سوتشي السوري: احتفاء روسي بالنظام بلا غطاء دولي

سوتشي السوري: احتفاء روسي بالنظام بلا غطاء دولي

30 يناير 2018
قاعة الإعلاميين فارغة في مؤتمر سوتشي (رامي القليوبي/العربي الجديد)
+ الخط -
بدأت فعاليات مؤتمر "الحوار الوطني السوري" في سوتشي في روسيا، أمس الاثنين، والمخصص لمناقشة الملف السوري، على أن ينتهي اليوم، الثلاثاء. وكان واضحاً أن القصد منه ليس الخروج بنتيجة جدية لكل السنوات السورية الدموية، بقدر ما كان بمثابة تكريس لمساعي موسكو بالاحتفاء بالنظام وإظهاره كراغب بالعملية السلمية، بموازاة مواصلة غاراتها في سورية، وقتل المدنيين. ومع غياب العديد من الأطراف عن المؤتمر، عمد الروس إلى تسويق ورقة رئيس معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، المستشار السياسي للمبعوث الأممي إلى سورية، فيتالي نعومكين، والمؤلفة من 12 بنداً، وتبناها المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، العام الماضي. وقد وصل الأخير يوم الأحد للمشاركة في المؤتمر.

وذكر الممثل الخاص للرئيس الروسي في سورية، ألكسندر لافرنتييف، أن "مهمة المؤتمر تتمثل بإطلاق عملية إعداد دستور سوري جديد يتم عرضه على الجميع: على الحكومة والمعارضة الداخلية والخارجية والمسلحة". وأضاف أنه "سيتم تشكيل مجلس رئاسة لمؤتمر الحوار، ولجنة عليا، ولجنة تنظيمية و3 لجان أخرى، بما فيها لجنة دستورية"، وسيرأس دي ميستورا لجنة ستتشكل خلال المؤتمر لوضع مسودة دستور جديد لسورية. وسيلقي الكلمة الافتتاحية في المؤتمر رئيس اتحاد غرف التجارة السورية محمد غسان القلاع، حسبما ذكرت وكالة "نوفوستي".


ويشارك في المؤتمر أكثر من 1600 شخص يمثلون مختلف المجموعات السياسية والعرقية الطائفية في سورية، ومنهم 680 شخصاً موفدون من النظام، و400 آخرون يمثلون المعارضة الداخلية، ومنهم 300 شخصية موزعة بين أنقرة (ما بين 50 و70 شخصية)، وجنيف (50 شخصية)، والقاهرة (29 شخصية)، ودمشق (44 شخصية من معارضة الداخل بالإضافة إلى عدد آخر يمثل مقربين من النظام).

كما تمّت دعوة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، والأمانة العامة للأمم المتحدة، وروسيا وإيران وتركيا كبلدان ضامنة لاتفاقات أستانة بشأن وقف إطلاق النار في سورية، فضلاً عن مصر والعراق والسعودية ولبنان والأردن وكازاخستان لحضور المؤتمر بصفة مراقبين، بينما أعلنت السفارة الأميركية في موسكو، أن "ممثلي الولايات المتحدة لن يشاركوا بصفة مراقبين في المؤتمر"، حسبما ذكرت رئيسة المكتب الصحافي للسفارة الأميركية ماريا أولسون، التي أعادت التذكير بأن "الجهود المشتركة للتسوية في سورية يجب أن تكون موجهة نحو عملية سياسية برعاية الأمم المتحدة في جنيف". كذلك رفضت فرنسا المشاركة في المؤتمر، مع إعلان وزير الخارجية جان إيف لودريان أن "لا تقدم مرتقباً في سوتشي بعد فشل مفاوضات فيينا حول سورية". وقال لودريان من طوكيو: "فشل (اجتماع) فيينا لأن النظام لم يكن حاضرا في المفاوضات: كان ممثلا بالشكل". وتابع، في مؤتمر صحافي، معرباً عن اعتقاده "أن (اجتماع) سوتشي لن (يسمح) أيضاً بإحراز تقدم بما أن منذ البداية سيغيب مكون رئيسي (في إشارة إلى المعارضة) نتيجة رفض النظام التفاوض في فيينا". وختم لودريان قائلاً: "في الواقع، انتهاء سيطرة داعش على الأراضي خلقت نزاعات أخرى (...) لا يمكن تسويتها إلا عندما يتم التوصل إلى حل سياسي، والحل السياسي يتم التوصل إليه في جنيف، تحت رعاية الأمم المتحدة وكل محاولة أخرى ليست جيدة".

وجاء مؤتمر سوتشي بعد أيام قليلة من انتهاء الاجتماع الخاص بين السوريين في فيينا، والذي أعلنت في ختامه الهيئة العليا للمفاوضات رفضها المشاركة في المؤتمر الروسي، كما رفضت 50 شخصية من المعارضة من الشمال السوري المشاركة لـ"عدم استجابة روسيا لمطالب لهم". واشترطت هذه المعارضة وقف القصف على إدلب، وذلك خلال اجتماع عقد يوم الأحد في أنقرة، وضم شخصيات سياسية وعسكرية برعاية تركية للبحث في تفاصيل المشاركة بالمؤتمر. بدورها، أعطت تركيا تطمينات للمعارضة بأنها لن تمارس أي ضغوط عليها في المؤتمر، وأبلغت وفد المعارضة بأن روسيا وافقت على مطالبته بتغيير شعار المؤتمر الذي كان يضم علم النظام السوري فقط.

