هوليوود تُنتج قصصاً يابانية: "آليتا" والمستقبل البعيد

هوليوود تُنتج قصصاً يابانية: "آليتا" والمستقبل البعيد

05 مارس 2019
المخرج روبرت رودريغز (Getty)
+ الخط -
منذ تسعينيات القرن الماضي، وصدور المانغا (القصّة المصوّرة اليابانية) Battle Angel Alita، والمخرج جيمس كاميرون يرغب في تحويلها إلى عملٍ سينمائي هوليوودي كبير، لتشابهها وأفكاره التي صاغها في أفلام عديدة. لكن انشغاله بالإنتاج الضخم لـ"آفاتار" (2009، علما أن هناك أربعة أجزاء جديدة يتم العمل عليها وستظهر في الأعوام القليلة المقبلة)، أجَّل حلمه هذا أكثر من مرة، قبل عثوره على طريقة أخرى لتحقيقه: أن يكون منتجا وكاتبًا، وأن يعهد بالإخراج إلى روبرت رودريغز، المهووس بدوره بالقصص المصوّرة، ومخرج Sin City بجزئيه، مع وضع ميزانية ضخمة للمشروع، تساوي 170 مليون دولار أميركي.
بعد إطلاق عروضه التجارية الأميركية في 14 فبراير/ شباط 2019، كان استقباله متباينا. فرغم اختلافه البصري، ووجود مشاهد حركة وخيال رائعة جدا، إلاّ أنّ دراما الفيلم ضعيفة بسبب التخمة ولهاث الأحداث (بحسب الموقع الإلكتروني "موجو"، المختصّ بالإيرادات الدولية، حقّق الفيلم ـ بين 14 و24 فبراير/ شباط 2019 ـ إيرادات دولية تجاوزت264 مليون دولار أميركي، منها ما يزيد على 61 مليوناً فقط من السوق الأميركية).

يبدأ الفيلم، كما المانغا، في مستقبل بعيد جدا، مع عثور العالم ديزن إيدو (كريستوف فالتز) على جسد إنسان آلي في مجمع للنفايات، فيقرر إعادة بنائه وإحيائه، معطيا إياه اسم ابنته الراحلة آليتا (روزا سالازار)، فيصبح بمثابة والدها. وهذا كلّه قبل أن يكتشفا معا أن جسدها مكوّن من تكنولوجيا متطوّرة للغاية، وأن لديها قدرات قتالية خارقة، فيتساءلان: من أين جاءت هذه التكنولوجيا وتلك القدرات؟ لماذا صُمِّمت بتلك الطريقة؟ وهل يُمكن النجاة من الشرير فيكتور (مهارشالا آلي) ومساعدته شيرين (جينيفر كونيلّي)، اللذين يديران أعمالاً مخالفة للقانون، ويسعيان بالتالي إلى الحصول على خدمات آليتا، أو التخلّص منها؟
بصريا وتنفيذيا، يُمثّل "آليتا" مُنجزا كبيرا لروبرت رودريغز والعاملين معه، ليس لتقديمهم مشاهد حركة قوية أو تصوّرا مستقبليا متكاملا فحسب، بل أيضا لأن الفيلم يحمل خيالاً مختلفا عن أفلام هوليوودية أخرى في هذه المرحلة، مستفيدا إلى أبعد مدى من الأصل المُصوَّر، المنبثق من ثقافة يابانية مختلفة تماما، وينجح في دمجه بالمؤثرات الضخمة والتنفيذ الحاسوبي، من دون أن يُفقده هويته أو تفاصيله. من الممتع فعلاً مشاهدة عوالم B Movies التي يُحبّها روبرت رودريغز، كما في Grindhouse مع كوانتن تارانتينو عام 2007، وMachete عام 2010؛ وهي مُصاغة في عالم مستقبلي ومع رجال آليين، وقواعد حاكِمة تُقاس بها قيمة الـ"سايبورغ" بعدد قتلاه.
لعلّ تلك المميزات كلّها، والدمج المذهل لثقافات بصرية متباينة، تتوّج في تتابع سباق Motorball، الممتد إلى نحو 10 دقائق لا تُنسى.
لكن، بالابتعاد عن الجوانب التقنية المتفوّقة، وعن الثورة التي يُحدثها الفيلم في حال نجاحه في جعل هوليوود أجرأ على اقتباس الـ"مانغا" اليابانية في أعمال ضخمة الكلفة، يعاني "آليتا" كثيرا في السيناريو، وهذا ليس غريبا على جيمس كاميرون وروبرت رودريغز، إذ لم تكن الدراما وقوّتها نقطة تميّزهما في أي مرحلة، وهو ما يتكرّر هنا.
أولاً، الفيلم لاهث جدًا، بسبب قرار غريب وحماسي يقضي بأن يحتوي على عدد كبير من الشخصيات والأحداث والمسارات، إلى درجة أن مدّة الفيلم (122 دقيقة) تحمل تفاصيل من المجلدات الأربعة الأولى للقصة المصوّرة. أما النتيجة، فهي تلك التخمة، وذلك لسببين: الاعتماد على "كليشيه" في التفاصيل الدرامية والرومانسية لاختصار مدتها الزمنية. ورغم محاولات روزا سالازا وكريستوف فالتز وكيان جونسون (هيوغو، حبيب آليتا)، إلا أن المَشَاهد نفسها ضعيفة ومُكرّرة وفاترة.
ثانيا، يخفف العمل كثيرا من المحتوى الفلسفي للقصة المصوّرة. مفهوم أنه فيلم تجاري هوليوودي ضخم الكلفة، يسعى إلى البساطة لبلوغ شريحة أكبر من الجمهور.
لكن خفّة الكتابة أثّرت على بناء الشخصيات الشريرة وتكوينها (مع أداء ضعيف أيضًا لجينيفر كونيلّي ومهارشالا آلي)، وهي غير مفهومة، لا تحمل أي طبقات كما القصص الأصلية. كما حوّلت الصراع بين السادة والأقل شأنًا، والبُعد المهم في آليتا نفسها كـ"ملاك المعركة"، بأبعاد دينية وفلسفية وتاريخية، إلى مجرّد فيلم حركة مُسلٍّ، لكنه لا يحمل أبعد من ظاهر أحداثه.

المساهمون