في 23 أغسطس/آب 2022، لإدانته بالانتماء لحركة الشباب، كما يقول مدير المدرسة لـ"العربي الجديد"، بينما سبق أن حُوكم 20 طفلا أمام محاكم عسكرية بولاية بونتلاند شمال شرقي الصومال في عام 2016، وفق تقرير "الصومال: انتهاكات بحق أطفال محتجزين"، الصادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في 21 فبراير/شباط 2018. 

و"في 31 يناير/كانون الثاني 2022، أصدرت محكمة عسكرية في جالكايو بمنطقة مودوغ بولاية بونتلاند عقوبة الإعدام على أربعة مراهقين (تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاما)، بينما حكم على طفلين يبلغان من العمر 16 عاما، بالسجن 30 و20 عاما على التوالي"، وفق ما نشره موقع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، في 11 فبراير 2022، بعنوان "الصومال: دعوة إلى تحقيق العدالة لأربعة أطفال محكومين بالإعدام لتورطهم مع جماعات مسلحة".

وتصدر محاكم عسكرية أحكاما بالسجن ضد الأطفال لفترات تبدأ من سنتين وحتى 30 عاما، في مخالفة لقانون محاكم الأحداث والتأهيل رقم 13 لسنة 1970، والذي يؤكد أن محاكم الأحداث، هي من تفصل في القضايا التي يتورط فيها أطفال، حسب ما يقول سعيد عبدي مؤمن، رئيس مكتب human rights defender في إقليم بونتلاند، مضيفا في إفادته لـ"العربي الجديد": "القانون أكد على إنشاء مراكز لرعاية وتأهيل المجرمين الأحداث وما يحدث لهم مخالفة قانونية وحقوقية".

كيف بدأت الظاهرة؟

بدأت ظاهرة احتجاز أطفال على ذمة قضايا مرتبطة بحركة الشباب المسلحة في الصومال عام 2015، بحسب توثيق تقرير "الصومال: انتهاكات بحق أطفال محتجزين"، والذي أوضح أن السلطات اعتقلت 44 طفلا (بعضهم في الثانية عشرة من العمر) في عام 2016، وتم ايداعهم في مراكز الاحتجاز بولاية بونتلاند. 

وخلال الفترة من مايو/أيار 2017 حتى أكتوبر/تشرين الأول 2022، احتجزت قوات الأمن الصومالية 678 طفلا في مقديشو وبيدوا، بتهم الانتماء لحركة الشباب، وفق توثيق مؤسسة مقديشو لحقوق الإنسان (غير حكومية)، كما يقول عبدالرحمن ياسين إبراهيم، رئيس قسم حماية الطفل في المنظمة، مضيفا: "غالبية أهالي الاطفال المحتجزين يأتوننا بعد أن طالت مدة الاحتجاز، ووجود قرار بمواصلة الاحتجاز أو تحويل المحتجز إلى سجن آخر".

أحكام عسكرية بإعدام أربعة أطفال في يناير 2022

ويشعر أهالي المحتجزين بالخوف الشديد بسبب طول فترة احتجاز أطفالهم وجهلهم بمصيرهم وسبب الاحتجاز، ومن بينهم أسر فقيرة ونازحة وأخرى غير قادرة على تلبية احتياجاتها اليومية بعدما تعطلت حياتها، كما يوضح الناشط الحقوقي إبراهيم. 

ويتم توقيف الأطفال في مراكز احتجاز ضيقة ومكتظة، دون السماح لهم برؤية أسرهم، فضلا عن عدم حصولهم على كفايتهم من الطعام والرعاية الصحية والنظافة، حسب تأكيد الناشط الحقوقي مؤمن، قائلا: "من المؤسف أنه يُنظر لهؤلاء الأطفال على أنهم يشكلون خطرا على الأمن الوطني، بدلًا من اعتبارهم ضحايا".

ويعترف هارون آدم حسن، المدير السابق لقسم الإرشاد والتوعية في مركز هبرخديجو لإعادة التأهيل (تابع لوكالة الاستخبارات والأمن القومي في مقديشو)، باعتقال أطفال انخرطوا بأعمال قتالية ضد الجيش الصومالي، إذ اوقفت قوات الجيش خلال الفترة الممتدة من ديسمبر/كانون الأول 2019 إلى أكتوبر الماضي 57 طفلا في المعارك التي جرت بين الجيش وحركة الشباب في مناطق تربط بين أقاليم شبيلي السفلى جنوب الصومال وبنادر (جنوب شرق) وشبيلي الوسطى شمال مقديشو، وتابع قائلا لـ"العربي الجديد": "الصومال يواجه تحديات أمنية في ظل تزايد الأعمال الإرهابية التي ترتكبها حركة الشباب، لا سيما تجنيد الأطفال للقتال في صفوفها".

