عن الأم في عيدها

عن الأم في عيدها

21 مارس 2016
كيف صقلت الأمومة حجر روحها ليصير أنعم(getty)
+ الخط -
الآن، تحتفي المرأة في العالم المتقدم، بكونها امرأة في كل لحظة في حياتها. وتعطيها المجتمعات المتقدّمة مكانة إضافية وحقوقاً إضافية، لمجرّد كونها امرأة، فهذا بحدّ ذاته يحمل تمّيزها بالرهافة التي تسكن روحها، وبالقدرة على الحب والعطاء.

إذ يعرف تمامًا هذا المجتمع المتقدّم أن المرأة هي من يربّيه كاملاً، لذا فهو يكرّمها في عيدها كثيرًا، مثلما يكرمها بكل تفاصيل قوانينه، ويعطيها المكانة الأولى في الحقوق، ويكرمها بحريتها المطلقة، بالتعامل مع قرارها ومع جسدها، مثلها مثل الرجل.

ويعمل المجتمع المتقدم، أيضاً، على جعل المرأة مستقلة، ومساعدتها في تثقيف نفسها، وذلك كي تجد عملاً يتيح لها الاستقلاليّة التي لم يعد يقبل بها المجتمع. وطبعا كان الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة، ثمرة قرون من العمل المضني وتراكمات من الثورات الفكرية والسياسية قامت بها هذه الشعوب، على كل ما يقتل فيها قيمة الإنسان. وكانت، أيضًا، نتاجًا لمفكرين ومفكرات سبقوا عصورهم وتحدوا السائد والمتكرر. إذْ كم من نساء دفعن حياتهن مقابل ما تنعم به امرأة اليوم في المجتمعات المتقدمة.

لكن في بلادنا، فإن المرأة المتعلمة العاملة التي تحاول أن تثبت كيانها، والطالعة من ضلع الحياة، والتي تطلع الحياة من أضلاعها، لم تزل تقف وتفكر كيف فقط ستستطيع، يوماً، أن تنفي ثقافة طلوعها من ضلع الرجل، والذي سيبقى حبها وشريك شغف الحياة ومتعتها. وفي يوم عيدها، فإن المرأة في بلادنا تحتار لأيّ اتجاه تدير وجه عواطفها، دون أن يقتلها العتم أو أن تغتالها الرطوبة والعفونة.

وكيف تحافظ على نبتة الحياة فيها حيّة وخضراء، وكيف تفتح لها شبابيك روحها كلها كي تشبع من الضوء والهواء، دون أن تدخلها رياح التملك والوصاية الذكورية عليها، حتى ولو كانت رياح حب كبير فهي في غفلة عنها، وفي لحظة ما، ستقتلع كل ما فيها.

في عيدها، تفتش المرأة عنها فيها، تفتش عما تبقى من فينوس في روحها، وعما أكلت الأمومة منها بحملها الثقيل المستمر. لكنها، أيضًا، تفتش عما زادتها الأمومة نفسها عمقًا وحكمة، وكيف صقلت حجر روحها ليصير أنعم وأصلب بنفس هذا الحمل الثقيل المستمر.

وحدها، المرأة السورية، صاحبة أكبر حق بأن يسمى هذا العيد ولهذه السنة باسمها. فهي وبالرغم من أنها كانت سيدة أقدم الحضارات في العالم، وكانت فينوس الدهشة والخصب وربة الجمال والعطاء، والتي عاشت في أقدم مدن العالم، والتي كانت مع السفينة الفينيقيّة الأولى، حين نقلت لهذا العالم الحديث تجربتها وحضارتها، هي وحدها من تعاني اليوم، ما لا تعانيه امرأة على هذا الكون.

فهي بالإضافة، لكل ما تعانيه المرأة العربية، فإنها في عيدها هذا تزرع فوق قبر حبيبها نرجسة وقهرًا، أو تحيك لزوجها المعتقل حياة قد لا يعيشها، أو أنها تدفن كيانها كاملاً مع ابنها وابنتها تحت الأرض، أو تغتصبها الرايات السوداء والعقول المريضة. وبأفضل حالاتها، فهي في المخيمات تداري ذل حياتها بدمعة تحت الجفن وبضمة لمن تبقى من عائلتها. أو أنها لم تزل هناك تنتظر الذين رحلوا عن البلاد أن يعودوا، أو الذين صاروا يسكنون فقط في الصور. تنتظرهم أن يرجعوا، وهي تعرف أنهم لن يرجعوا، لكنها في يوم عيدها تعد لأسمائهم العشاء.


إقرأ أيضاً: جولي تسرق الأضواء من مخيمات اللاجئين

دلالات

المساهمون