الانتخابات الجزائرية: رهانات متعارضة ومحاولة لاستنساخ برلمان 1997

الانتخابات الجزائرية: رهانات متعارضة ومحاولة لاستنساخ برلمان 1997

04 فبراير 2017
الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية تغيرت في الجزائر(فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -
تستعد الجزائر لتنظيم خامس انتخابات برلمانية تعددية منذ سقوط نظام الحزب الواحد عام 1988 ورابع انتخابات منذ وقف المسار الانتخابي وانقلاب الجيش في يناير/كانون الثاني 1992. لكن هذه الانتخابات التي ستجرى في الرابع من مايو/أيار المقبل، تزدحم برهانات سياسية متصادمة. هناك من جهة، طموحات السلطة التي تراهن على إعادة تجديد شرعيتها الشعبية والسياسية من خلال الانتخابات، غير آبهةٍ لمخرجاتها التي يفضل بعضهم أن تؤدي إلى تشكيل برلمان تعددي وجدي. وهناك في الجهة المقابلة أحزاب المعارضة الطامحة إلى تحقيق إنجاز انتخابي واختراق سياسي يتكلل بالوصول إلى الحكم أو الشراكة السياسية الحقيقة مع السلطة من خلال تشكيل حكومة توافقية.

ولا تشبه الظروف والمناخات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ستجري فيها الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار المقبل ظروف ومناخات أي من الاستحقاقات الانتخابية السابقة. وانفرط عقد الشراكة السياسية بين السلطة وعدد من أحزاب المعارضة التي كانت قبل آخر انتخابات برلمانية عام 2012 تشارك في الحكومة، مثل حركة "مجتمع السلم". ورفعت أحزاب المعارضة سقف مطالبها، كما زاد مستوى التنسيق الذي يجمعها منذ سنتين على الأقل. وتعقدت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتراجعت مداخيل البلاد من النفط وتزايدت حدة الاحتجاجات بشكل بات يهدد بنسف السلم الاجتماعي. وتراخى أداء المؤسسات الرسمية للدولة إلى وضع غير معهود، لا سيما بعد تفكيك جهاز الاستخبارات منذ سبتمبر/أيلول 2015. كلها عوامل باتت تدفع السلطة، والتي لا تزال تمسك بمفاصل العملية الانتخابية في الجزائر، إلى خلق مناخ يفضي إلى إعادة تشكيل برلمان 1997، بحسب بعض المعطيات التي جمعها "العربي الجديد" من مصادر مختلفة. ويعد البرلمان 1997 بمثابة المجلس النيابي "المرجعي"، وفق منظور السلطة، مقارنةً مع البرلمانات التي تلته في 2002 و2007 و2012.

وعلى الرغم من التزوير الذي شاب انتخابات عام 1997، تعتبر السلطة أن برلمان عام 1997 كان أكثر البرلمانات حيوية بسبب الحضور القوي للمعارضة فيه. وهذا ما ترغب السلطة في أن يتوفر في البرلمان المقبل، بما يمنح هامشاً كبيراً للتنفيس السياسي للمعارضة، لا سيما أن الدستور الجديد يسمح للمعارضة بأن تحدد جلسة شهرية للبرلمان وفق أجندة تحددها كتل المعارضة. وترى أوساط السلطة الجزائرية أنها بحاجة إلى مواكبة جدية من قبل كبرى قوى المعارضة لمساعدتها على اجتياز المرحلة الراهنة الصعبة اقتصادياً واجتماعياً. وهذا ما يستشف من خلال تصريحات مسؤولين في الحكومة أو قادة أحزاب الموالاة بشأن أهمية دور أحزاب المعارضة، ومن خلال تشجيع السلطة للقوى الإسلامية على لم شملها في تكتلات انتخابية، و"الضمانات" التي تطرحها لتأمين "نزاهة" الانتخابات المقبلة.

لكن أحزاب المعارضة التي قررت تجاوز انتقاداتها للسلطة في وقت سابق وحسمت موقفها بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية لا تزال تحتفظ بمخاوفها من تزوير الانتخابات من قبل السلطة، لا سيما أن وزارة الداخلية لا تزال هي الهيئة المشرفة على تنظيم عملية الاقتراع. ولا تبدو هذه الأحزاب مقتنعة بالضمانات التي تطرحها السلطة، كإنشاء "اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات" التي تضم 410 عضواً، 205 منهم قضاة، و205 من الكفاءات المستقلة وممثلي المجتمع المدني. لكن كلهم جرى تعيينهم من قبل الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة. ولم تحظ اللجنة بقبول أحزاب المعارضة. والتجارب الانتخابية السابقة والخروقات التي رافقتها لا تدفع المعارضة إلى الاطمئنان لوعود السلطة. وقد شهدت انتخابات مايو/أيار 2012 خروقات كبيرة، سلط الضوء عليها تقرير اللجنة المستقلة السابقة لمراقبة العملية الانتخابية، والتي كانت مشكلة من ممثلي الأحزاب السياسية.



يعتقد مراقبون أن أكبر "غنيمة" سياسية بالنسبة للسلطة تتمثل في حصولها على مشاركة أكبر أحزاب المعارضة في الانتخابات، أي "حركة مجتمع السلم" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، و"جبهة القوى الاشتراكية" و"حركة العدالة والتنمية"، و"حزب العمال" اليساري. هكذا، تجنّبت السلطة المقاطعة الانتخابية بوصفها هاجساً ظل يلازمها طيلة السنتين الأخيرتين، بعدما رفعت المعارضة من سقف مطالبها حد المطالبة بمرحلة انتقالية وإقرار شغور منصب رئيس الجمهورية على خلفية الوعكة الصحية التي ألمت ببوتفليقة منذ إبريل/نيسان 2013.

