الذكرى الـ14 لهبّة القدس والأقصى: ملامح انتفاضة جديدة

الذكرى الـ14 لهبّة القدس والأقصى: ملامح انتفاضة جديدة

30 سبتمبر 2014
تتشابه اعتداءات إسرائيل بين اليوم وعام 2000 (فرانس برس)
+ الخط -
يُحيي فلسطينيو الداخل هذا العام، ذكرى هبّة القدس والأقصى، وسط ظروف شبيهة بتلك التي أطلقت شرارة انتفاضة عام 2000، بسبب الممارسات الإسرائيلية على الأصعدة كافة.

وكان 13 شاباً في المدن والقرى العربية في الأراضي المحتلة عام 1948، قد استشهدوا في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2000، برصاص الشرطة الإسرائيلية، حين خرجوا محتجين على اقتحام رئيس حزب "الليكود"، رئيس المعارضة في حينه، آرييل شارون، للمسجد الأقصى، وما تلاه من جرائم ارتكبها الاحتلال في الضفة وغزة.

وعلى الرغم من أن إسرائيل شكلت لجنة تحقيق رسمية برئاسة القاضي ثيودور أور، بعدما رفض الفلسطينيون في الداخل التعامل مع لجنة فحص عادية، لكن تلك اللجنة، وكما كان متوقعاً، وجّهت انتقادات ناعمة للشرطة، ولم تطلب تقديم أيٍ من عناصرها إلى المحكمة بتهمة القتل.

كما ذهبت اللجنة بعيداً في انحيازها ضد الفلسطينيين، محمّلة قياديين في الداخل مسؤولية التحريض وتعبئة الشارع الفلسطيني، خصوصاً رموز الحركة الفلسطينية في الداخل، مثل العربي عزمي بشارة، والشيخ رائد صلاح، والنائب السابق عبد المالك دهامشة.

وتعاملت مع مسؤولي الحكومة، وفي مقدمتهم رئيسها آنذاك، إيهود باراك، ووزير الشرطة، شلومو بن عامي، كمختصين وخبراء في الشأن العربي ولم تحملهم مسؤولية إصدار أوامر لتفريق المتظاهرين الفلسطينيين بالرصاص الحي.

ويُجمع قياديو الداخل الفلسطيني، الذين تحدثوا مع "العربي الجديد"، لمناسبة الذكرى الـ14 لانتفاضة القدس والاقصى، على أن ظروف هذه الأيام شبيهة بتلك التي أطلقت شرارة انتفاضة عام 2000، بل أشدّ منها بسبب الممارسات الإسرائيلية على الأصعدة كافة، وفي مختلف المجالات. ويزيد من احتمالات قيام هبّة أخرى، تظاهرات الداخل الفلسطيني خلال فترة العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.

ويتذكّر النائب السابق في الكنيست الإسرائيلي، عن الحركة الإسلامية (الجنوبية)، المحامي عبد المالك دهامشة، تلك اللحظة التي انقضّ فيها على شارون وباغته حين قفز عليه من فوق حراسه، دقائق معدودة بعد الساعة السابعة من صباح 28 سبتمبر/ أيلول 2000، فكسر حالة الصمت التي سادت باحات الحرم القدسي الشريف، وانطلقت بذلك شرارة انتفاضة الأقصى، بحسب ما قاله لـ"العربي الجديد".

وأضاف أنه "نصح قائد شرطة الاحتلال في القدس في ذلك الوقت بسحب قواته وإخراج شارون، حقناً للدماء التي بدأت تسيل، بعد ازدياد عدد الناس المقبلين على المسجد الأقصى وارتفاع وتيرة المواجهات".

وكشف دهامشة أنه "سبق أن حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، في حينه، مراراً، من نتائج ما سيقدم عليه شارون بهدف تحقيق مكاسب سياسية وحثّه على منعه، دون مجيب، في فترة تصاعد فيها التحريض اليهودي وممارسات ضد المسجد الأقصى".

وشاركت بعض قيادات الجماهير العربية في اليوم التالي، بصلاة جمعة حاشدة في مدينة الطيرة، وكان خطيبها الشيخ رائد صلاح، احتجاجاً على مخطط شق ما يسمى "شارع عابر إسرائيل" المعروف باسم "شارع رقم 6"، على حساب مصادرة أراضٍ عربية في المنطقة.

وبعد الصلاة، انهالت الاتصالات على صلاح ودهامشة، بحسب رواية الأخير، تفيد بنشوب مواجهات في المسجد الأقصى، "فتوجهنا لهناك مباشرة، وشاهدنا الدم والجرحى، وتبيّن لنا سقوط 9 شهداء من أبناء شعبنا في القدس المحتلة".

بعد ذلك، اجتمعت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، معلنة عن إضراب عام في اليوم التالي (الأحد)، على ضوء الأحداث الجارية، وفي مساء اليوم ذاته (السبت)، شاع خبر استشهاد شابين من أم الفحم ومعاوية. وشاركت جماهير غفيرة من أبناء الداخل الفلسطيني بتشييع جثمانيهما، يوم الأحد الموافق 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2000، والذي شهد لاحقاً سقوط شهداء آخرين، في جت وأم الفحم وعرابة وسخنين. وعليه استمر الإضراب وتشييع الجثامين، ويوم الثلاثاء استشهد شاب في كفر مندا، ولاحقاً استشهد آخر في كفركنا وارتفع العدد الى 13 شهيداً.

