الإقليم والولايات في استفتاء دارفور: إحباط الانفصال وسلام ضائع

الإقليم والولايات في استفتاء دارفور: إحباط الانفصال وسلام ضائع

11 ابريل 2016
يستمر الاستفتاء لـ3 أيام (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
باكتمال حلقات الاستفتاء الإداري الذي يبدأ، اليوم الاثنين، في دارفور، يُسدل الستار على "اتفاقية الدوحة لسلام دارفور"، التي وقّعتها الحكومة السودانية مع "حركة التحرير والعدل" بوساطة قطرية في عام 2011، والتحقت بها حركات منشقة. ورفضت في حينه فصائل رئيسية، بينها "حركة العدل والمساواة" بزعامة جبريل إبراهيم، وحركة "تحرير السودان" بجناحيها، مني مناوي، وعبد الواحد محمد نور، التوقيع عليها.

في سياق الاستفتاء، أنهت مفوضية استفتاء دارفور عملية تسجيل المقترعين أخيراً، وتم تسجيل نحو 3.5 ملايين شخص من أصل نحو 4.5 ملايين يحقّ لهم التصويت، من جملة التعداد السكاني للإقليم البالغ 7.5 ملايين نسمة، وفق آخر إحصاء سكاني أُجري في عام 2008. وينتظر أن يختار أهالي دارفور في الاستفتاء الذي يستمر ثلاثة أيام، بين نظام الولايات الحالي، ونظام "الإقليم الواحد"، الذي كان سائداً قبل وصول عمر البشير إلى السلطة في 1989.
ومطلب الاستفتاء يُعدّ من المطالبات القديمة للحركات الدارفورية، التي ظلّت تطالب به في جميع جولات التفاوض مع الحكومة، لحسم الجدل بينهما في ما يتصل بالوضع الإداري للمنطقة، إذ تتمسك الحكومة بنظام الولايات كخيار أمثل لإدارة السلطة والثروة هناك. في المقابل، تتمسك معظم الحركات بنظام "الإقليم الواحد"، وترى في نظام الولايات استراتيجية حكومية لضرب النسيج الاجتماعي، وتغذية النزاعات القبلية عبر إقرار سياسة "فرق تسد". وقد أُقرّ الاستفتاء ضمن "اتفاقية أبوجا لسلام دارفور"، التي وقّعتها الحكومة مع "حركة تحرير السودان" ـ جناح مناوي، في 5 مايو/أيار 2006، قبل أن يعود مناوي ويتمرّد عليها بعد 5 سنوات.

كما تمّ تأجيل الاستفتاء بفعل عراقيل كثيرة حالت دونه، مع زيادة قوة الفصائل الدارفورية المتمردة وقتها، وانشغال الحكومة باتفاقية "السلام الشامل" التي وقعتها مع "الحركة الشعبية"، بقيادة جون قرنق، في 31 أغسطس/آب 2005، فضلاً عن التركيز على الاستفتاء الجنوبي، بين 9 يناير/كانون الثاني 2011 و15 منه، الذي انتهى بانفصال جنوب السودان، وتأسيس دولة جنوبية مستقلة.
أما بالنسبة إلى استفتاء دارفور، فتقاطعه المعارضة السودانية السلمية والمسلحة، حتى أن بعضها اجتهد في تحريض أهالي المنطقة نحو المقاطعة، ولا سيما في معسكرات النزوح، التي تزيد على 40 معسكراً، يضمّ معظمها معارضين للحكومة. كما أنه هناك معسكرات يصعب على مسؤولي الحكومة دخولها، من بينها معسكر "كلمة" للنازحين. 

ووفقاً للمعلومات، فإن المفوضية فشلت تماماً في تسجيل بعض المعسكرات، ما يعني عدم مشاركتها في عملية الاقتراع، وبالتالي لن تكون جزءاً من النتائج المعلنة. ويرى مراقبون أن إصرار الحكومة على إجراء الاستفتاء الإداري لدارفور، رغم عدم اكتمال حلقات السلام بالتوصّل لاتفاق مع فصائل الحركات الدارفورية الرئيسية، هو محاولة لفرض أمر واقع وإغلاق الملف نهائياً. كما تنظر الحركات الدارفورية بنوع من الريبة في استعجال الحكومة للخطوة، رغم أنها تأجلت عن مواعيدها وفق اتفاقية الدوحة، إذ كان يفترض أن يحصل الاستفتاء في عام 2012.

