هوليوود واقتباساتها: التقليد يصنع فشلاً

هوليوود واقتباساتها: التقليد يصنع فشلاً

26 فبراير 2019
براين كرانستن وكيفن هارت في The Upside (فيسبوك)
+ الخط -
في 11 يناير/ كانون الثاني 2019، بدأت العروض التجارية الأميركية لـThe Upside لنِل بيرغر، المقتبس عن الفرنسي Intouchables، الذي أنجزه أوليفيه نكاش وايريك توليدانو عام 2011. كلاهما يروي قصّة حقيقية عن علاقة ثري مُقعد وعاطل عن العمل، يتولّى مسؤولية رعايته كجزء من حكم قضائي ضده. أثار العمل الأصلي عاطفة المُشاهدين وإعجابهم، فاحتلّ المركز 40 في قائمة IMDB الجماهيرية لأفضل الأفلام (شاهده 19 مليونًا و490 ألفًا و688 مُشاهدًا في فرنسا). لكن النسخة الأميركية قوبلت باستهجانٍ نقدي وجماهيري واسع، إذْ حقّق، بين 11 يناير/ كانون الثاني و18 فبراير/ شباط الجاري، 95 مليونًا و167 ألف دولار أميركي في عروضه الأميركية، مقابل 37 مليونًا و500 ألف دولار أميركي ميزانية إنتاج.



هذه حالة متكررة في الأعوام الأخيرة: أصل أجنبي ـ فيلم أوروبي أو آسيوي غالبًا ـ ناجح بشدّة، تُقابله نسخة أميركية ضعيفة ومستهجنة. فما هي أسباب الفشل الهوليوودي في التعامل مع الاقتباسات؟ وما هي الحالات النقيضة لهذا الفشل، والمتفوّقة على الأصل؟
أبرز سبب للفشل كامنٌ في أن الاقتباس يكون أساسًا لأسباب تجارية، ومن عمل فني قوي ومشهور. تلك هي حالة The Upside ونسخته الأصلية Intouchables. الأصل الفرنسي شوهِد بكثرة في أميركا والعالم. لذلك، حين يكون الاقتباس تقليدًا، من دون محاولة تقديم أية إضافة، سيُقابل بالفشل وسيُدركه الضعف، بل إنه سيمثّل دعاية للفيلم الأصلي، بمعنى أن الرغبة في معرفة القصّة بروحها وجودتها الحقيقية دافعٌ إلى مشاهدة الفيلم الأصلي لا النسخة الضعيفة.


هذا حدث مع أفلام عديدة: The Lake House، الذي أنجزه أليخاندرو أغريستي عام 2006، مُقتبسًا إياه عن الأصل الكوري الجنوبي Il Mare للمخرج لي هيون ـ سونغ (2000)؛ وVanilla Sky لكاميرون كرو (2002)، المقتبس عن الأصل الإسباني Open Your Eyes لأليخاندرو آمينابار (1997). أما النموذج الأبرز فمتمثّل بـ Oldboy لسبايك لي (2013)، المقتبس عن الأصل الكوري الجنوبي بالعنوان نفسه، الذي أنجزه بارك تشان ـ ووك عام 2003.
فشل "أولد بوي"، في مقابل شهرة الأصل، ناتج من سببٍ آخر يتكرّر دائمًا، وهو أن النسخ الهوليوودية المقتبسة تكون أقل جرأة بكثير من الأعمال الأصلية، على مستوى العنف الجسدي، أو بالنسبة إلى الأفكار غير المعتادة، كأنها أعمال "مُفلترة" ومُعدّة أكثر لتوافق المزاج المحافظ، أو لتسهيل تقبّلها في المُشاهدات العائلية للأسَر الأميركية. وهذا يكون أوضح في نموذج أفلام الرعب: The Ring لغور فيربينسكي (2002)، وDark Water لوالتر ساليس (2005)، والفيلمان مقتبسان من الأصلين اليابانيين بالعنوانين نفسيهما للمخرج هيدايو ناكاتا، الأول عام 1998 والثاني عام 2002. هناك أيضًا The Uninvited لتشارلز وتوماس غارد (2009)، المأخوذ عن الأصل الكوري الجنوبي "زهرة القرنفل واللوتس الأحمر" (2003) لكيم جي ـ وون، وMartyrs لكيفن ومايكل غوتز (2015)، المقتبس عن الأصل الفرنسي بالعنوان نفسه (2008) لباسكال لوجييه. المشترك بين هذه الاقتباسات كامنٌ في افتقاد النسخ المُقتبسة جرأة الأصل وعنفه ومفاجآته.