ويضيف هارون حسن: "لا يمكن أن نترك هؤلاء الأطفال بدون معرفة الأسباب التي دفعتهم للانضمام إلى حركة الشباب الإرهابية، واحتمالية تعرضهم للتجنيد القسري أو الضغوط أو الإغراءات أو التهديد". ويشير إلى أن مركز هبرخديجو يؤهل الأطفال المحتجزين، عبر برامج تهدف إلى عدم عودتهم للقتال أو تنفيذ أعمال إرهابية لصالح حركة الشباب ويستهدف دمجهم في مجتمعاتهم والعودة الآمنة إلى ديارهم. 

لكن الثلاثينية حبيبة علي، خالة الطفل محمد شيخ لقمان (9 سنوات)، الذي اعتقل في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، للاشتباه في ارتباطه بحركة الشباب بعد الأعمال الإرهابية التي وقعت بمقديشو في سبتمبر 2021، تقول إن لقمان لا علاقة له بأي أعمال إرهابية، مضيفة لـ"العربي الجديد": "لقمان قيد الاحتجاز في مركز هبرخديجو منذ عام، طرقنا كل الأبواب من أجل إقناع السلطات الأمنية بالإفراج عنه لكن دون جدوى"، وتتابع: "تطوع محامون من مركز تنمية المرأة (منظمة غير حكومية) لكن السلطات الأمنية مازالت تتعنت في الإفراج عنه". وهو ما يخالف اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها الصومال في عام 2015، والتي تحمي حقوق الأطفال في الحياة وتوفر لهم الحماية القانونية المناسبة، وفق الناشط إبراهيم.

ماذا يحدث في مراكز التأهيل؟

تسلمت جمعية بونتلاند للشباب والتنمية الاجتماعية  PSA (منظمة محلية غير حكومية) 25 طفلا من إدارة السجن المركزي في مدينة غرووي بإقليم نغال شمال شرقي الصومال، من موقوفي مقاتلي حركة الشباب الذين تم إلقاء القبض عليهم في المعارك التي جرت في وادي سوج في إقليم نوغال شمال الصومال في مايو/أيار 2016، كما يقول سعيد محمد جبريل، المدير السابق لمشروع إعادة تأهيل الأطفال بالمنظمة، وتابع في إفادته لـ"العربي الجديد": "تمت إعادة هؤلاء الأطفال إلى أهاليهم في فبراير/شباط 2019، بعدما تلقوا دورات وبرامج تأهيلية نفسية واجتماعية وتربوية ورياضية (محاضرات دينية وثقافية)، بالإضافة إلى التدريب المهني والحرفي في مجالات الخياطة والنجارة، والبناء وغيرها، للتخلص من الآثار السلبية التي قد تشكل لهم عقبة تعيق اندماجهم في المجتمع"، مستدركا أن بعض موظفي مراكز التأهيل يتصرفون بشكل خاطئ مع الأطفال من خلال معاقبتهم بالضرب وعدم توفير ما يكفي من احتياجاتهم الأساسية من الطعام.

الأطفال يتعرضون لسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز

لكن عبد الله غرائد، نائب مدير مركز سيريندي Serendi لإعادة تأهيل المقاتلين السابقين، يقول لـ"العربي الجديد": "نلتزم بحماية الأطفال، ونرفع تقارير يومية إلى وزارة شؤون المرأة وحقوق الإنسان بالحكومة الصومالية الفيدرالية"، ويضيف: "نلتزم بالقوانين ونحترم حقوق الإنسان الأساسية وكرامة الأطفال بدون استثناء، مستندين في ذلك إلى دستور البلاد".  

لكن الطفل مصلح يحيى آدم (17 عاما)، والذي اعتقلته قوات الأمن في مدينة بيدوا في يوليو/تموز 2018، بسبب انتمائه لحركة الشباب، أكد أنه تعرض لسوء المعاملة من بعض الحراس والعاملين خلال فترة احتجازه، حتى مايو 2021، مثل الإساءات اللفظية والضرب والعزل، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن غرف مركز الاحتجاز لا يتوفر فيها تهوية كافية، فضلا عن انعدام النظافة العامة والرعاية الصحية.

وانضم آدم إلى صفوف حركة الشباب في عام 2016، بعد تلقيه وعودا وإغراءات من قبل أحد أقربائه الذي كان مسؤولا بحركة الشباب في مدينة دينسور بإقليم باي جنوب غربي الصومال، بالحصول على مكافأة مالية، وفق روايته، قائلا: "كنت معتقدا أنني سأحقق حلمي بالحصول على المال الوفير". 