وفي السياق، قال الناشط السياسي، سمير بلعربي، إن "الهرولة للمشاركة (في الانتخابات) تعني المساهمة في استمرارية (النظام) وقبول نتائج الانتخابات التي سيزورها بكل (سهولة)" وفق اعتقاده. وأشار إلى أنه كان يتعين عدم المشاركة لكي تبدأ المعارضة مرحلة القطيعة الحقيقية مع النظام"، بحسب قوله. ورأى أن "الأحزاب المشاركة في الانتخابات منذ عام 1997 لم يزد عدد نوابها في البرلمان ولم تؤثر على منظومة الحكم، ولم تستطع فك شيفرة المؤسسة الوطنية للتزوير"، على حد وصفه.

وفيما قررت أغلب أحزاب المعارضة المشاركة في الانتخابات البرلمانية، قرر حزبان مقاطعتها، انسجاماً مع المطالب السياسية التي انتهى إليها مؤتمر المعارضة الموسع في يونيو/حزيران 2014، والتي تضمنت المطالبة بمرحلة انتقالية وإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات بدلاً من وزارة الداخلية. والحزبان هما حزب "جيل جديد" بقيادة سفيان جيلالي، وحزب "طلائع الحريات" الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، والذي برر قرار المقاطعة بأن حزبه "يرفض المشاركة في المسرحية السياسية التي تريد إخراجها السلطة عبر الانتخابات البرلمانية المقبلة". وأضاف أن "الانتخابات البرلمانية المقبلة لن تكون مخرجاً من الأزمة التي تعيشها البلاد، والسنة الحالية ستكون مفصلية بالنسبة للجزائر، من حيث كشف أكاذيب السلطة وعجزها المفضوح في حل المشكلات التي تعيشها البلاد"، على حد تعبيره. وأعلن المتحدث باسم حزب "جيل جديد"، إسماعيل سعيداني، أن "قرار المقاطعة منسجم مع مقررات مؤتمر المعارضة الذي اتفق فيه على وضع شروط أمام السلطة لا يمكن المشاركة في الانتخابات ما لم تحققها، انتخابات نزيهة تحت رقابة هيئة مستقلة ومرحلة انتقالية متفق عليها"، وفق قوله.

وإذا كانت قرارات المقاطعة هذه قد أزعجت السلطة التي هددت بسحب الاعتماد من الأحزاب التي لا تشارك في الانتخابات، إلا أنها تجاوزت هاجس مشاركة أحزاب المعارضة. لكن تبقى المشكلة التي تخشى منها السلطة، تتمثل في العزوف الانتخابي، لا سيما في هذه الظروف الاجتماعية الصعبة التي تمر بها الجزائر، وإخفاقات السياسات الاقتصادية في البلاد في تحسين الوضع المعيشي والخدمي للجزائريين، في مقابل الاحتياطي المالي الكبير الذي كانت تمتلكه الجزائر. وحالة التذمر الشعبي التي يمكن أن تزيد من حجم العزوف الانتخابي، تتغذى أيضاً من تنامي قضايا الفساد في محيط المؤسسات الحكوميةة كقضية الفساد في شركة النفط "سوناطراك"، فضلاً عن الضعف القياسيي لأداء البرلمان الحالي الذي بحسب كل التقارير، هو أسوأ برلمان في تاريخ الجزائر. وقد زادت عملية شيطنة نواب البرلمان والانفجار الإعلامي في القنوات المستقلة في الجزائر، والتي لعبت دوراً بارزاً في تعرية واقع النشاط البرلماني. كلها عوامل لا تشجع الناخبين على الذهاب في الرابع من مايو/أيار المقبل إلى مكاتب الاقتراع، وهو التحدي الأبرز بالنسبة للسلطة التي تسعى إلى تحقيق أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات. وتريد السلطة نسبة مشاركة تفوق 63 في المائة، والتي تعد أكبر نسبة مشاركة حصلت عليها السلطة في الانتخابات البرلمانية السابقة.

وزيادة على الظروف الاجتماعية والسياسية التي ستجرى في ظلها الانتخابات المقبلة، يطرح تحدٍ آخر يتصل بالتمدد الكبير لـ"الكارتل" المالي وزحفه نحو الإمساك بخيوط المشهد السياسي عبر السيطرة على مفاصل القرار في أحزاب الموالاة والأحزاب الصغيرة. وهذا ما بات يطرح نقاشاً جدياً في الأسابيع الأخيرة في الجزائر. وبدأت تحذيرات كبيرة من سيطرة رجال المال على القوائم الانتخابية وعلى تركيبة البرلمان المقبل. ولم تبق هذه المخاوف رهن إشارات سياسية من قوى المعارضة فقط، لكنها باتت معلنة حتى من قبل شخصيات مسؤولة في هرم الدولة الجزائرية. وأطلق رئيس ديوان الرئاسة، أحمد أويحيى، تحذيرات شديدة ممن وصفهم "بأصحاب المال القذر المكتسب عن طريق الغش بمختلف أشكاله ومن المتاجرة بالمخدرات وكذلك من الآفات الأخرى التي تعاني منها الجزائر".