أفغانستان: 3 تفسيرات لموجة هجمات "طالبان" قبل الربيع

أفغانستان: 3 تفسيرات لموجة هجمات "طالبان" قبل الربيع

04 مارس 2019
انطلق هجوم "طالبان" في موسم الشتاء والبرد القارس (الأناضول)
+ الخط -


في وقت توقع فيه الأفغان أن تظهر سريعاً تداعيات جهود المصالحة، وأن تكون بدايتها إلغاء أو تأجيل حركة "طالبان" عمليات "هجوم الربيع"، وهو ما أشارت إليه وسائل إعلام أفغانية أكدت أن "طالبان" وافقت بشكل غير رسمي خلال المفاوضات مع الجانب الأميركي في الدوحة على عدم الإعلان عن انطلاق "هجوم الربيع" السنوي، الذي تستهدف خلاله قوات الجيش والشرطة الأفغانية، إلى جانب قوات حلف شمال الأطلسي الموجودة في أفغانستان، إلى أن تصل الأطراف إلى حل نهائي. لكن ما حدث على الأرض هو أن "هجوم الربيع" انطلق بصورة غير معلنة في موسم الشتاء والبرد القارس، إذ ضربت السيول والفيضانات أكثر من 11 إقليماً في شمال وجنوب أفغانستان.

فجأة وفي صباح يوم الجمعة الماضي، بدأت "طالبان" هجمات مكثفة في مناطق مختلفة من البلاد، كانت بدايتها بالهجوم الدموي على قاعدة "شوراب" الأميركية في مديرية واشير في إقليم هلمند. ورغم إعلان الحركة أن الهجوم كان يستهدف القوات الأميركية والأفغانية داخل القاعدة، إلا أنه تبين أن الهدف كان قاعدة "ميوند" للجيش الأفغاني، الموجودة قرب القاعدة الأميركية. واستمر القتال داخل القاعدة لأكثر من 40 ساعة، في ما يمكن وصفه بأنه أكبر هجوم خلال الأعوام الماضية، إذ شارك فيه 29 انتحارياً. وأدى الهجوم إلى مقتل 30 جندياً كما قالت السلطات المحلية في الإقليم، بينما تدعي "طالبان" مقتل 397 جندياً أفغانياً وأميركياً. كما تحدثت الحركة عن مقتل عشرات الجنود في هجمات شنتها في الشمال والجنوب، فيما أعلنت السلطات الأفغانية وقوع خسائر كبيرة في صفوف الجيش والشرطة. وأعلنت مصادر في مديرية قيصار في إقليم فارياب، لـ" العربي الجديد"، مقتل 20 عنصراً من الجيش والشرطة في هجوم شنه عناصر الحركة أول من أمس. وادعى الناطق باسم "طالبان" قاري يوسف، في تغريدة أمس الأحد، مقتل 30 جندياً من الجيش في كمين نصبه عناصر الحركة لقوة من الجيش في إقليم سربل.

وأثارت عمليات الحركة، التي بدأت في غير موعدها السنوي، وبالتزامن مع المفاوضات التي تجريها "طالبان" مع الأميركيين في الدوحة، التساؤلات حول الهدف منها، وفي حين رأى بعض المحللين أن الهدف منها هو تقوية موقف الحركة خلال المفاوضات، برزت أسئلة أخرى، تتمحور حول عدم انطلاق الهجمات مع بداية المفاوضات، ولماذا لجأت إليها بعد أن ظهرت بوادر اتفاق بين الطرفين، على الأقل في بعض النقاط؟

وما يلفت أيضاً أن "طالبان" أشارت، في بيانها الأخير حيال المصالحة مع السلطة الأفغانية، إلى وجود ضغوط على الحركة من قبل بعض الجهات. ويمكن وضع الهجمات في إطار إثبات الحركة للجميع أنها لا تزال تمسك بالخيار العسكري، وأنه يمكن لها اللجوء إليه متى وأين شاءت. وثمة تفسير ثالث، وهو ما يرجحه مراقبون، وهو الرد على عمليات القوات الخاصة واستهدافها لسجون "طالبان" ومراكز تدريبها، بعد أن رفضت الحوار مع الحكومة. وقال قائد ميداني في الحركة، لـ"العربي الجديد" رافضاً ذكر اسمه، أن الهجمات تأتي رداً على عمليات القوات الأفغانية الخاصة، التي أدت، على حد قوله، إلى مقتل مئات المدنيين، وكبدت القيادة الميدانية في الحركة خسائر كبيرة. كما أن الإعلامي والكاتب محمد إسماعيل عندليب، ذهب عبر تصريح لـ"العربي الجديد" في هذا الاتجاه، إذ رأى أن السبب الحقيقي قد يكون استخدام الحكومة الأفغانية للقوات الخاصة لاستهداف الحركة، ما سرّع من إطلاق "طالبان" هجماتها قبل حلول الربيع. لكن عندليب لا يستبعد أن يكون هدف "طالبان" أيضاً هو تقوية موقفها خلال المفاوضات مع الأميركيين، وإثبات فشل ادعاءات الحكومة عن نجاحها في الميدان. وقلل من تأثير الهجمات على المفاوضات.

وفي العادة، كانت حركة "طالبان" تركز في موسم الشتاء، الذي يعود خلاله غالبية المقاتلين إلى منازلهم، على استهداف المنشآت العسكرية والمؤسسات الحكومية، تحديداً في العاصمة كابول وفي المدن الرئيسية مثل جلال آباد وهرات وقندهار. لكن على العكس من ذلك كان الوضع هادئاً نسبياً في المدن هذا الشتاء، وهو ما عزت الحكومة الفضل فيه إليها، متحدثة عن "قصمها" ظهر "طالبان" من خلال القضاء على شخصيات لها نفوذ كبير في المدن، كانت تتيح لعناصر الحركة الدخول إليها وتنفيذ العمليات. وكانت الاستخبارات الأفغانية قد داهمت أخيراً مكتباً لمستشار الرئيس الأفغاني وزعيم حزب "الدفاع عن أهداف الجهاد" الجنرال دين محمد جرأت في جلال آباد شرقي البلاد. كما حاصرت القوات الخاصة منزل القائد "الجهادي" شنسب وردك، وبعد يومين من الاشتباكات، التي أدت إلى مقتل شخصين وإصابة خمسة، اقتحمت المنزل لتجد متفجرات وعددا كبيرا من الأسلحة. وتدّعي الحكومة أن هذا أحد الأسباب وراء تهدئة الأوضاع في المدن، بالإضافة إلى استهداف القوات الخاصة مراكز تابعة إلى "طالبان" وأماكن تدريب عناصرها ما أدى إلى مقتل المئات من القيادات والمسلحين. أياً كان السبب، فإن الوضع الأمني كان مستتباً إلى حد ما في المدن الرئيسية خلال موسم الشتاء، مقارنة بالأعوام الماضية، فيما كانت هجمات حركة "طالبان" في الأقاليم والمناطق النائية مستمرة بشكل روتيني. كما أن الهجمات والعمليات العسكرية من أي طرف جاءت تؤثر بشكل سيئ على حياة المواطنين، خصوصاً في هذا الموسم من البرد القارس، إذ أغلقت معظم الطرقات في 11 إقليماً، وفق بيان وزارة الكوارث، التي أشارت إلى أن الفيضانات والسيول أدت إلى محاصرة مئات الأسر.

المساهمون