هل فعلاَ قررت واشنطن مغادرة سورية؟

هل فعلاَ قررت واشنطن مغادرة سورية؟

30 مارس 2018
انسحاب أميركا من سورية يخدم روسيا (دراو آنجيري/Getty)
+ الخط -

خلال كلمة له أمس الخميس في ولاية أوهايو، كانت مخصصة لقضايا داخلية؛ أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن "أميركا تنوي مغادرة سورية قريباً جداً.. ليتولى غيرنا الاهتمام بها". تصريحه المفاجئ مرّ بدون اهتمام في البداية، بسبب الانشغال الطاغي بالطرد المتبادل للدبلوماسيين بين واشنطن وموسكو.

بعد ساعات قليلة، وفي ردها على سؤال حول تصريح ترامب، أجابت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية هيذر نويرت: "لم أرَ تصريح الرئيس، ولا أعرف السياق الذي جاءت فيه ملاحظته"!

ومع أن كلام ترامب واضح ولا يتحمّل التأويل، إلا أن المتحدثة اعترفت بأنها ليست على دراية بالأمر، "ولا بوجود أي توجه عازم على الانسحاب من سورية"، لتحيل في النهاية الاستفسار عن الموضوع إلى البيت الأبيض، بعد كثير من الإحراج.

إذن، يكشف ذلك، مرة أخرى، عن مدى الخلل في صناعة القرار في واشنطن، حيث لا تدري اليد اليسرى ما تفعله اليد اليمنى. 

في العادة يتولى وزير الخارجية الإعلان عن مثل هذا التغيير، بعد أن يكون قد جرى التوافق عليه في مجلس الأمن القومي وحظي بتأييد الرئيس وتوجيهه، لكن هذه القاعدة غير متبعة في زمن ترامب. 

منذ البداية وزارة الخارجية معزولة (ريكس تيلرسون انتهت مهمته رسمياً أمس)، والآن الوزارة مهمشة أكثر، وبانتظار مايك بومبيو، فيما يقرر البيت الأبيض ويتولى الإعلان عن توجهاته.

كما يكشف ما جرى أن ترامب ربما يكون في صدد التحضير للخلاص من وزير الدفاع، الجنرال جيمس ماتيس، الذي لا ينسجم مع الفريق الجديد، جون بولتون وبومبيو، رغم أن بولتون قام أمس بزيارة ماتيس في مبنى البنتاغون. 

ومعروف أن الوزير ماتيس كان قد أعلن، أكثر من مرة، أن القوات الأميركية باقية في سورية لفترة مديدة، فيما كان قد جرى الحديث حول احتمال زيادة عددها بحيث يصل إلى خمسة آلاف بدل الألفين الحاليين.

الحيثية التي طالما رددها المسؤولون الأميركيون تفيد بأن استمرار التواجد العسكري الأميركي في سورية تفرضه "الحرب التي لم تنته بعد ضد "داعش". 

وعلى هذا الأساس، جرى التمسك بـ"الحليف الكردي"، وكانت الخطة وراء هذا الزعم أن الحضور العسكري الأميركي في شرق الفرات بمنطقة دير الزور يهدف إلى قطع الممر الإيراني من العراق إلى سورية ولبنان.

كلام الرئيس الأميركي عن المغادرة يطيح بهذه الخطة، ليسقط معها الحديث الأميركي عن التوازنات في سورية. والسؤال الذي سرعان ما تردد هو: هل فعلاً ينوي البيت الأبيض ترجمة هذا التوجه، ولمصلحة أي من القوتين الرئيسيتين، روسيا وإيران، ينوي الانسحاب؟ بالتأكيد ليس لمصلحة إيران. تبقى روسيا، ولو أن ذلك يبدو غريباً في ظل الحرب الدبلوماسية الجارية حالياً بين واشنطن وموسكو.

في هذا الإطار، يشار إلى بعض الوقائع: أولها أن ترامب، لم يتأخر فقط في اتخاذ خطوة طرد الدبلوماسيين الروس، بل نأى أيضاً عن الكلام في موضوع تسميم العميل المزدوج في لندن سيرغي سكريبال، إذ لم تصدر عنه إدانة ولا مطالبة لموسكو بالامتناع عن مثل هذه الممارسات، وكأنه بذلك تعمّد الحرص على ترك الخطوط مفتوحة، لاعتبارات معروفة. 

كما يذكر أن السفير الروسي في واشنطن، أناتولي أنتونوف، كان قد وصف طرد الدبلوماسيين الروس الستين بأنه بمثابة "تدمير لما تبقى من العلاقات الروسية الأميركية"، متوعداً بـ"رد صارم جداً". لكن بعد عدة أيام، اكتفت موسكو برد مماثل: طرد ستين دبلوماسيا وإقفال القنصلية الأميركية في سان بيترسبيرغ، تماماً كما فعلت واشنطن: لا تدمير للعلاقات ولا رداً صارماً. فهل كان ذلك بمثابة اعتراف ضمني بالذنب أم أن موسكو أخذت من إدارة ترامب تنازلاً في سورية ثمناً، لصرف نظرها عن الرد المؤذي للبيت الأبيض؟