بعد استقالة ماتيس: واشنطن في فوضى وفراغ... ولا مخارج

بعد استقالة ماتيس: واشنطن في فوضى وفراغ... ولا مخارج

21 ديسمبر 2018
استبق ماتيس إقالته من ترامب (Getty)
+ الخط -

بعدما طفح كيله، قرر وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس مساء الخميس، ترك منصبه. في الواقع، دفعه الرئيس دونالد ترامب إلى هذا الخيار. الخلافات بينهما تراكمت منذ فترة، والمغادرة كانت محتومة.

قرار ترامب أمس الأول بالانسحاب من سورية، كان القشة التي قصمت ظهر البعير. نصح ماتيس رئيسه بالعزوف عنه، وحاول بعد ظهر أمس خلال اجتماعه مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض، حمله على التراجع عن خطوته. وعندما اصطدم بالرفض، قدم كتاب استقالته.

استبق ماتيس إقالته، كما حصل لغيره من الوزراء، وهو الذي سبق أن كرر بأنه لن يترك منصبه مهما بلغ به الإحباط. لكن "شعوره بالعجز" وخشيته من "الأعظم" دفعاه إلى الابتعاد كي "لا يكون شاهداً على وقوع الأخطر". وكان من اللافت أن يأتي كتاب الاستقالة بصيغة الاعتراض، الذي ينضح بالتوبيخ المبطن للبيت الأبيض على سياساته الخارجية غير السليمة.

ولم يكن من غير مغزى أن يبادر البنتاغون، وليس البيت الأبيض، إلى نشر نصّ الكتاب، للاطلاع على حيثياته التي تكشف المآخذ على الرئيس.

انسحاب ماتيس بهذا الشكل ترك ارتدادات حملت تحذيرات قريبة من لغة الإنذار. وفق كافة القراءات، فإن استقالة آخر "وأهم صمام أمان" كما يسمونه، مؤشر على أن "الانهيار" في الإدارة تجاوز نقطة اللاعودة. فمن غير المسبوق أن يستقيل وزير دفاع أميركي اعتراضاً على أداء الرئيس.

في العادة يجري حلّ التباين بتسوية. تعذر ذلك، وفي وقت غادر فيه نحو ثلث أعضاء مجلس الأمن القومي مناصبهم ومن دون بدائل، أثار القرار الخشية من الأدهى، وخاصة أن مسلسل الاستقالات والإقالات لم ينته بعد، الذي ضرب الرقم القياسي.

لم يسبق لإدارة أن بلغ الهروب والتهجير من صفوف أركانها، ما سجلته إدارة ترامب، فحتى الآن، أقال الرئيس بما يشبه الطرد، ثلاثة: وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير العدل جيف سيشنز، ومستشاره لشؤون الأمن القومي الجنرال هاربرت ماكمستر. وأقال ثلاثة بصورة مباشرة لأسباب مسلكية ملوثة بالفساد: وزراء الداخلية والصحة والبيئة. وحمل آخرين على المغادرة، ومنهم ثلاثة في قسم الاتصالات في البيت الأبيض. كما أنهى خدمة مديرين اثنين في البيت الأبيض. الوحيدة التي انسحبت قبل أن يصلها مقصّ الإقالة كانت السفيرة نيكي هايلي في الأمم المتحدة. وقريباً يأتي دور وزيرة الأمن الداخلي كيرستن نيلسن، التي أعطى ترامب أكثر من إشارة على اعتزامه التخلص منها. ومن آثار هذا النزيف، أن الرئيس بات يجد صعوبة في سد الشواغر، وبما يعرقل عملية وآليات صنع القرار.

وما زاد من قلق جهات عديدة خاصّة في الكونغرس، أن رحيل ماتيس جاء في لحظة شديدة الاضطراب. الحكومة الفدرالية قد تغلق أبواب قسم من دوائرها عند منتصف ليل الجمعة، لتعذر التوصل إلى توافق بين الكونغرس والرئيس، حول بنود وحجم الإنفاق العام للباقي من السنة المالية. والتعيينات الجديدة متعثرة في معظم المناصب الشاغرة. وفي الوقت ذاته، تواصل البورصة هبوطها السريع لليوم الرابع على التوالي، وسط توقعات باقتراب دخول الاقتصاد في دورة من الركود. التحقيقات الروسية على وشك الخروج بخلاصاتها التي قد تزلزل المشهد. والخلافات حول السياسة الخارجية متفاقمة، ولا سيما بين البيت الأبيض والكونغرس، وخاصة الجمهوريين فيه. وهي مرشحة للمزيد من التعقيد، في ضوء ما تردد اليوم عن عزم الرئيس على سحب نصف القوات الأميركية من أفغانستان.

وكان التأزم قد بلغ ذروته أمس بعد قرار الانسحاب من سورية. كل ذلك أدى إلى "وقوعنا في حالة من الفوضى"، كما قال السناتور بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. فواشنطن مقلوبة. واقعة في ورطة لا مخرج منها في الأفق القريب. والرئيس يغادر غداً الجمعة إلى منتجعه الشتوي في ولاية فلوريدا لقضاء عطلة الأعياد، على أن يعود إلى واشنطن مع بداية السنة الجديدة. وحتى ذلك الحين، تبقى الأمور في أحسن الأحوال معلقة، وخاصة السياسة الخارجية المعرضة للمزيد من العشوائية وربما التهور.

الخشية أنه بغياب الكوابح، وخلوّ ساحة القرار الخارجي للمستشار جون بولتون، الأقرب للرئيس والأكثر تأثيراً على قراراته، تبقى الأبواب مفتوحة أمام شتى الاحتمالات وفي أكثر من مكان.  وليس صدفة أو من غير مدلول أن يتردد كثيراً هذه الأيام في واشنطن، سؤال "إلى أين نحن ذاهبون؟". تساؤل مشروع.

 

 

المساهمون