محاولات حقوقية للإفراج عن محتجزين

تمكنت مؤسسة مقديشو لحقوق الإنسان من الإفراج عن 22 طفلا من مركز هبرخديجو ومركز آخر في بيدوا تابع لوكالة الاستخبارات والأمن القومي خلال العام الجاري، وفق تأكيد الناشط إبراهيم والذي يوضح أن "الجهات الحكومية عليها ضمان حماية حقوق الإنسان وتعزيز الأنظمة المتعلقة بحماية الأطفال".

الصورة
مراكز احتجاز ضيقة

ويؤكد هارون حسن، على وجود لائحة داخلية لتنظيم عمل المراكز، مشيرا إلى أن مدة إعادة التأهيل في مراكز الاحتجاز، تتراوح بين عام و5 أعوام، لكن طول المدة يدفع مؤسسات وناشطات مثل زهرة علي محمود مديرة مخيم العدالة للنازحين في ضواحي مقديشو، إلى مؤازرة جهود أهالي الأطفال النازحين المحتجزين من أجل الإفراج عنهم، من خلال متابعة السلطات الأمنية، كما تقول لـ"العربي الجديد"، مؤكدة أنها ساعدت في الإفراج عن 14 طفلا خلال عام 2022. 

ومن بين الأطفال الذين ساعدت محمود بالإفراج عنهم، الطفل أسامة آدم بشير (14 عاما) والذي اعتقل مع مجموعة من الشبان كانوا متجهين إلى تقاطع أكس كنترول بمديرية دركينلي بمقديشو، عقب انفجار وقع بالقرب من تقاطع سي بيانو في مقديشو في 28 ديسمبر 2019، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا: "عند اقترابنا من التقاطع وقع الانفجار فأسرعت بالابتعاد عن المكان، لكن الشرطة التي طوقت مكان الحادث، اعتقلتنا، وتم نقلنا إلى مركز شرطة منطقة كرسبالي (على بعد 14 كيلومترا جنوب مقديشو)، ومكثت في المركز لمدة ثلاثة أيام"، وتابع بألم: "ربطوني وضربوني بالمركز. أما الطعام فكنا نحصل على وجبتين باليوم".

أما الطفل محمد عثمان حسين (10 أعوام)، فقد أفرج عنه من مركز شرطة منطقة غري بمقديشو، بعد 7 أيام من اعتقاله مع بالغين، تعرض خلالها للضرب، وفق روايته لـ"العربي الجديد"، قائلا: "خرجت من مخيم العدالة في الصباح للعمل في تلميع الأحذية مقابل القليل من المال، وقبل وصولي إلى تقاطع زوبي وسط مقديشو وقع انفجار في 29 أكتوبر 2022 فهربت خوفا منه، لكن قوات الأمن أمسكت بي واقتادوني إلى مركز الشرطة".

وترد فاطمة محمد عبدالرحمن، مديرة قسم الطفولة وتنمية الأسرة في وزارة المرأة وحقوق الإنسان في الحكومة الصومالية الفيدرالية، بالقول: "نحن نقوم بواجبنا في حماية حقوق الأطفال منذ مصادقة الحكومة الفيدرالية على اتفاقية حقوق الطفل، ولم ندخر جهدا في ضمان حماية الأطفال وتوفير التدابير الردعية الرامية لعدم احتجازهم"، مضيفة لـ"العربي الجديد":" في حال تعرض الأطفال لأعمال عنف نقوم بالتنسيق والمتابعة مع الجهات ذات العلاقة، لمباشرة تحقيق فوري في ملابسات احتجاز الأطفال".

ذات صلة

الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
الصورة
المخدرات مصدر تمويل رئيسي لحركة الشباب

تحقيقات

تمول حركة الشباب أنشطتها المحلية في الصومال، والإقليمية في دول الجوار، عبر تجارة المخدرات والضرائب التي تفرضها على من يعملون بها، في ظل الفوضى الأمنية
الصورة
Shukri Mohamed Abdi and Fathi Mohamed Ahmed, journalists at Bilan Media, Somalia's first all-women media team, use a mobile to record the news inside the Bilan Media studios in Mogadishu, Somalia August 20, 2023. REUTERS/Feisal Omar

منوعات

كثيراً ما يضحك الناس عندما تخبرهم فتحية محمد أحمد بأنّها تدير غرفة الأخبار الأولى والوحيدة التي تعمل بها نساء فقط في الصومال، أحد أخطر الأماكن على وجه الأرض بالنسبة إلى الصحافيين.
الصورة

مجتمع

تعصف باليمن عدة أزمات منها النزوح المتكرر من المناطق التي شهدت صراعاً دموياً للعام الثامن، والتي أدت إلى نزوح نحو 4 ملايين ونصف مليون، أغلبهم من الأطفال والنساء بمعدل 80%، وفقًا لتقرير أممي سابق.