في المقابل، فإنّ جزءًا من جماهيرية أفلام أجنبية متأتٍ من التجربة السينمائية التي تبتكرها، أو اللغز الذي يُحلّ في نهايتها. بالتالي، فإنّ الاقتباس بناءً على المعطيات نفسها يُسبِّب استقبالاً جماهيريًا فاترًا أو سيئًا. الأمثلة عديدة، منها: Quarantine لجون إيريك دودل (2008)، المأخوذ من الأصل الإسباني REC لباكو بلازا وجوم بالاغيرو (2007)، وكلاهما Found Footdge، أي أن الفيلم يوحي بأنه مُصوّر بشكل توثيقي، من خلال كاميرا برنامج تلفزيوني، عن مبنى أغلق على ساكنيه بسبب تفشّي وباء مجهولاً. في مقابل النجاح الكبير للأصل، فشلت النسخة المقتبسة بالمعطيات نفسها.
الأمر نفسه حصل مع The Secret In Their Eyes لبيلي راي (2015)، المقتبس عن الأصل الأرجنتيني (عنوانه بالفرنسية Dans Ses Yeux) لخوان خوسي كامبانيلا (2009)، الفائز بـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي في دورة عام 2010. ورغم محاولة العمل المُقتَبس تغيير الضحية وعلاقتها بالشخص المنتقم (من زوج وزوجة في الأصل، إلى أم وابنة في الاقتباس) إلا أن تحوّلاته ومنطقه وحلّ لغز الجريمة أمور واضحة لمُشاهدي الفيلم الأصلي غالبًا.
هذا كلّه دافعٌ إلى إعادة طرح السؤال نفسه مرة أخرى: لماذا الاقتباس، ما دام صنّاعه لا يملكون رؤية جديدة؟
لعلّ الفيلم الوحيد الذي يتفوّق على أهمية النسخة الأصلية هو The Departed لمارتن سكورسيزي (2006)، الفائز بـ4 جوائز "أوسكار"، بينها أفضل فيلم وافضل إخراج، في دورة عام 2007، وهو مقتبس عن "أعمال شيطانية/ جهنمية" (هونغ كونغ، 2002) لأندرو لو وآلن مارك (أول جزء من ثلاثية سينمائية). بحسب كثيرين، فإن التفوّق على الأصل نابع من أن سكورسيزي غيّر في شكل الفيلم ومنطقه وروحه بشكل كامل، ففي مقابل حكاية بوليسية مسرودة بشكل شاعري عن ضابط ومجرم متخفيين، تحوّل الاقتباس الأميركي إلى عمل عنيف وحاد وواقعي، حاملاً أبعادًا سياسية واجتماعية (مجتمع من الفئران). لذا، فإنّ استقباله منفصل عن الأصل. وعلى عكس النسخ المعادة كلّها في العقدين الأخيرين، نجح فيلم سكورسيزي بشكل كبير، نقديًا وجماهيريًا وعلى مستوى الجوائز، ليُصبح "مثلاً" ـ لم تستفد هوليوود منه ـ عن اقتباسٍ جاد، يقدّم رؤية فنية مختلفة للحكاية نفسها، لا مجرّد تقليد فاتر لأسبابٍ تجارية.

المساهمون