مواصلات: محضر ضبط إنجليزي

مواصلات: محضر ضبط إنجليزي

15 أكتوبر 2014
+ الخط -
همّت العائلة بالرحيل بعد زيارة أحد الأقارب. حينها قال الوالد، إنّه سيأخذ الباص ويوافيهم إلى المنزل، لأنّ السيارة لا تتّسع للجميع. التفتت إلى والدها، وردّت بحماس ومن دون التفكير في عواقب كلامها: "لا بيّي بتروح معنا بالسيارة، الطريق قصير، وما رح يصير شي". وقبل أن ينطق الوالد بكلمة، أجابت الأم: "بلا مشاكل، إذا شافك البوليس بيعملو منها قصّة".
بيْد أنّ إصرار الفتاة على مرافقة والدها في سيارة تقلّ والدتها وأولادها الثلاثة، أدّى إلى إقناعه بمرافقتهم، منتهكة قانون السير البريطاني، الذي يسمح بوجود خمسة أشخاص فقط والسّائق من ضمنهم، في سيارات مماثلة.  

لم تأبه بالأمر، كونها حديثة العهد في البلد، وتحمل رخصة قيادة عربية، ولم تحصل بعد على الرخصة الإنجليزية. وقالت ضاحكة: "شو وقفت عليي؟" لم تدر أنّ الأقوال اللبنانية لا تجدي نفعاً في هذه البلاد.
سارت الأمور على ما يرام دقائق معدودة، إلى أنْ شاهدت شرطة المرور راكنة على طرف الشارع، حيث يقف شرطيّان يتحقّقان من تقيّد السيّارات العابرة بالقوانين.

ارتبكَت قليلاً حين قال الوالد: "خلّيني انزل هون قبل ما تنتبه الشّرطة". ردّت بسرعة: "لا، إذا تحرّكت رح تلفت انتباههم أكتر". وطلبت من ابنتها أن تطأطئ رأسها داخل السيّارة، كي تتجنّب الوقوع في ورطة وشيكة.

مرّت بالقرب من الشّرطة ببطء بسبب ازدحام السير، وتجاوزتهم بسلام. إلاّ أنّ ضوء إشارة المرور منعها من التقدّم، في وقت، قالت ابنتها الصغرى لأختها المتخفيّة في أسفل السيارة: "خلصْ اطلعي ما شافنا البوليس".

رفعت الصغيرة رأسها بسرعة وكأنّها تعبّر عن استيائها من الموقف، وما هي إلاّ برهة، حتى رأت تلك المرأة في مرآة سيارتها شرطيّاً يدنو منها ويؤشّر لها بيده طالباً أن تركن سيارتها إلى يسار الشارع. اقترب من نافذتها وطلب منها، بهدوء، إطفاء المحرّك والترجّل. انصاعت للأوامر، وانهال عليها بعشرات الأسئلة. خانتها قدرتها على التحايل من شدّة التوتّر وأسلوب الشرطي الحازم والمُبالغ فيه.
شعرت الصغيرتان بالذنب ولاذتا بالصمت، وهما تراقبان أمّهما بعيون حائرة. إنّها المرّة الأولى التي يشهدان فيها شرطيّاً يوقف والدتهما. طلب الشرطي رخصة القيادة، فتّشت عنها ولم تجدها في الحقيبة. قالت في ارتباك ملحوظ: "أعتقد أنّني نسيتها في المنزل".

القانون البريطاني يمنح السائق في حالات مماثلة أسبوعاً على وجه التقريب كي يتوجّه إلى أقرب مركز للشرطة ويقدّم رخصة القيادة، غير أنّ الشرطي أراد استفزازها، ربّما لأنّه لاحظ أنّها غريبة عن البلد. وقال إنّه مضطر إلى أخذ السيارة الآن، إنْ لم تُحضر الرخصة.

لم تجادل، كونها لا تفقه قوانين السير، وأبلغت الشرطي، أنّها ستّتصل على الفور بأخيها كي يجلب رخصتها من المنزل، إلاّ أنّ الأمر قد يستغرق أكثر من ساعة. وافق الشرطي، ورمقها بنظرة ماكرة ساخرة.
تحدّثت إلى أخيها، وهي تفكّر عن موقع أقرب محطّة باص، وكيفية الوصول إليها بأطفالها الثلاثة، في حال أصرّ الشرطي على موقفه. فقالت له: "سيحاول الوصول في أسرع ما يمكن مع الرخصة". تململ الشرطي في مكانه، وأجاب:"سأسمح لك بالذهاب هذه المرّة، على أن تأخذي الرخصة إلى أقرب مركز للشرطة".

ابتسمت، وكأنّ غمامة أزيحت عن عاتقها، شاكرة الشرطي من دون أن تدري، أنّه لم يمنحها امتيازات خاصّة، بل هذا هو قانون البلد. أكمل الشرطي: "عليك أن تدفعي مبلغاً ماليّاً يساوي 365 جنيهاً، كما ستخصم من جوازك ثلاث نقاط. أجابت:"لا أحمل رخصة إنجليزية". فقال: "لا يهم، عندما تحصلين عليها، ستتسلمينها مع النقاط".
حين وجدت رخصة القيادة في منزلها، علمت أنّ صلاحية الرخصة منتهية منذ ثلاثة أشهر. وراحت تفكّر كيف تنجو بذاتها من هذا المأزق، وماذا ستقول للشرطة البريطانية التي يستحيل التلاعب معها في أمور القانون. أمامها حلٌّ وحيدٌ. يجب أن تذهب إلى مركز الشرطة، وتتصنّع الغباء.

جلست هناك تراقب الشرطي. كان شاباً وسيماً، أشار إليها أن تقترب. قدّمت إليه الرخصة مع تقرير المخالفة. كانت تترّقب تصرّفاته بقلق، وتصلّي كي يعمى عن رؤية تاريخ الصلاحية. غير أنّ صلاتها لم تنفع. التفت إليها وقال: "رخصة القيادة منتهية الصلاحية". كان عليها أن تمارس ما امتلكت من قدرات للتملّص من هذه الورطة، التي قد تؤدي إلى حرمانها من القيادة أكثر من سنة.

قالت وبهدوء مفتعل: "لا، لم تنته، إنّها الصورة  التي تحتاج إلى التجديد فقط. أمّا البطاقة فتصلح، إنّه القانون في بلادنا". ابتسمت في انتظار الرد. شعر الشرطي بالخدعة، التي تحاول تلك المرأة تمريرها، غير أنّه تعاطف معها، فأعاد إليها البطاقة، وقال لها:" قدّمي طلباً للحصول على الرخصة الإنجليزية في أسرع ما يمكن".

 

دلالات

المساهمون