البرلمان المصري وتوسيع التصالح مع الفاسدين: استجابة للترغيب الإماراتي

البرلمان المصري وتوسيع التصالح مع الفاسدين: استجابة للترغيب الإماراتي

23 فبراير 2020
يريد النظام تهيئة المناخ لجذب المستثمرين الخليجيين(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
يتجه مجلس النواب المصري، الذي تتحكّم فيه المخابرات العامة والأمن الوطني من خلال أكثرية ائتلاف "دعم مصر" وحزب "مستقبل وطن"، إلى مزيد من التوسع في مبدأ إلغاء حبس المتهمين بالفساد وتفعيل التصالح في كل القوانين ذات الطبيعة الاقتصادية. ويسعى المجلس لإعلان ذلك بشكل صريح أثناء مناقشة مشاريع القوانين المختلفة، في إطار تهافت النظام على نيل ثقة المستثمرين الأجانب، لا سيما من الإمارات والسعودية والكويت، وهي الجنسيات الثلاث الرئيسية التي تورط رجال الأعمال الحاملون لها في قضايا مختلفة خلال السنوات العشر الماضية، على خلفية عمليات تخصيص أراضٍ ومشاريع لهم بالأمر المباشر وعدم استغلالها، أو دخولهم في خلافات مع الحكومات المتعاقبة، أدى بعضها إلى لجوئهم للتحكيم الدولي ضد مصر.

وبدأ رئيس مجلس النواب علي عبد العال عاصفة التصريحات النيابية في اتجاه توسيع التصالح وإلغاء المحاسبة الجادة للفاسدين بتصريحه قبل أيام أنه "لن يسمح على الإطلاق بحبس رجال الأعمال في المخالفات الاقتصادية". تبعه وكيل المجلس سليمان وهدان وعدد من النواب الآخرين، خصوصاً في اللجنة الاقتصادية ولجنة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خلال مناقشة اللجنتين عدداً من المشاريع الخاصة بقانون الجمارك الجديد وتعديل قانون العمل، وانتقادهم لبعض الإجراءات التي كانت تتضمّنها قوانين قديمة بالسماح بحبس المستثمرين وأصحاب الأعمال في إطار ضمان حقوق الدولة والعمال وتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدهم.

وقالت مصادر حكومية مطلعة على ملف التشريعات الاقتصادية، لـ"العربي الجديد"، إن التوسع في اتجاه التصالح ليشمل كل القوانين الحاكمة للمصالح الاستثمارية، بما فيها الخاصة بالجمارك والاستيراد والعمال والضرائب، في محاولة لتهيئة المناخ تماماً لجذب المستثمرين الخليجيين، خصوصاً الإماراتيين، الذين كان ملف العقوبات السالبة للحرية دوماً من المسائل التي يحاولون إقناع النظام الحاكم بتجاوزها، خوفاً من الاصطدام بأحكام قضائية بالحبس على شاكلة الأحكام الأخرى التي صدرت ضد بعضهم ببطلان التخصيص وسحب الأراضي والمشاريع في الفترة بين 2010 و2013.

وأضافت المصادر أنه لا يمكن الفصل بين التوسع في التصالح وإزالة العقوبات السالبة للحرية من قوانين الاستثمار، وبين إجراءات تشريعية أخرى اتُخذت أخيراً، على رأسها قصر الطعن في قرارات رئيس الجمهورية الخاصة بنقل ملكية الأصول إلى الصندوق السيادي الجديد، أو الإجراءات التي اتُخذت بناء على ذلك، على الجهة المالكة أو الصندوق المنقول له ملكية ذلك الأصل فقط من دون غيرهما. هذا الإجراء يشابه بشكل كبير فكرة تحصين العقود الإدارية التي نصّ عليها لأول مرة القانون 32 لسنة 2014، والتي كانت فكرة إماراتية بحتة، إذ كان قد أعلن عنها المستثمرون الإماراتيون قبل مناقشتها في مجلس الوزراء المصري آنذاك وإصدارها بواسطة الرئيس المؤقت عدلي منصور.
وذكرت المصادر أن كل هذه الخطوات تهدف في الحقيقة لحماية التصرفات الباطلة وشبهات الفساد من الملاحقة القضائية، بناء على مطالبات إماراتية صريحة في الشهور الأخيرة، بحجة أن مثل هذه السياسة ستضمن تدفق المزيد من الاستثمارات.