ويرى القيادي في "حركة العدل والمساواة"، أحمد تقد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "محاولة الحكومة إقرار الاستفتاء كأمر واقع، هدفه التملّص من المفاوضات، فضلاً عن توجيه رسالة للمجتمع الدولي والإقليمي معاً، بأن قضية دارفور انتهت ويجب إغلاقها بشكل نهائي. لكن الحكومة السودانية تدافع بقوة عن خطوتها التي وُوجهت بانتقادات من دول غربية، بينها الولايات المتحدة، التي حثت السودان على ضرورة تهيئة الأجواء المناسبة للاستفتاء، ومن ذلك إقرار السلام".
مع العلم أن الحكومة اعتبرت الاستفتاء بمثابة "حقّ دستوري"، لحسم الجدل في وضعية الإقليم الإدارية نهائياً. وبدت متمسكة بنظام الولايات، باعتباره الخيار الأمثل، حتى لا تتكرر أزمة انفصال جنوب السودان، واتخاذ دارفور المسار عينه. وتجلّى ذلك خلال الفترة الماضية، بعد مباشرة كبار مسؤولي الدولة في بث معلومات عن "نشاط جهات إسرائيلية لفصل دارفور، عبر تشجيع خيار الإقليم"، وذلك في محاولة لاستمالة أهل المنطقة لخيار الولايات، والتحضير لأي طارئ، رغم ثقتها في إقرار خيارها.

ونجحت الحكومة في تكوين حلف من 72 حزباً وحركة، موقّعة على اتفاق الدوحة لتأييد خيار الولايات، من بينها الفصائل الـ18، التي وقّعت مجتمعة على اتفاقية الدوحة، باستثناء رئيسها، التجاني السيسي، الذي بات يُغرّد وحيداً خارج السرب لخيار الإقليم. ويرى مراقبون أن هناك مخاوف غذّتها الحكومة، مهددة عبرها أهالي المنطقة، بإعادة سيطرة قبائل الفور عليهم، في حال إقرار خيار "الإقليم"، فضلاً عن سحب الامتيازات الخاصة بكل ولاية.

وفي هذا السياق، حرص الرئيس السوداني عمر البشير، في مختلف خطاباته الجماهيرية، التي انتظمت في ولايات دارفور الخمس الأسبوع الماضي، حرص بشكل غير مباشر، على تحذير أهالي دارفور من خطر خيار "الإقليم".

وتوجّه إليهم بالقول "إذا اخترتم الإقليم فلكم ذلك، ولكننا سنستفيد من مباني الحكومة المنتشرة في الولايات، وستتحوّل دارفور إلى ولاية واحدة، ومركز الحكومة فيها سيكون بالفاشر". كما ألمح لإمكانية زيادة الولايات الدارفورية، في إطار محاولات ترجيح الخيار.

من جهته، يشير القيادي في "حركة العدل والمساواة"، نهار عثمان نهار لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "صحيح نحن في الحركة كنا مع خيار الإقليم، لكن بعد انفصال جنوب السودان والمشاورات التي أجريناها مع القواعد في دارفور، ومع ظهور أصوات داعية لتقرير المصير، وانفصال دارفور، عدلنا رأينا، حتى لا تذهب دارفور كما ذهب الجنوب". ويضيف أن "هناك أجساماً داخل السلطة الإقليمية، تقوم بدور تنموي مباشر بدارفور، كصندوق الإعمار والعودة الطوعية ومفوضية الأراضي، ما يتطلّب نقاشاً حولها وحول أمر تتبيعها، بعد حلّ السلطة، إما للولايات أو لرئاسة الجمهورية".
مع العلم أنه منذ استقلال السودان في عام 1956، حرصت الحكومات المتعاقبة على البلاد، على الإبقاء على نظام الأقاليم، التي قسّمت البلاد من خلاله لستة أقاليم، وفقاً لما أقرّه الحكم الاستعماري، والقائم على أسس ومعايير محدّدة، يجعل من إداراتها أمراً سهلاً. كما احتوى على قدر من المركزية، واعتبر إدارة الخدمات عموماً شأناً إدارياً.

أما التحوّل الوحيد الذي أحدثه الرئيس السوداني السابق جعفر النميري، على النظام القائم، فكان أن قسّم اقليم جنوب السودان لثلاث مديريات لتوسيع السلطة، في عام 1983، وهو ما مثل شرارة للحرب الأهلية هناك، إذ اعتبر الجنوبيون الخطوة وقتها، بمثابة التفاف على اتفاقية أديس أبابا للسلام، الموقّعة في عام 1972، مع متمردين جنوبيين. واستمرت تلك الحرب حتى توقيع اتفاقية السلام الشامل، والتي كانت نتائجها انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة.