بدوره، كشف مندوب روسيا الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف، أليكسي بورودافكين، أن "ممثلي بعض القوى المعارضة السورية توجهوا إلى سوتشي لحضور المؤتمر"، مضيفاً أن عدداً من المشاركين يمثلون مختلف فصائل المعارضة السورية، خصوصاً حركة المجتمع التعددي وتيار (قمح) وتيار الغد السوري والتكتل الوطني الديمقراطي.
من جهته، اعتبر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في مؤتمر صحافي، أنه "من غير المحتمل أن يؤدي عدم مشاركة بعض الممثلين عن العمليات الجارية حالياً في سورية إلى منع هذا المؤتمر من المضي قدماً، ولا يمكن أن يؤدي إلى تخريبه". ورغم استبعاده تحقيق سوتشي "اختراقاً سريعاً في مسألة التسوية السياسية"، إلا أن بيسكوف شدّد على أن "المؤتمر سيسمح بإطلاق العمل لتحقيق هذه التسوية".

أما رئيس معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، المستشار السياسي للمبعوث الأممي إلى سورية، فيتالي نعومكين، فرأى أن "المؤتمر ليس بديلاً عن مسار جنيف"، معتبراً أن "قرار الهيئة العليا للمفاوضات مقاطعة المؤتمر كان خطأ سيؤثر على مستقبلها السياسي". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، على هامش الاستعدادات النهائية لانطلاق المؤتمر، أن "غياب الهيئة العليا للمفاوضات سيؤثر على المستقبل السياسي لهذه الهيئة، إذ إنها تعزل نفسها عن عملية السلام، وهذا أكبر خطأ ترتكبه". وحول أسباب عدم توجيه موسكو دعوة إلى الاتحاد الديمقراطي الكردي رغم تأكيداتها المستمرة على أهمية دور الأكراد في مستقبل سورية، أضاف: "لا تستطيع روسيا أن تفرض على أنقرة أن تقبل بحضور ممثلي الحزب، إذ إن تركيا من الدول الثلاث الراعية لمؤتمر سوتشي، وما كان لروسيا ألا تأخذ الموقف التركي بعين الاعتبار".


وكشفت تسريبات مختلفة أن مسودة البيان الختامي للمؤتمر تتضمن 12 بنداً تمثل المبادئ نفسها التي قدمها دي ميستورا إلى الجولة الثامنة من المفاوضات السورية في جنيف في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وتقضي بتشكيل لجنة دستورية بمشاركة وفد النظام السوري ووفد آخر يمثل طيفاً واسعاً من المعارضة من أجل التحضير لتعديل الدستور برعاية الأمم المتحدة، ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، إضافة إلى الالتزام الكامل بسيادة سورية واستقلالها، وأن الشعب السوري وحده من يقرر مستقبل البلاد، ويختار نظامه السياسي بالوسائل الديمقراطية من دون أي ضغوط. كما تنص على الالتزام الكامل بسيادة سورية ووحدتها، أرضاً وشعباً، وأن تلتزم الدولة السورية بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والتنمية العادلة.

وما تسرب من وثائق من المفترض أن تصدر عن المؤتمر يكشف بشكل لا لبس فيه أن الروس أعدوا كل شيء، وأن مهمة المؤتمرين الموافقة عليه دون نقاش، وهذا ما لا تقبل به المعارضة السورية التي تصر على استبعاد الأسد من السلطة، وهو ما تحاول موسكو القفز فوقه، حيث مارست "الاحتيال السياسي" طويلاً في محاولة لتحييد إرادة المجتمع الدولي المترجمة في قرارات مجلس الامن الدولي، وهي بيان جنيف1، و2118، و2254. كما نصت المسودة على أن سورية دولة ديمقراطية غير طائفية تقوم على المواطنة المتساوية. وأكدت على حماية حقوق الإنسان والحريات في أوقات الأزمات وعدم التمييز في الحقوق، والرفض القاطع لكل أشكال الإرهاب والتطرف والطائفية والالتزام بمكافحتها، فضلاً عن ضمان سلامة النازحين واللاجئين والمهجرين وحقهم في العودة إلى ديارهم. وتدعو مسودة البيان الختامي الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى توجيه مبعوثه الخاص إلى سورية للمساعدة في ترتيب عمليات اللجنة الدستورية في جنيف. ولم تتطرق المسودة لمصير بشار الأسد الذي يعد أكبر العقبات في طريق إيجاد حل سياسي في سورية، ما يؤكد نية الروس في تعويم الأسد مرة أخرى من خلال مخرجات سوتشي.

ولم تعط روسيا للمعارضة السورية ما يدفع الأخيرة الى تغيير موقفها، حيث لا يزال عشرات آلاف المعتقلين في سجون النظام، كما لا يزال الحصار المحكم مضروباً على غوطة دمشق الشرقية ومناطق في ريف حمص الشمالي، كما لا تزال قوات النظام تواصل محاولات إخضاع المعارضة السورية. كما أن شعار المؤتمر الذي يبرز علم النظام كان مؤشراً على أن الروس ذاهبون في اتجاه لا يمكن للمعارضة السورية السير فيه بعد مقتل وتشريد ملايين السوريين.
وبموازاة عملية سوتشي، واصلت مقاتلات روسية غاراتها على شمال غربي سورية، ما أدى إلى مقتل مدنيين أغلبهم أطفال، للضغط على المعارضة للمشاركة في المؤتمر. وارتكبت مجازر متلاحقة في اليومين الماضيين، في محافظة إدلب، فقُتل وأُصيب العشرات، بينهم أطفال ونساء، كما تم تدمير مستشفى في مدينة سراقب، والمركز الطبي في بلدة جزرايا الذي خرج عن الخدمة أمس الاثنين.