"بلاك ميرور": مستقبل متوقّع أم خيالٌ علميّ؟

"بلاك ميرور": مستقبل متوقّع أم خيالٌ علميّ؟

21 يونيو 2019
شارلي بروكر، كاتب حلقات الموسم الخامس (Getty)
+ الخط -

منذُ انطلاق الجزء الأوّل من سلسلة مسلسل "بلاك ميرور" Black Mirror أو "المرآة السوداء"، ثمَّة سؤالٌ يدورُ بين أوساط متابعي المسلسل، وهم بكلّ الأحوال كثرٌ في كلّ أنحاء العالم. هل هو مسلسل خيالٍ علمي، يدور في إطار الفانتازيا والتخيُّل غير الواقعي؟ أم أنّه توقّع واستشراف لواقع من الممكن أن يتحقّق ويحصل في المستقبل القريب. رغم أنَّ "بلاك ميرور" ليسَ مسلسلاً متّصلاً كلّ حلقة فيه تتبع الأخرى، إذْ إنّ كلّ حلقةٍ تتناول موضوعًا و"ثيمةً" محددة، إلا أنّ ثمة رابطًا جامعًا، وملمحاً مشتركًا يجمع بين كل حلقات "المرآة السوداء"، وهذا الرابط هو: تأثير الحياة التكنولوجيا الافتراضيّة في الحياة البشريّة الواقعية، أو "تأثير البنية الرقمية في البنية الحيوية"، كما كتب مانويل كاستل في كتابه الشهير: "شبكات الأمل والغضب" (صدرت الترجمة عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات")، والذي يتناول فيه تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في كلّ أشكال الاجتماع البشريّ.

ثمّة حلقاتٍ بقيت في ذاكرة متابعي "بلاك ميرور"، نذكر منها مثلاً، الحلقة التي يقوم فيها رجلٌ ما، بخطف فتاةٍ تنتمي إلى الأسرة الملكيَّة البريطانيَّة. يضع الخاطف شرطًا، تعلنه الفتاة المخطوفة في فيديو مصوّر. الشرط هو أن يقوم رئيس وزراء بريطانيا، بتصوير مقطع فيديو بثّ مباشر، يقوم من خلاله بممارسة الجنس مع خنزيرٍ برّي، وإلا فسيكون مصير المخطوفة الموت. يوافق رئيس الوزراء على هذا الشرط القاتل. لكنّ، الفكرة الأساسية الجارحة، بل والصادمة، في هذه الحلقة، هي أنّ الخاطف يقوم بإطلاق سراح الفتاة، قبل نصف ساعة من نشر الفيديو. تبقى الفتاة في الشارع تبحثُ عن منقذٍ، في الوقتِ الذي يجلس فيه كلّ الشعب البريطاني أمام الشاشات ليتابع هذا الحدث الرّهيب. تنقد الحلقة بقسوةٍ دور التشويق والعنف والمقاطع المروّعة، في القضاء على الحسّ الإنساني البشري الجمعي، وهو ما تفعله وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة فعلاً.

لا نهايات سعيدة في حلقات "بلاك ميرور"، جوُّ العمل بكلّ أجزائه سوداوي وكئيبٌ وقيامي، ويحذّر الجنس البشري من توغّل الظواهر التكنولوجية في مناحي الحياة العامة والخاصة. في حلقةٍ أخرى، نجد أمّاً تضع رقاقة في دماغ ابنتها، بحيثُ تتمكّن من التحكم بحواسها الخمس. ما يجب أن تراه وما لا يجب أن تراه مثلاً. تكبر الطفلة، وتصبح مراهقةً، ولم تر في حياتها قطرة دم واحدة، إذْ برمجت الأم الرقاقة على منع وصول إشعاعات الضوء الصادرة من الدم إلى عينيها. تستغرب الطفلة حديث أصدقائها عن الدم، لتجرحَ نفسها في البيت، وتلمس شيئاً لزجًا لا تتمكّن من رؤيته. في حلقةٍ أخرى، اسمها حلقة "النحل الآلي"، ثمّة نقدٌ عميق يوجّهه صناع "بلاك ميرور"، مفاده بأنّ البنية الرقميّة هي منتج البنية البشريّة، ولكنّها من الممكن أن تتمرّد أو تنحرف أو تمتلك ذاتية خاصّة، بل وتنقلب وتبيد البنية البشريّة. تقوم شركة ببناء أسراب هائلة من النحل الآلي، الذي يحاول أن يبقى على التوازن البيئي، بعد انقراض النحل الحيوي الحقيقي. تضرب أسراب النحل الإلكتروني (أعدادها بالملايين) فيروس يعبثُ ببرمجتها، ولتهاجم رؤوس البشر.


