السعودية وفلسطين...من "ادفع ريالاً تنقذ عربياً" إلى تجريم التعاطف

السعودية وفلسطين...من "ادفع ريالاً تنقذ عربياً" إلى تجريم التعاطف

15 ديسمبر 2017
الملك السعودي والرئيس الفلسطيني في 2016 (الأناضول)
+ الخط -

لم تشهد السعودية موجة إعلامية سلبية تجاه القضية الفلسطينية، كالتي تشهدها اليوم، بعدما تغير اتجاه البوصلة وأضحى المؤيد للقضية في مرمى الاتهام. وكانت حملة "ادفع ريالاً تنقذ عربياً" في السعودية عام 1968 شاهدة على الاحتضان السعودي في ذلك الزمن للقضية الفلسطينية، عندما شرعت حملات شعبية، مدعومة من الدولة، للسعي نحو الوقوف مع الشعب الفلسطيني مادياً وسياسياً. وسار الحال على ما هو عليه في السنوات التي تلت، بل إن التلفزيون السعودي الرسمي، في خطوة بالغة الدلالة، سخّر بثه المباشر خلال الانتفاضتين الأولى (1987) والثانية (2000) بأمر من صانع القرار، في خطوة ذات مغزى، لجمع التبرعات من المواطنين على الهواء مباشرة كإشارة إلى سياسة الدولة حينها في عدم التراخي عن القيام بواجبها حيال فلسطين.


أما الصحافة، فلم تغب عن المشهد، وقلّما كانت تخلو صحيفة من مقال يهاجم الاحتلال الإسرائيلي أو مقال يؤيد القضية. أما المناهج الدراسية، فكانت مفعمة بالمواضيع ذات الصلة، وتضمن كتاب الأناشيد لجميع السنوات قصائد تدعم القدس وفلسطين وتعزز روح الانتماء للعروبة. أما كتاب المطالعة فتضمن أيضاً مواضيع هدفها إبقاء فلسطين والقدس راسخة في ذاكرة الطلاب. كما كانت صورة المسجد الأقصى ترسم على حوائط المدارس إلى جانب الحرمين المكي والنبوي. ولا يغيب عن الذاكرة المقاتلون السعوديون في حرب 1948 والذين وُزعوا على كتيبتين حاربتا إلى جانب باقي الجيوش العربية. سياسياً، سعت المملكة لإنهاء الصراع العربي الصهيوني عبر مبادرتين؛ الأولى للملك فهد في مؤتمر القمة العربية في فاس عام 1982 والذي دعا إلى إقامة دولة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس وتسوية شاملة لا تسقط حق اللاجئين في العودة. والثانية مبادرة الملك عبدالله للسلام في مؤتمر القمة في بيروت عام 2002. كما أدى النفط دوراً في هذا المجال، إذ كان وقعه شديداً بقطع النفط عن الغرب في حرب عام 1973.

لكن اليوم، لم تعد فلسطين في سلم أولويات الدولة. بل إن المساعي لوأدها أضحت جليّة، فغابت الصحافة عن أحداث القدس، وصار التطبيع السياسي والإعلامي والاقتصادي شبه مادة "عادية" في بعض الإعلام الخليجي ومنه السعودي. كما أن حذف القدس من المناهج الدراسية يندرج ضمن سياسة الدولة للنأي عن الانتماء لأي قضية عربية. كما منعت الصحافة، كتابها، بإيعاز من جهات مسؤولة، من انتقاد الاحتلال الإسرائيلي أو الإشارة إليه كدولة مغتصبة للحق الفلسطيني. وعمم عليهم عدم التطرق للقدس كحق، والاكتفاء بما تنشره الجهات الرسمية في هذا الشأن. بل يرى البعض أن المملكة أضحت في خندق معادٍ لفلسطين فعلياً، ووصل الأمر إلى تجريم ما يناقض سياسة المملكة من قبل مواطنيها، عندها توارت مقالات الدفاع عن القدس وحلّت محلها انتقادات لدول إقليمية كتركيا وقطر وإيران على خلفية مواقفها من الملف الفلسطيني.
ولعل انبراء المملكة بإدراج حركة "حماس" كحركة إرهابية، بعد أن كانت في زمن سابق داعماً للحركة عبر فتحها مكتبا لها في جدة، ودعمها مالياً بشكل علني، يعزز من فرضية سير المملكة في هذه السياسة المتماهية مع سياسة الإدارة الأميركية.
وثمة بادرة أخرى تنضح بها مواقع التواصل الاجتماعي، وهي عبارة عن حملات تديرها لجان مرتبطة بجهات حكومية تسيء للحق الفلسطيني وللفلسطينيين عموماً، يرون أنها كفيلة بنزع التضامن مع القدس. ويهيمن وسم (هاشتاغ) يشير إلى تفريط الفلسطينيين بها بعنوان "#بالحريقه_انت_وكضيتك"، فيما خرج وسم آخر يهين الفلسطينيين أنفسهم "#السعوديون_يغضبون_لملكهم"، أعقبتها مقاطع مصورة على تطبيق "سناب شات"، من قبل مشاهير، يسيئون من خلاله إلى الشعب الفلسطيني. في المقابل، لم تصل الحملات لما تشتهيه أنفس القائمين عليها، عدا من يدورون في فلكها، على الرغم من الجهود والأموال التي تم تسخيرها من قبلهم.