لعبة النفط خارج أوبك

لعبة النفط خارج أوبك

17 مارس 2015
السوق النفطية العالمية أمام تحديات كبيرة (Getty)
+ الخط -
تتقاطع النظريات الاستراتيجية الحديثة، في مسألة تفسير صعود وهبوط أسعار النفط الأخيرة، وذلك نتيجة للصراع بين النظريات الفكرية المفسّرة لسلوكيات الأسواق، من حيث قدرة كل من المنتجين والمستهلكين على التكيّف الاستراتيجي مع التغييرات القائمة.

 
ويبدو أن التفسير الاستراتيجي لحركة الأسعار، بات يؤشر تارة إلى أن المشكلة في منظمة أوبك، وآخرون يذهبون إلى أعمق من ذلك، ويقولون بأن المشكلة هي في خارج أوبك. وهنالك تيار ثالث يفسر حركة الأسعار بالثورة في النفط الصخري، وفي التكاليف المنخفضة للإنتاج بسبب التطورات الكبيرة في التقنيات المعاصرة في مجالات الحفر والإنتاج من حقول النفط الصخري. إضافة إلى القيمة المضافة من الغاز المصاحب لإنتاج النفط الصخري، الأمر الذي أعطى مرونة كبيرة لثورة النفط الصخري بالاندفاع والقدرة على التمويل والابتكار والاستمرارية في الإنتاج.

وقد أدى انهيار أسعار النفط بشكل مفاجئ إلى عزل الإنتاج النفطي العالمي وحصره باتجاهين، الأول ما زال مستمراً وهو الإنتاج النفطي التقليدي من الحقول الأحفورية التقليدية، والثاني متوقف الإنتاج، وذلك بسبب عدم ملاءمة تكاليف الحفر والإنتاج والإدارة مع قيمة الأسعار الحالية في السوق العالمية.

وبذلك بدأت السوق العالمية بالعمل على إعادة الأسعار إلى وضعها الطبيعي بواقع 5% إلى 7%، وقد تندفع نحو 20% في حال استمرت الإمدادت بالتباطؤ في السوق العالمية، واستمر عدم اندفاع المستثمرين لتطوير أدوات الإنتاج في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إن لعبة الأسعار قد باتت خارج أوبك، فعلى الرغم من وجود منتجين كبار فيها، إلا أن المضاربين في السوق العالمية، بات لهم دور كبير في التأثير بالأسعار.ويبدو أن الوقت قد حان لوضع ضوابط للتخزين، ومنع الاحتكار والتاثير في سياسات المنتجين من خلال عقود البيع.

ويعمل المستثمرون على تحقيق الربح من تخزين النفط وبيعه لاحقاً بسعر أعلى. لكن تعافي أسعار الخام قد جعل من مسألة التخزين أمراً غير مجزٍ. وتشير المعلومات الأولية من وكالات الطاقة المتخصصة، إلى أن هنالك تراجعاً في عدد الناقلات العملاقة المحمّلة بالنفط، والتي ما زال المتعاملون يستأجرونها لأغراض التخزين، وذلك مع انحسار المراهنة على الاحتفاظ بالنفط الخام الرخيص وبيعه لاحقاً، بعدما تعافت الأسعار من أدنى مستوياتها بشكل أسرع من التوقعات.

وتشير البيانات التجارية إلى أنه قد تم استئجار أكثر من 30 ناقلة لفترات طويلة في مطلع السنة، وذلك للاستفادة من ارتفاع سعر التسليم الآجل. لكن عدد الناقلات التي ما زالت مستخدمة في التخزين تراجعت إلى 12 ناقلة. وتشير معلومات جديدة، وفقاً لبيانات من وكالة "تومسون رويترز"، وكلام رجال أعمال في قطاع شحن، إلى أن عدد الناقلات المملوءة بالنفط منها لا يزيد عن خمسة.

إن العالم يمر بأزمة كبيرة، وهذه الأزمة لا بد أن يعاد التفكير فيها من قبل مراكز القوى والقرار في العالم، وذلك لبقاء أسواق النفط مستقرة، حيث إن الدول التي كان البعض يتنبأ بأنها ستنتج بشكل أكبر وتغرق العالم بالإنتاج، أصبحت تعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية، كالعراق وليبيا وإيران واليمن، وبالتالي لن تستطيع الإنتاج وفق التوقعات التي كانت سائدة.

إضافة إلى أن تراجع عدد حفارات النفط الأميركية، وقيام الشركات النفطية الكبرى بخفض استثماراتها، أدى إلى بروز توقعات بتراجع الإنتاج خلال العام 2015. وقد أعلنت وكالة الطاقة الدولية عن توقعات أخيراً تشير إلى تسارع نمو الطلب على النفط خلال العام 2015، وذلك تماشياً مع تحسّن الاقتصاد العالمي، وتراجع إنتاج أوبك بواقع 50 ألف برميل يومياً ليصل إلى 30.2 مليون برميل يومياً خلال شهر شباط/ فبراير وذلك نتيجة انقطاع زيادة الإنتاج في ليبيا والعراق.

إن المشكلة في الأسعار العالمية للنفط لم تكن بسبب منظمة أوبك، كما يجري الحديث حالياً. إننا نواجه تحديات كبيرة من خارج المنظمة، تتفاعل مع هذه التحديات دول تنتج النفط بكميات كبيرة، وسياسات متصارعة في إطار مصالح استراتيجية ما زالت لحد الآن تتبنى أفكاراً فقط، وتتعثر في حسابات نمو الاقتصاد العالمي. وهذه العوامل كافة تجعل السوق النفطية العالمية أمام تحديات كبيرة، ودول منظمة أوبك لا تخرج من إطار هذا التوصيف.
(محلل نفطي عراقي)

إقرأ أيضا: شراكات وخطط تعيد الجزائر إلى خارطة قطاع البتروكيماويات

المساهمون