وأشارت المصادر إلى أنه على الرغم من معارضة العديد من القانونيين داخل الحكومة، وفي الأجهزة والوزارات التابعة لها، للتوسع في هذا الاتجاه، باعتبار أنه لا ينتج إلا مزيداً من الفساد، ولا يضمن حق الدولة في تقاضي مقابل عادل للأزمات التي سبّبتها وقائع الفساد المختلفة، إلا أن هناك تأييداً للأمر من قبل الوزارات المعنية الرئيسية، وأبرزها وزارة العدل، التي تعتقد أن إحلال التصالح بدلاً من التقاضي سيخفف أعباء المحاكم بشكل عام ومحكمة النقض بشكل خاص، في ظل قلة عدد القضاة والموظفين وصعوبة تعيين جدد، والزيادة الضخمة في عدد القضايا. مع ذلك تعترف الوزارة ممثلة في جهاز الكسب غير المشروع، وباعتبارها مساهمة في عدد من لجان تسوية المنازعات مع المستثمرين، والتي أصبحت تابعة لرئاسة الوزراء مباشرة بناء على توجيهات عليا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بأن الحصيلة أقل كثيراً من المتوقع.

وعلى الرغم من بدء سياسة التصالح في عهد السيسي بصدور قانون الكسب غير المشروع في صيف 2015 وفتح وزارة العدل باب التصالح رسمياً في كل جرائم الفساد المالي وفي كل مراحل التقاضي، إلا أن الأكيد هو عدم حصول الدولة على الأموال التي كان من المُتصور سهولة الحصول عليها جراء هذه التصالحات، على الرغم من الدعاية الإيجابية من قبل وزارة العدل ورئاسة الوزراء، وهي العمليات التي تدرجت لتبدأ من الوزراء وقادة الأحزاب والمسؤولين الحكوميين السابقين وحتى رجال الأعمال المتورطين في قضايا استثمارية وفقاً لقوانين أخرى أسست لجاناً مختصة للفصل في طلبات التصالح لهذا الغرض.

ورتبت القوانين المتوالية منذ ذلك الحين على قبول طلبات التصالح واسترداد نسبة من الأموال للدولة، العديد من المزايا التي كفلها القانون للمبادرين بذلك، منها انقضاء الدعوى الجنائية وكل الإجراءات التحفظية مثل التحفظ على الأموال والمنع من السفر، ووقف تنفيذ العقوبات المقيّدة للحرية وامتداد أثر التصالح إلى جميع المتهمين وإلى جرائم العدوان على المال العام، وغسل الأموال المرتبطة بجريمة الكسب غير المشروع. بل إن قانون الكسب غير المشروع تحديداً ينصّ على رد مبلغ الكسب غير المشروع فقط في حالة التحقيق، فإذا تقدّم في مرحلة المحاكمة يتم إلزامه بغرامة تعادل قيمة الكسب، مما يعني تجنيب المكاسب والأرباح بشكل كامل تقريباً.

ويُعتبر رجل الأعمال الراحل حسين سالم، صاحب أكبر صفقة تصالح حتى الآن من بين جميع المستثمرين المصريين والأجانب. واللافت أن المفاوضات بينه وبين الحكومة على التصالح انتهت في أغسطس/آب 2017 بتنازله هو وابنه خالد وابنته ماجدة عن 21 من أصوله العقارية للدولة، بقيمة 5 مليارات و341 مليوناً و850 ألفاً و50 جنيهاً (نحو 344 مليون دولار)، والتي تمثل 75 في المائة من إجمالي ثروته المعلنة داخل مصر وخارجها، والمقدّرة قيمتها بمبلغ 7 مليارات و122 مليوناً و466 ألفاً و733 جنيها مصرياً (نحو 458 مليون دولار)، مقابل تمكينه من الحصول على مبلغ 147 مليون دولار من سويسرا التي قررت رفع التحفظ عن هذا المبلغ بعد مخاطبة النائب العام المصري لنظيره السويسري وإبلاغه بالتصالح مع الدولة وسداد ما عليه من مستحقات، علماً بأنه كان سابقاً ينفي أن يكون ممتلكاً لأي أصول في مصر.

ولا يبدو هذا المبلغ عادلاً على الإطلاق بالنسبة للاتهامات التي وُجّهت لسالم في العديد من القضايا بالفساد واستغلال النفوذ، في ظل فشل محاولات اللجان المتتالية التي شُكّلت لاسترداد الأموال المصرية من الخارج في منعه مراراً من التصرف بأمواله خارج مصر، والاكتفاء فقط بالحجز على أملاكه في الداخل، بما في ذلك فنادقه في شرم الشيخ ومحطة تحلية المياه التي يملكها هناك وحصصه في الشركات المختلفة، وأبرزها شركة ميدور للبترول وشركة غاز شرق البحر المتوسط.

المساهمون