في 5 يونيو/ حزيران الحالي، أصدرت شبكة "نيتفلكس" موسماً خامساً جديدًا من "بلاك ميرور". يتألف هذا الجزء من ثلاث حلقات أسماؤها Striking vipers وSmithereens وRache, jack ans Ashley too. كلّ حلقات هذا الجزء هي من كتابة شارلي بروكر Charlie Brooker.
تتناول حلقة Striking vipers (إخراج أوين هاريس، وبطولة: أنتوني ماكي ونيكول بيهاري) قصّة صديقين قديمين، الأوّل متزوّج ومستقرّ ولديه أطفال، والثاني لا يزال يعيش حياة العزوبيَّة. بعد الزواج، يدخل الروتين اليومي وملل المؤسسة الزوجية إلى حياة الأوّل، وتتوتّر علاقته مع زوجته التي تبدأ تشعرُ بأنّ شيئاً ما يتغيّر. يهدي العازب إلى صديقه المتزوج في عيد ميلاده لعبةً قتاليّة حديثة، هي عبارةٍ عن نظّارة تستطيع فيها أن تأخذ شخصية قتالية، حتّى لو لم تكن متطابقة مع هويّتك الجنسيَّة. يأخذ المتزوج شخصيَّة مقاتل آسيوي هو غالبًا بروس لي. ويأخذ صديقه العازب شخصيَّة فتاة شقراء معروفة في ألعاب "مورتال كومبات" القتالية الشهيرة. فجأة، وفي عالم اللعبة الإلكترونية، تنشأ علاقة عاطفيّة وجنسيّة بين الصديقين، وتتطوّر إلى مشاعر حب حقيقية، لتنتهي بقتالٍ حقيقي على أرض الواقع بين الصديقين، وانقطاعٍ وكارثة على مستوى العلاقة الشخصيَّة. تطرح الحلقة تساؤلات حول تغيّر الهوية الجنسيّة بين العالمين الافتراضي والحقيقي.



أمّا حلقة Smithereens (إخراج جيمس هاريس، وبطولة: أندري سكوت ودامسون إدريس) فتبدأ بخطفِ رجل لمتدرّب شاب، يعمل في شركة من شركات مواقع التواصل الاجتماعي المنتشرة (يشير كاتب الحلقة غالبًا إلى موقع فيسبوك). ويضع الرجل شرطًا، وهو أن يجري اتّصالاً هاتفياً مع مؤسّس هذه الشركة. بعد أخذٍ وردّ، يقبل مدير الشركة (ويقصد به غالبًا مارك زوكربيرغ، المدير التنفيذي لفيسبوك) التواصل مع الخاطف، ليس رغبةً في إنقاذ موظّفه، وإنما فضولاً لمعرفة سبب الخطف. يشرح الخاطف لصاحب الشركة، كيف أنَّ موقعه كان مسؤولاً عن حادث سير أودى بحياة خطيبته. إذْ إنّه كان يتابع التعليقات على صورة من صورهٍ وهو يقود السيارة، ليسهو عن القيادة، ويصطدم بشاحنة. نجا هو من الحادث، وماتت خطيبته.
من جهة أخرى، فإنّ حلقة Rache, jack ans Ashley too ( إخراج آنا سويتزكي، وبطولة: ميلي كويرس وأنغوري رايز)، تتناول قصّة حياة مغنيّة تعاني من اضطرابات نفسيَّة. تحاول عمّة المغنية السيطرة عليها والاستفادة مالياً من نجوميتها بين أوساط الشباب. تُطرحُ دمية للمغنية في الأسواق مبرمجة بشكل دقيق كي تتصّرف كما تتصرّف المغنية. تقوم العمّة بحقن المغنيّة بعقار يدخلها إلى غيبوبة. لتقوم فتاتان مع دمية من تلك الدمى بإنقاذ المغنية من إجرام عمّتها. 

الجديد في هذا الجزء من "بلاك ميرور"، هو أنّه ليس قاتماً وسوداوياً مثل الأجزاء الأربعة الأخرى. لكنّه لا يزال يحذّر من سيادة النوع التكنولوجي على النوع البشري!

دلالات

المساهمون