ملف الاستثمار الخليجي في عهدة المخابرات المصرية

ملف الاستثمار الخليجي في عهدة المخابرات المصرية

28 يوليو 2019
سعى السيسي لتقديم تسهيلات للإماراتيين للاستثمار (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هذا الأسبوع القانون 133 لسنة 2019 بإحالة كل القضايا التي صدرت فيها أحكام ببطلان الخصخصة والبيع في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلى اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار، أو اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار، وذلك في إطار محاولات النظام لاجتذاب رؤوس الأموال لشراء الكيانات التي ستُطرح للبيع قريباً ضمن برنامج الطروحات الحكومية في البورصة، ومنح المستثمرين الأجانب وفي مقدمتهم الخليجيين امتيازاً تشريعياً إضافياً يحميهم من المشاكل القانونية المعقّدة ويضمن لهم إمكانية استرداد أموالهم في أي وقت بالاتفاق مع الحكومة بعيداً عن ساحات القضاء، وذلك بالتوازي مع مستجدات هيكلية تضمن إشراف دائرته مباشرة على هذا الملف وتقليص سلطة العمل الحكومي المدني.

وقال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، إن مدير جهاز المخابرات العامة، اللواء عباس كامل، أنشأ وحدة جديدة داخل الجهاز للإشراف على عمل لجان فض المنازعات والمتابعة مع المستثمرين الإماراتيين والسعوديين والكويتيين، لإنهاء المشاكل القائمة بينهم وبين الحكومة حول تسوية آثار الأحكام الصادرة ببطلان شرائهم لأراض أو مشاريع، وكذلك إلغاء القرارات السابق صدورها ضد بعضهم بسحب الأراضي أو المشاريع في عهدي المجلس الأعلى للقوات المسلحة والرئيس المعزول محمد مرسي بين 2011 و2013.

وكشف المصدر أن هناك اتجاهاً متنامياً لنقل ملف الاستثمارات الخليجية بالكامل إلى هذه الوحدة الاستخباراتية الجديدة بدلاً من وزارة الاستثمار، بسبب تراكم المشاكل الشخصية بين مدير الجهاز الذي يُعتبر الشخصية الأقوى في نظام السيسي حتى الآن، وبين وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي سحر نصر، التي يعتبرها عباس كامل "موالية لأحد منافسيه السابقين رئيس الرقابة الإدارية السابق محمد عرفان، الذي سبق ونجح كامل في الإطاحة به". وأشار إلى أن هذه المشاكل التي تعرقل وعود كامل وشخصيات نافذة أخرى للمستثمرين الخليجيين ومجتمعات الأعمال في السعودية والإمارات، تحديداً بتسوية مشاكلهم وتحسين أوضاعهم في مصر، رغماً عن القيود القانونية، هي "من الأسباب الرئيسية التي تدفع المخابرات إلى الترويج لقرب رحيل سحر نصر عن الحكومة في أقرب تعديل وزاري، والبحث عن بديل لها".

وذكر المصدر أن دائرة السيسي تراهن على "سرعة وحسن تطبيق القانون الجديد" ليكون قاطرة لجذب استثمارات خليجية للتعامل في الحصص الإضافية من أسهم الشركات الحكومية المطروحة والمقرر طرحها تباعاً في البورصة، لا سيما أن القانون يضمن اتّباع سياسة التسوية بالنسبة لكل المشاكل، سواء كانت بسبب عدم التوافق بين المستثمر والحكومة، أو عدم وفائه بالتزاماته التعاقدية، أو صدور حكم ببطلان التعاقد من المحكمة الإدارية العليا كما حدث في قضايا صفقات "المراجل البخارية، وعمر أفندي، وطنطا للكتان، وشبين الكوم للغزل والنسيج"، وغيرها من القضايا المرتبطة بكيانات اقتصادية سبقت خصخصتها.


وأوضح المصدر أن الوحدة الاستخباراتية الجديدة بدأت بالفعل مهامها بالتواصل مع ممثلي شركة "منا" القابضة الكويتية وباقي شركائها الكويتيين في الشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الأراضي، للتنازل عن الدعوى التي أقاموها في سبتمبر/ أيلول الماضي ضد مصر أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار "إكسيد" لإلغاء قرار سحب 26 ألف فدان في منطقة العياط في الجيزة، جنوب القاهرة، والصادر عام 2011 من الهيئة العامة للتعمير والتنمية الزراعية التي بادرت إلى فسخ العقد مع الشركة بعد إقامة دعاوى لبطلان العقد أمام القضاء من مواطنين متضررين، وثبوت أن الشركة لم تستغل الأرض في الأغراض الأصلية للصفقة، وهي الزراعة والإنتاج الحيواني والسمكي، وبيعها 10 آلاف متر بحوالي مليار جنيه (نحو 60 مليون دولار) لأغراض سكنية.

