بوادر عنف في الانتخابات الجزائرية... ومخاوف من الكارتيل المالي

بوادر عنف في الانتخابات الجزائرية... ومخاوف من الكارتيل المالي

13 مارس 2017
جزائريون يحتجون على الانتخابات الرئاسية في 2014(فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -

لم تنطلق الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية الجزائرية، المقررة في الرابع من مايو/أيار المقبل، بعد، لكن بوادر العنف الانتخابي لاحت مبكراً في الأفق، وأدت إلى سقوط أول ضحية، وسط مخاوف جدية من انحراف الاستحقاق الانتخابي نحو مهاوي العنف واستخدام "البلطجة"، خصوصاً مع دخول المال كعامل رئيس في تشكيل قوائم المرشحين إلى البرلمان، باسم أحزاب السلطة.

ووقعت مشادات عنيفة بين كوادر جبهة التحرير الوطني، حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في منطقة تيارت غربي الجزائر، على خلفية رفض جزء منهم لقائمة المرشحين باسم الحزب. وتحولت المشادات إلى مواجهات، استخدمت فيها العصي والحجارة والأسلحة البيضاء، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة عدد من الأشخاص، وتخريب سيارات. ولم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها، فقد شهدت منطقة أولاد جلال في ولاية بسكرة جنوبي الجزائر، حرق مقر للحزب احتجاجاً على قائمة المرشحين، كما تمت مهاجمة مقر حزب بوتفليقة في منطقة الجلفة وسط البلاد. وفي منطقة أم البواقي شرقي البلاد، حدثت مشادات كلامية عنيفة بين أعضاء حزب التجمع الوطني الديمقراطي بسبب قائمة المرشحين إلى الانتخابات.

لكن هذا الأمر ليس جديداً على الجزائر، التي شهدت، قبل انتخابات 2007، هجمات عنيفة من قبل مجموعات تسيرها السلطة. ففي الانتخابات الرئاسية في 1995 والانتخابات البرلمانية في العام 1997، وفي سياق ظرف أمني عصيب كانت تشهده الجزائر، هاجمت هذه المجموعات تجمعات لمرشحي أحزاب المعارضة، ومزقت الملصقات واعترضت المواكب الدعائية، وأجبرت الناخبين بالقوة على التصويت لصالح مرشح معين. لكن، وابتداء من انتخابات 2007، بدأت هذه المشاهد تبرز في سياق تنافس انتخابي بين أحزاب السلطة والمعارضة ورجال الكارتيل المالي. وأسست هذه الممارسات لمرحلة خطيرة، تكرست أكثر بعد اختراق الكارتيل المالي للأحزاب الموالية للسلطة، والاعتماد على مجموعات تستخدم العنف ضد الخصوم السياسيين داخل الأحزاب نفسها، كما حدث في مؤتمرات حزب بوتفليقة وحزب التجمع الوطني الديمقراطي منذ 2012. لكن تزايد عوامل الانفلات السياسي والاجتماعي والشحن الحزبي في الجزائر أخيراً، زاد من مخاوف المراقبين للمشهد الانتخابي من أن يتطور العنف السياسي إلى مستويات جديدة خلال الأيام المقبلة، خصوصاً مع قرب موعد انطلاق الحملة الدعائية، التي تستمر 21 يوماً، وإمكانية أن ينتقل العنف الانتخابي من داخل الأحزاب السياسية نفسها، إلى مواجهات بين كوادر مختلف الأحزاب، بسبب شدة التنافس الانتخابي، وبروز ما صار يعرف في الجزائر بـ"مافيا الشكارة"، أي مافيا رجال الأعمال الذين يرغبون في دخول المعترك السياسي بحثاً عن النفوذ والحصانة.

ويقول المحلل السياسي، حسن خلاص، إن "مظاهر التشنج التي برزت كانت مرتبطة بالترشيحات، لكن أهمية هذه الانتخابات، بالنسبة إلى الكثير من الأفراد والأحزاب، تدفع إلى عدم استبعاد أن تزداد حالة التشنج في المرحلة المقبلة التي ستنطلق فيها الحملة الانتخابية، خصوصاً إذا حدثت محاولات تزوير فاضحة". وما يزيد من المخاوف من موجة عنف سياسي في الانتخابات المقبلة، وجود عدد كبير من رجال المال والأعمال في عمق المشهد الانتخابي، وسعيهم للفوز بمقاعد في البرلمان، ما قد يدفع بعضهم إلى توظيف مجموعات من الشباب للتأثير على أنشطة القوائم المنافسة، وهو دور كانت تضطلع به القوى الأمنية في الاستحقاقات السابقة، حين كانت تقوم ببعض الممارسات ضد قوائم وأنشطة أحزاب المعارضة. ويؤكد خلاص هذا الأمر بقوله "في السابق كان يتم استخدام قوات الأمن لفرض ما يجب أن تفرزه الصناديق، لكن هذه المرة، لا أتصور ألا يلجأ من يرمي الملايين في العملية الانتخابية إلى استخدام كل الوسائل المتاحة (للوصول إلى هدفه). لذلك، فإن ظاهرة استخدام مجموعات، تعتمد الترهيب والعنف، ستكون جزءاً من المشهد الانتخابي، وستعرفها ربما أحزاب الموالاة أكثر من أحزاب المعارضة، كون المنافسة السياسية الرئيسية ستكون بين أحزاب السلطة في بعض الولايات. أعتقد أن دخول المال السياسي بقوة سيزيد من كثافة ومنسوب العنف مع تنامي الحاجة والفقر والبطالة لدى الشباب"، الذين يتم توظيفهم وتحريضهم للتأثير على أنشطة القوائم المنافسة.

ويضع الباحث في الشؤون السياسية، عبد السلام عليلي، بروز العنف السياسي في المرحلة الراهنة، في سياق تحول غير صحي شهده العمل الحزبي في الجزائر، خصوصاً بعد بروز عامل المال وضعف الطرح الفكري للأحزاب وغياب العمل السياسي، إذ لا معنى للنضال السياسي داخل هذه الأحزاب عندما يحضر المال السياسي. ويقول عليلي، لـ"العربي الجديد"، إن "العنف بدأ قبل أن تنطلق الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية، وخير دليل على ذلك، حرق العديد من مقرات حزب جبهة التحرير الوطني في عدد من الولايات وحادثة تيارت. كما أن بروز الفساد المالي المرتبط بالانتخابات سيؤدي دوراً في تزايد منسوب العنف. إن المال السياسي أخطر ما يهدد الحياة السياسية، في ظل وجود أحزاب وشخصيات تملك قدرة على دفع الملايين، واستخدام كل الوسائل مقابل الحصول على مقعد برلماني". لا يبدو العنف السياسي المرتبط بالانتخابات ظاهرة جديدة في الجزائر، لكن حدة ومنسوب العنف اللفظي والمشاحنات بين كوادر الأحزاب السياسية، وشدة التنافس الانتخابي، ودخول عامل المال، وسقوط أول ضحية للعنف السياسي، يؤشر إلى مشهد انتخابي حاد، قد يزداد حدة مع قرب موعد انطلاق الحملة الانتخابية بداية الشهر المقبل.

المساهمون