استوديو مصر: المشهد الخامس والثمانون

استوديو مصر: المشهد الخامس والثمانون

07 مارس 2019
تمثلت باكورة الإنتاج في فيلم دعائي قصير (Getty)
+ الخط -
بعد اشتراكه في ثورة 1919، عكف الاقتصادي طلعت حرب (1867- 1941) على تنفيذ مشروعه الكبير لتحرير الاقتصاد الوطني من السيطرة الأجنبية؛ فبدأ بتأسيس بنك مصر في 1920، ثم توالت مشروعاته العملاقة مثل: مطبعة مصر، شركات مصر للنقل والملاحة البحرية، مصر لأعمال الأسمنت المسلح، مصر للصباغة، مصر للمناجم والمحاجر، مصر لتجارة وتصنيع الزيوت، مصر للمستحضرات الطبية، مصر للألبان والتغذية، مصر للكيميائيات، مصر للفنادق، مصر للتأمين، بيع المصنوعات المصرية... وغيرها. 

طموح فني
لم تقتصر مشروعات طلعت حرب على الاستثمار الاقتصادي التقليدي، فكان قراره بالاستثمار الثقافي والفني، لصناعة قوة ناعمة لمصر، فمن أقواله المأثورة عن السينما: "إننا نعمل بقوة اعتقادية وهي أن السينما صرح عصري للتعليم لا غنى لمصر عن استخدامه في إرشاد سواد الناس". و"أصبحت السينما قوة هائلة من قوى العصر الحاضر، قد تناطح الصحافة وقد تسبقها بعد حين".
وكانت مصر قد عرفت السينما منذ 1896، لكن بفضل طلعت حرب اتجهت السينما نحو التمصير؛ فقد حصل على ترخيص من الملك فؤاد بتاريخ 13 يونيو/ حزيران 1925 بإنشاء شركة مساهمة مصرية سماها "شركة مصر للتياترو والسينما" برأسمال قدره 15 ألف جنيه، فكانت هذه الشركة هي النواة الأولى للمؤسسة الكبرى "شركة مصر للتمثيل والسينما" المعروفة بـ "استوديو مصر"، التي افتتحت رسمياً برأس مال وطني كامل في 7 مارس/ آذار 1935، بهدف استثمار النهضة الفنية التي تشهدها مصر.

التأسيس
طلب طلعت حرب من الإعلامي والإذاعي اللامع أحمد سالم (1910-1949) أن يتفرغ لإنشاء الشركة الجديدة، وبناء استوديو كبير يكون مصرياً خالصاً، وبالفعل قدم سالم استقالته من الإذاعة، وتفرغ لعمله الجديد؛ فبنى استوديو مصر على غرار أحدث استوديوهات ذلك الزمان في أوروبا وأميركا، وتولى سالم بنفسه عملية توظيف الفنيين الأجانب والمصريين.
أقيم استديو مصر على مساحة 17 فداناً بمنطقة الأهرامات بالجيزة، وبرأس مال بلغ 75 ألف جنيه، وأقيم بداخله أكثر من بلاتوه للتصوير، وعدة ورش للديكور، وغرف للممثلين، ومخازن للملابس، ومخازن لمعدات التصوير السينمائي، ومكاتب فنية. وقد أهدى رائد السينما الكبير الفنان محمد بيومي (1894-1963) لاستديو مصر عدداً من آلات التصوير السينمائي. وقد بدأ العمل في الاستوديو الجديد بـ 99 عاملاً وموظفاً، وكانوا يتقاضون نحو 950 جنيهاً شهرياً. ومع بدء العمل، كان لاستديو مصر دور عظيم في تاريخ الإنتاج السينمائي الرفيع في مصر، حيث أصبحت بفضله عاصمة الفن في الشرق.



بعثات أوروبية
بدأ استوديو مصر في إرسال البعثات إلى أوروبا للاستفادة من الخبرات الغربية في فنون السينما المختلفة مثل التصوير والإخراج والديكور والمكياج، وكان من أوائل تلك البعثات من المخرجين: أحمد بدرخان وموريس كساب وقد سافرا إلى فرنسا، ومن المصورين حسن مراد ومحمد عبد العظيم وقد سافرا إلى ألمانيا. ومن مهندسي الصوت مصطفى والي، ومن الديكور ولي الدين سامح، ومن المونتاج نيازي مصطفى. تمثلت باكورة الإنتاج في فيلم دعائي قصير عن المنتجات المصرية التي تنتجها الشركات الوطنية التي أنشأها طلعت حرب، ومدته 10 دقائق، إضافة إلى نشرة إخبارية أسبوعية تعرض للجمهور قبل بداية الأفلام.


فيلم وداد
أول فيلم تم إنتاجه كان فيلم "وداد" في 1935 الذي قامت ببطولته أم كلثوم وأحمد علام، وأخرجه الألماني فريتز كرامب، وهو عن قصة لأحمد رامي، وسيناريو أحمد بدرخان. وتدور أحداث الفيلم خلال الحقبة المملوكية، حيث تتنامى علاقة الحب بين تاجر ثري وجاريته "وداد" ذات الصوت الشجي، وبعد تعرض قافلته التجارية للنهب والسرقة، يتعرض التاجر لأزمة مالية شديدة، ويعرض جاريته الحبيبة للبيع في سوق الجواري بناء على رغبتها.
ثم توالت الأعمال السينمائية التي قدمها استوديو مصر: مثل: سلامة في خير، الدكتور، مصنع الزوجات، شيء من لا شيء، حياة الظلام، عاصفة على الريف، العزيمة، إلى الأبد، قضية اليوم، وغيرها.
بعد صدور قرارات التأميم في العهد الناصري؛ أصبح استوديو مصر تابعاً للقطاع العام في 1960، ثم أصبح تابعاً للمجلس الأعلى للثقافة في 1980، ثم انتقلت إدارته في 1994 إلى الشركة القابضة للإسكان والسياحة والسينما التابعة لقطاع الأعمال.




المساهمون