واتخذت الشركة الكويتية هذه الخطوة بعد صدور حكم محكمة الجنايات ببراءة وزير الري الأسبق محمد نصر علام من تهمة تحويل نشاط استغلال الأرض المملوكة للشركة من الزراعي إلى العمراني. وتُشكك براءة الوزير في صحة الدافع وراء سحب الأرض من الشركة، وهو ما يحيي آمالها مرة أخرى في تحقيق استفادة مالية من مقاضاة مصر بحجة أنه كان من حقها تغيير نشاط استغلال هذه المساحة الشاسعة من الأرض، وأنها عرضت سابقاً دفع 10 مليارات جنيه للتسوية ورفضت مصر ذلك.

ويستند القانون الجديد إلى فتوى صدرت من مجلس الدولة العام الماضي باستحالة تنفيذ حكم بطلان خصخصة شركة "طنطا للكتان" وبيعها للمستثمر السعودي عبد الإله كعكي، وذلك بعدما ثبت عدم إمكانية استرجاع الأصول والأراضي التي تصرف فيها المستثمر السعودي بالبيع وتغيير النشاط، ما اضطر حكومة رئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل للدخول في مفاوضات معه لمنعه من إقامة دعوى تحكيم ضد مصر.
وسيترتب عليه تفريغ أي أحكام سابقة أو مستقبلية تصدر ببطلان بيع أصول الدولة للمستثمرين من مضمونها، وضمان عدم تنفيذها، حتى وإن كانت تشير إلى فساد مالي أو إداري، وإحالة الأحكام بعد صدورها إلى إحدى اللجنتين الوزاريتين لفض المنازعات أو تسوية منازعات العقود، لتباشر إجراءاتها ودياً، ما يمثل رسالة إيجابية لسوق الاستثمار الخليجي الذي كان مستثمروه أكثر من تضرر من قضايا الخصخصة، وترتب على ذلك رفع 16 قضية ضد مصر في آخر 7 سنوات، موزعة بين "إكسيد" ومراكز تحكيم إقليمية ودولية أخرى.

وكانت مصادر أخرى قد قالت لـ"العربي الجديد"، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن هذا القانون تم وضعه بتعليمات مباشرة من السيسي على خلفية لقائه بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، في أغسطس/ آب 2018، فضلاً عن لقاءات متكررة بين وفود حكومية مصرية وأخرى إماراتية وسعودية وكويتية، طالبت بإنهاء المشاكل القائمة بين المستثمرين من تلك الدول والحكومة. وركز السيسي في محادثاته مع قيادات الإمارات آنذاك على بحث التسهيلات التي ستمنحها مصر للشركات الإماراتية ليس فقط في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ومنطقة غرب الساحل الشمالي، وتمتع الشركات في هاتين المنطقتين بالمميزات ذاتها الممنوحة للشركات الإماراتية في منطقة هضبة الجلالة، شرق القاهرة، بل أيضاً بجذب مزيد من رؤوس الأموال الإماراتية لشراء أسهم الكيانات الحكومية.

يذكر أن الضغوط الخليجية، والإماراتية تحديداً، كانت وراء إدخال تعديلات تشريعية عديدة في مجال الاستثمار في مصر في السنوات الأخيرة، كان أولها في سبتمبر/ أيلول 2013 عندما أصدر الرئيس السابق عدلي منصور، في غياب البرلمان، تعديلاً على القانون يحرر الهيئات الحكومية التي لها قوانين خاصة من التقيّد بإجراءات المزايدات والمناقصات في عمليات البيع والشراء، ويرفع الحد الأقصى للتعاقد بالأمر المباشر لشراء المنقولات وتلقّي الخدمات لصالح الوزارات والهيئات الحكومية. وبناءً عليه أصبح القانون يسري فقط على وحدات الجهاز الإداري للدولة، من وزارات ومصالح وأجهزة لها موازنات خاصة، ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وهي التي لا تملك الأراضي الزراعية أو الصحراوية.