السينما في عام [1/ 2]: فضائح أو تغييرات؟

السينما في عام [1/ 2]: فضائح أو تغييرات؟

25 ديسمبر 2017
آدم ساندلر وداستن هوفمان في "حكايات مييروفيتز" لنواه بومباك(فيسبوك)
+ الخط -
كلّ عام، يُقدِّم المشهد السينمائي، العربي والدولي، كمّاً هائلاً من المسائل والنتاجات والصدامات والفضائح، إلى جانب مشاريع غير مُنجَزة، أو حالات موت واعتزال. هذا عاديّ. استعادة بعض عناوين فائتة جزءٌ من لعبة ثنائية الشكل: تأكيد على أبرز المحطات، وإعادة قراءتها بهدوءٍ يشي ـ ربما ـ بتأمّل نقديّ في أحوالها. 

المهمّة صعبة، إذْ تضيق مساحة التأمّل، في مقابل وفرة المعطيات. لذا، لن يكون سهلاً التغاضي عن مسألتين أساسيتين، في المشهد السينمائيّ الدوليّ، يُحدِثان دويّاً، ويُثيران نقاشاً، لن يبقى أسيرهما، بقدر ما ينفتح على وقائع وحالات.

فالدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/أيار 2017) لمهرجان "كانّ" السينمائيّ مُثيرة لتساؤل حول العلاقة، المتجدّدة، لكن السلطوية، بين شبكة تلفزيونية والسينما، عبر اختيار فيلمين لـ"نتفليكس" (1997) للتنافس على "السعفة الذهبية" في مسابقتها الرسمية: "أوكجا" للكوري الجنوبي بونغ جون ـ هو (1969)؛ و"حكايات مييروفيتز" للأميركي نواه بومباك (1969). بينما يُشكِّل 5 أكتوبر/تشرين الأول 2017، عبر الصحيفة اليومية الأميركية "نيويورك تايمز"، "ضربة قاضية" ضد المنتج الأميركي هارفي وينستين (1952)، بسبب مقالة للصحافيتين جودي كانتور (1975) وميغان توهاي (1974)، تفضح "المنتج الذي لا مفرّ منه"، بكشفها "تحرشاته الجنسية" بممثلات كثيرات، خلال 20 عاماً.

وإذْ يرى البعض في اختيار تييري فريمو (1960)، المندوب العام لمهرجان "كانّ"، فيلمي "نتفليكس" في المسابقة الرسمية، أشبه بـ"فضيحة سينمائية"، يتراجع عنها إثر ضغوط فرنسية متنوّعة، ناتجة من واقعٍ، يُفيد بأن الشبكة التلفزيونية هذه "تمنع" عرض الأفلام التي تُنتجها في الصالات التجارية؛ فإن مقالة الثنائي كانتور وتوهاي تؤكّد الفضيحة، وتُطلق نقاشاً، غير هادئ، في هوليوود أصلاً، حول موقع المرأة في الصناعة السينمائية، ومكانتها وأحوالها ومصيرها.
ولئن أيقن فريمو حساسية المسألة، معلناً، عشية بدء الدورة الـ70 تلك، أن إدارة المهرجان لن تختار، لاحقاً، أفلاماً "ممنوعة" من العرض التجاري في الصالات السينمائية؛ فإن هارفي وينستين ـ الذي تنكشف أفعال "جُرمية" مختلفة له، يوماً تلو آخر ـ يُقدِّم استقالته من "شركة وينستين" للإنتاج، الخاصّة به وبشقيقه بوب (1954)، ويبتعد عن المشهد العام، ويحاول ترتيب أحواله الشخصية (النفسية والمعنوية، تحديداً) ريثما تهدأ تلك "العاصفة"، المفتوحة على أسئلةٍ، تطاول جوهر العمل في هوليوود، وطبيعته وحصانته وقوانينه، خصوصاً بالنسبة إلى المرأة، وآليات حمايتها من "بطش" نافذين فيها.

وفي مقابل النقاش المفتوح على طبيعة عمل "نتفليكس"، وانصراف سينمائيين عديدين، أميركيين وغير أميركيين، إلى قواعدها، بهدف تحقيق مشاريع لهم، يؤكّدون صعوبة تحقيقها مع جهات إنتاجية أخرى، فيرضخون لرفضها عرض الأفلام في الصالات التجارية؛ فإن النقاش حول العلاقة الملتبسة والمعقّدة بين هوليوود وسينمائييها، مفتوحٌ ـ بدوره ـ على تساؤلات، لن تتّضح مساراتها في وقتٍ قريب. ومع أن "عدم عرض الأفلام تجارياً" يُسبِّب مأزقاً لموزّعين وأصحاب صالات وشبكات تلفزيونية مختلفة، لن يتساهل هؤلاء إزاءه؛ فإن "فضيحة وينستين" يُفترض بها أن تُحدِث تغييراً حقيقياً، إنْ لم يكن جذرياً، في آليات العمل السينمائيّ، بأشكاله المختلفة.

الممثلة والمنتجة البريطانية تيلدا سوينتن (1960)، إحدى ممثلات "أوكجا"، تقول إن "عصب الحرب كامنٌ في توزيع الأفلام"، وإن "نتفليكس" تحتكر توزيع إنتاجاتها، وإن "أوكجا" مُكتشفٌ "من قِبَل كثيرين، بفضل شاشة أكبر بقليل من شاشة هاتفي". هذا صحيحٌ. هذا دافعٌ لسوينتن إلى إضافة قولٍ مفاده أن "نتفليكس" تفرض النظر إلى الأمور "بطريقة أخرى". لكنها تؤكّد أن بونغ جون ـ غير قادر على تحقيق مشروعه من دونها، فالشركات الرئيسية، برأيها، "منفضّةٌ عن المؤلّفين الكبار"، بدليل أن جديد مارتن سكورسيزي (1942)، "الإيرلندي"، تُنتجه "نتفليكس".

هذا نقاشٌ غير محسوم، على نقيض الأرقام التي تحسم "الحضور الجماهيري" للشبكة: ارتفع عدد متابعي "نتفليكس" من 65 مليون (يونيو/حزيران 2015) إلى 109.2 ملايين (سبتمبر/أيلول 2017). والنقاش غير المحسوم مُشابه لنقاشٍ آخر، غير محسوم هو أيضاً: هل تبدأ هوليوود تغييراً جذرياً لأنماط الاشتغال؟ هل ستشهد الأعوام المقبلة انقلابات فعلية، تُخفِّف من حدّة التسلّط الذي يُمارسه نافذون؟ أم أن "فضيحة وينستين" عابرةٌ، كحالات أخرى يطويها النسيان مع الوقت؟

كلام تيلدا سوينتن، المنشور عشية انتهاء عام 2017، يعكس حجم النقاش الدائر حول "نتفليكس"، وأحوال الإنتاج السينمائي المقبل، علماً أن التناقض في مقاربة المسألة واضحٌ بين أوروبيين وأميركيين مثلاً. فالأوروبيون مُصرّون على تحرير الإنتاج السينمائيّ من سطوة التلفزيون، بينما يرى الأميركيون أن "نتفليكس" ـ بصرف النظر عن مطالبها ـ إنقاذٌ للإنتاج السينمائيّ. لكن، هل يتمسّك الأوروبيون بموقفهم، إنْ تُقدِّم "نتفليكس" لهم "عروض عمل"؟



المساهمون