أما النظام الحالي، فألغى في يناير/كانون الثاني 1994، نظام الأقاليم، واستبدله بالنموذج الأميركي، أي نظام الولايات، مقسّماً البلاد إلى 26 ولاية. عشر جنوبية و15 شمالية، ومنحها سلطات واسعة، من دون مراعاة الوضع الاقتصادي لكل ولاية. وأوكل إليها المهام الخدمية. وهو ما يرى فيه مراقبون، سبباً في تدهور التعليم والصحة وغيره، باعتبار أنها مسائل تفوق طاقة الولايات، ويُفترض أن تدار اتحادياً في بلد نامٍ كالسودان.

بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل مع "الحركة الشعبية" في 2005، تراجع النظام جزئياً عن نظام الولايات، وأُعيد الجنوب كإقليم واحد، بسلطات واسعة في عشر ولايات، وتقلّصت الولايات السودانية إلى 15 بدمج ولايات في كردفان، وفقاً لمطالب "الحركة الشعبية"، وعاد الوضع إلى ما هو عليه بعد انفصال الجنوب، عبر إعادة الولاية التي دُمجت في كردفان، وإضافة ولايتين إلى دارفور، ليصبح عدد الولايات السودانية 18 ولاية.
من جهته، يرى المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "كل الدلائل تشير لترجيح كفة الولايات في استفتاء دارفور"، ويرى أن "أسباباً عدة تقف خلف الرفض الحكومي لنظام الإقليم في دارفور، من بينها تحوّل إلى كتلة كبيرة، من شأنها تطوير مطالبها مستقبلاً، وتكرار تجربة انفصال الجنوب".

ويلفت إلى أن "نظام الإقليم قد يجعل من دارفور مركز ضغط قوي على الحكومة المركزية، نظراً لكثافتها السكانية والانتشار الواسع لأبناء المنطقة، ما يجعل من عملية إغفال أو مماطلة طلباتهم أمراً صعباً. كما يحدث الآن تجاه بعض مطالب الولايات الدارفورية". ويرى أبو الجوخ أن "الاستفتاء عموماً، يهمّ الحكومة أكثر من غيرها، باعتبار أنها ستصطحب نتائجه في أية مفاوضات مقبلة مع الحركات المسلحة، التي ترى في الإقليم الواحد قضية محورية بالنسبة لها. ويُشار إلى أنه بحلول شهر يوليو/تموز المقبل، ينتهي عمر السلطة الانتقالية، التي مُدّد لها في وقت سابق، باعتبار أن عملية الاستفتاء مرتبطة بها، ولا سيما في حال إقرار خيار الإقليم.

أما في ما يتصل بترتيبات عملية الاقتراع، يكشف رئيس مفوضية الاستفتاء عمر علي جماع لـ"العربي الجديد"، عن "اكتمال كافة التجهيزات الادارية والفنية والأمنية، لانطلاقة العملية"، مشيراً إلى "وصول بطاقات الاقتراع لجميع المراكز، إيذاناً ببدء العملية".

ويبيّن أن "المفوضية قامت بتقييم فترة التسجيل لتلافي السلبيات عند الاقتراع"، لافتاً إلى "وجود خطة متكاملة لتأمين الاستفتاء، بعد اجتماعات عدة عُقدت مع اللجنة العليا لتأمين الاستفتاء، التي تضمّ أجهزة الجيش والشرطة والأمن". ويستبعد جماع "حدوث انفلات أمني أثناء الاقتراع"، مؤكداً أن "المفوضية عمدت إلى زيادة عدد مراكز الاقتراع لنحو 1430 مركزاً، لتخفيف حركة المواطنين، فضلاً عن تشكيل 2517 لجنة اقتراع، تراقبها مائة منظمة محلية في جميع مناطق دارفور، فضلاً عن وجود 85 مراقباً أجنبياً، بينهم مراقبو الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ودول روسيا وتركيا والصين".

وتُمثّل دارفور التي ضُمّت للسودان، في عام 1916، خُمس مساحة البلاد، وتجاور أربع دول، هي ليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان. وتضمّ نحو 84 قبيلة من عرب وزُرقة، وتحتضن 65 إدارة محلية في خمس ولايات، هي شمال دارفور، وجنوب دارفور، ووسط دارفور، وغرب دارفور، وشرق دارفور". وقد اتخذت دارفور، اسمها، من قبيلة الفور التي كان سلاطينها يحكمون المنطقة. وعُرفت المنطقة بالنزاعات القبلية، ولا سيما بين الرعاة والمزارعين لانقسام المنطقة بينهما.

المساهمون