أيتام ترامب العرب

أيتام ترامب العرب

29 اغسطس 2018
+ الخط -
يعيش الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أسوأ أيامه في البيت الأبيض، بعد أن بدأ حبل المشنقة القانونية يلتف حول رقبته، منذ اعترف محاميه السابق، مايكل كوهين، بأنه مذنبٌ في جريمة فيدرالية، فيما يتعلق بانتهاك القوانين الخاصة بتمويل الحملات الانتخابية. فمند صدور هذا الإعلان، وسمعة الرئيس السياسية تتضاءل يوما بعد يوم، مع ازدياد احتمال توجيه الاتهام له ومقاضاته، وربما بدء الكونغرس إجراءات عزله، وإدانة مجلس الشيوخ له.
تبقى هذه السيناريوهات التي تهدّد مستقبل الرئيس المثير للجدل واردة، حتى إن كانت بعيدة التحقق، على الأقل في المدى القريب، لأن مقاضاة الرئيس تبدو مستحيلة ما دام في منصبه، وإجراءات العزل تبقى طويلة ومعقّدة، وفرص إدانته من مجلس الشيوخ تظل ضئيلة، واحتمال استقالة الرئيس غير واردة، لأن ترامب ليس ريتشارد نيكسون الذي اختار عزل نفسه في العام 1974، عندما أحسّ بأن مكانته السياسية باتت ضعيفة، في حين أن ترامب الذي يفكّر بمنطق رجل العصابة، لا تهمه سمعته السياسية، بقدر ما تهمّه السلطة التي يمنحها له المنصب الذي هو فيه، فهو آخر من يهتم باحترام القانون وسيادته، ويبدو، حتى الآن من تصرّفاته وتصريحاته، وكأنه لا يعي حجم الأزمة السياسية والدستورية التي يجرّ إليها بلاده، لكنه بالتأكيد يدرك أنها ستؤثر على استقرارها السياسي والاقتصادي، ولذلك نراه لا يكفّ عن إصدار تصريحاته الرخيصة التي تساوم الأميركيين بين بقائه أو الفوضى التي ستؤثر على الاستقرار في البلاد، في حال طرده من منصبه.
لكن، سواء بقي ترامب في منصبه أو تم عزله، فإن مكانة الرجل السياسية اهتزّت، والمرشّح الذي قدّم نفسه للأميركيين بأنه ضد منطق المؤسّسة البيروقراطية التي تحكمُهم من واشنطن، 
يؤدّي اليوم أداءً أسوأ من سابقيه، بل ويعرقل عمل المؤسّسات الدستورية التي تنظم حياة الأميركيين منذ قيام الولايات المتحدة الأميركية، عندما يستهدف القضاء، ويهاجم الحكومة بانتقاده وزير العدل، ويفتح عليه أكبر حرب مع الإعلام. إنه باختصار الرئيس الذي يهدّد استقرار بلاده ويشوّه صورتها في العالم الحر رائدةً لقيم الحرية والعدالة والديمقراطية. وحتى إنْ لم يعزل الرئيس قانونيا أو من الكونغرس، ولم يُدنه مجلس الشيوخ، فإنه بات معزولا بتصرّفاته الهوجاء، وتصريحاته الخرقاء، وقد بدا، في حوار صحافي له، أخيرا، مع قناته المفضلة، فوكس نيوز، مثل شمشون في آخر أيامه، وهو يتوعد الشعب الأميركي: إما أنا أو الفقر!
وفي انتظار قرار المحقق الخاص، روبرت مولر، الذي لا يُعرف متى سيصدر، أو ما ستسفر عنه انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، المرتقبة في نوفمبر/ تشرين الأول، والتي ستؤكد شعبية الرئيس أو تزيد من تدهور أسهمه، ستبقى مسألة عزل ترامب واردة، ومعها ستزداد صورته السياسية سوءا داخل أميركا أو خارجها، وعند خصومه وحلفائه في الداخل وفي الخارج. وإذا كان حلفاء الرئيس في الداخل، خصوصا من الحزب الجمهوري الذي يدعمه قد بدأوا يتخلّون عنه، فإن حلفاءه من خارج أميركا، وخصوصا في العالم العربي، هم اليوم أقرب إلى الأيتام منهم إلى الحلفاء، لأنهم في حاجةٍ إلى وجود ترامب أكثر مما هو في حاجةٍ إليهم لتعزيز وجوده.
وأكثر حلفاء ترامب العرب الذين يعيشون اليوم ظروفا عصيبة، لا تقل عن التي يمرّ بها ساكن البيت الأبيض، هما محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، والحاكم الفعلي في دولة الإمارات، وعراب سياسة ترامب في منطقة الشرق الأوسط، الذي قد تكشف خيوط التحقيق الذي يقوده روبرت مولر عن الدور الذي لعبه في دعم وصول ترامب إلى البيت الأبيض. ومحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ورجل السعودية القوي الذي يراهن على استمرار ترامب لتثبيت نفسه ملكا على السعودية، ونقل الإرث الملكي السعودي من سلالة آل سعود إلى سلالة آل سلمان. فكلا المحمّدين، في الإمارات والسعودية، راهنا ويراهنان على استمرار ترامب في الحكم، لتنفيذ خططهما، وإعادة رسم خريطة نفوذهما في المنطقة. وقد كلفهما وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وشراء سياسته الداعمة لمخططاتهما مليارات الدولارات التي قد تذهب هباء في حال عزله من منصبه.
وبدرجة أقل، سيجد دكتاتور مصر، عبد الفتاح السيسي، نفسه في موقعٍ لا يُحسد عليه، في حال عزل صديقه وحليفه ترامب، فكلاهما يحتاجان إلى بعضهما. يحتاج السيسي إلى وجود رئيس 
أميركي أهوج، لا يأبه بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، لأنه يتغاضى عن جرائمه التي يرتكبها يوميا في مصر ضد معارضيه وعموم شعبه. ويحتاج الرئيس ترامب إلى دكتاتور مصري قوي أجهض أول تجربة ديمقراطية في مصر، ويجيد لعب دور حماية إسرائيل، وحراسة حدودها، وضمان أمنها وسلامتها، ويزكّي سياسة الظلم والعدوان والاحتلال التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني، خصوصا سكان غزة الذين يشارك السيسي إسرائيل في حصارهم وتجويعهم ودفعهم إلى الموت البطيء.
وفي مستوى ثالث، تأتي كل الأنظمة العربية السلطوية التي ارتفع رصيدها في ظل حكم إدارة ترامب التي صمتت عن انتهاكات حقوق الإنسان في أكثر من دولة عربية، وعن القمع الممارس ضد المعارضين، والأصوات الحرة في العواصم العربية، وعن القتل البطيء الذي تتعرّض له الصحافة الحرّة والتعدّدية السياسية والتجارب الديمقراطية الهشّة في أكثر من بلد عربي، فزلزال ترامب عندما سيضرب سيهزّ ارتداده أكثر من عاصمة عالمية، لكنه سيكون مدمّرا في الدول التي اتخذته أنظمتها حليفا لها، أو غطاء لجرائمها في حق شعوبها، عندما تجد نفسها عارية بدون غطاء، ويتيمة بدون حليف.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).