وأوضح دهامشة أنه "طالب قيادات الجماهير العربية بتحمّل المسؤولية، واتخاذ خطوات من شأنها تهدئة الأمور، آخذين بعين الاعتبار أن وضع فلسطينيي الداخل مركّب ومختلف عن وضع باقي الفلسطينيين في الضفة وغزة، ولا يمكن المضيّ في مواجهة إسرائيل وعتادها، في وقت استفردت فيه بفلسطينيي 48، دون رادع، ليس من قبل المؤسسة الإسرائيلية فقط، ولكن حتى من قبل مجموعات إسرائيلية".

ولكن، يوم السبت 7 أكتوبر، قامت مجموعة يهودية من مستوطنة "نتسيريت عيليت" بمهاجمة عدد من أهالي الناصرة المجاورة، وسقط ثلاثة شهداء من أبناء المدينة "ومع هذا بقينا على موقفنا على تشييع الجنازات فقط"، وفق دهامشة.

من جهته، يؤكد صلاح، لـ"العربي الجديد"، أن "الفترة المقبلة ستشهد المزيد من التضحيات على طريق نصرة المسجد الأقصى الذي لأجله قامت الانتفاضة، التي يتم إحياء ذكراها هذه الأيام".

وشدد صلاح على أن "السياسة الصدامية والقمعية التي تتبناها المؤسسة الإسرائيلية ضد فلسطينيي الداخل على ضوء نصرتهم للثوابت الوطنية، وملاحقة القيادات العربية، والاعتداء على المرابطين في المسجد الأقصى وإهانة النساء، كل ذلك لن يردعنا. سوف نحيا ونموت على هذه الأرض وندفن فيها".

محطة فارقة

ويصف الأمين العام لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، عوض عبد الفتّاح، في حديث مع "العربي الجديد"، هبة القدس والأقصى، بـ"المحطة الفارقة في تاريخ النضال الفلسطيني في الداخل".

ويرى أن "الانتفاضة الثانية، أسست لمرحلة جديدة من الوعي الفلسطيني داخل الخط الأخضر، فضلاً عن حالة من الاستقطاب غير المسبوق بين الكيان الاسرائيلي، مؤسسة رسمية ومجتمعاً من جهة، والمجتمع الفلسطيني في الداخل من جهة أخرى". ويوضح أن "الاستقطاب ازداد ولا يزال كلما ازداد الوعي الفلسطيني في الداخل، وكلما أكد الفلسطينيون في هذه المنطقة على مطالبهم الشرعية، ليقابلهم المجتمع الإسرائيلي وسلطاته بعداء أكبر".

لكن التغيير لم يتوقف عند هذا الحد، بحسب عبد الفتاح، "فصحيح أن هبّة القدس والأقصى كانت مرحلة جديدة في تاريخ قمع الجماهير العربية في الداخل، ولكن بعدها أيضاً، سحب المجتمع الاسرائيلي من المؤسسة زمام المبادرة، وبات متعطشاً للدماء أكثر، وهذا ما أثبتته الآونة الأخيرة وسنوات سابقة أيضاً، جرى خلالها استهداف فلسطينيي الداخل بعمليات مختلفة والتحريض عليهم بشكل كبير، كما أن الفارق في تعامل المؤسسة الإسرائيلية معنا مقارنة مع أبناء شعبنا في الضفة والقطاع بات يتلاشى أكثر فأكثر".

وشدد على أن "فلسطينيي الداخل، تمكنوا من ردع إسرائيل عن استخدام الرصاص الحيّ بعد عام 2000، ولكنها استبدلت ذلك بأساليب قمعية جديدة". وأضاف: "في حال لم ننظّم أنفسنا، سيزداد القمع الاسرائيلي والفاشية الاسرائيلية ضدنا، ولذلك علينا تعزيز صفوفنا وتوسيع نشاطنا، وكذلك فضح إسرائيل بأن هناك شريحة من مواطنيها تتعرّض لانتهاكات يومية بسبب ممارساتها ضدهم".

ولعلّ الأسباب التي أدت الى هبّة القدس والأقصى، لا تزال قائمة، وربما باتت أشد، بحسب ما يؤكد رئيس "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني"، والذي شغل في العام 2000 المنصب نفسه، محمد زيدان.

ويوضح زيدان، لـ"العربي الجديد"، أن "السياسات التي تمارسها السلطات الاسرائيلية ضد جماهيرنا ومقدساتنا والمسجد الأقصى لا تزال قائمة، والخطر على المسجد بات أكبر، ونشهد اعتداءات يومية وانتهاكات لحرمته، وواضح جداً أن هناك نيّة مبيّتة لتطبيق تقسيم زماني ومكاني للأقصى، وهو أمر نشعر به كثيراً في الآونة الأخيرة، من خلال منع المسلمين من الصلاة فيه، مقابل السماح لليهود والمستوطنين باقتحامه، عدا عن الحفريات المستمرة تحته".

ويحذّر زيدان من ان "اعتداءات الشرطة الإسرائيلية على فلسطينيي الداخل الذين خرجوا للتظاهر ضد العدوان، واعتقال عدد كبير من الشبان، له مدلولات خطيرة". وأشار إلى أن "احتمالات الانفجار الكبير مسألة وقت اذا استمرت الأمور على هذا النحو".