إريتريا ـ إثيوبيا... حرب لا تنتهي على البحر الأحمر

إريتريا ـ إثيوبيا... حرب لا تنتهي على البحر الأحمر

14 يونيو 2016
منطقة بادمي تترقب انتقال الحرب إليها (فرانس برس)
+ الخط -
فجر الاثنين، تحوّلت الأنظار إلى منطقة القرن الأفريقي، تحديداً إلى الحدود الإريترية ـ الإثيوبية، بعد اندلاع اشتباكات عنيفة على جبهة تسورونا، الواقعة في سلسلة جبلية مشتركة بين البلدين. ونقلت وسائل الإعلام العالمية عن الطرفين أن عدداً كبيراً من القتلى سقط، من دون تحديد الأرقام النهائية، في إشارة إلى احتمال استمرار المعارك، خصوصاً أن البلدين تبادلا الاتهامات في شأن من شنّ الهجوم أولاً.

لطالما كانت الجبهة الإريترية ـ الإثيوبية مشتعلة، منذ العام 1961، أي التاريخ الذي بدأت فيه إريتريا، التي كانت خاضعة للحكم الإثيوبي، حربها لنيل استقلالها، بعد انتهاء عصر الاستعمار الإيطالي للبلدين. تخلّلت معركة الاستقلال، حربان أهليتان في إريتريا، دامت الأولى بين عامي 1972 و1974، والثانية بين عامي 1980 و1981. أدت الحربان الأهليتان اللتان بدأتا بخلفيات دينية، بين مسلمي الساحل الإريتري ومسيحيي الجبال، إلى سيطرة "الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا"، وهو تنظيم ماركسي يقوده إسياس أفورقي. لاحقاً تحوّل أفورقي إلى زعيم وطني في البلاد، مع إعلان استقلال إريتريا عن إثيوبيا رسمياً وفقاً لاستفتاء شعبي، في العام 1993، بعد سنوات من اعتماد "الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا" أسلوب حرب العصابات، التي دفعت القوات الإثيوبية لخارج البلاد. كلّفت هذه الحرب 230 ألف قتيل من الجانبين. مع العلم أن من مسببات الهزيمة الإثيوبية أيضاً، هو تعرّض البلاد لمجاعة قاتلة في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، خلّدها المصوّر البرازيلي سيباستياو سالغادو. كما أن نظام منغيستو هايلي ماريام في أديس أبابا، قتل أكثر من نصف مليون إثيوبي، وكان ذلك من الأسباب التي ساهمت في هزيمة إثيوبيا.

أدى هذا الاستقلال إلى إغلاق مداخل البحر الأحمر تماماً عن إثيوبيا، التي كانت تستند إلى الميناءين الإريتريين، عصب أولاً، ومصوع ثانياً، لتأمين إطلالتها على البحر الأحمر، وتصدير بضائعها للخارج. بالتالي باتت إريتريا تمتلك ساحلاً طويلاً على البحر الأحمر، بطول ألف كيلومتر، كما تتبع لها أكثر من 360 جزيرة، وتتحكّم في طريق الملاحة بالبحر الأحمر، ويمكن استخدام بعض هذه الجزر كموانئ عسكرية وإنشاء مطارات ومحطات رادار. عدا ذلك، تمكنت إريتريا من السيطرة على جزر حنيش اليمنية على مدخل مضيق باب المندب، في البحر الأحمر، منتصف التسعينات، وخاضت نزاعاً عسكرياً مع اليمن في شأنها.


بدت إثيوبيا خاسرة فعلياً من التبدّلات التي كرّسها النظام العالمي الجديد، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، في العام 1991، الذي كان داعماً لنظام منغيستو. حاول الزعيم الإثيوبي الجديد ميليس زيناوي، المولود لأب إثيوبي وأم إريترية، اعتماد "صيغة فدرالية"، تسمح في إبقاء إريتريا تحت السيطرة الإثيوبية، مع حق الحكم الذاتي. رفض رفيق درب زيناوي في الحروب الطويلة مع نظام منغيستو، إسياس أفورقي، ذلك. بناءً عليه، اندلعت الحرب بين البلدين، بين عامي 1998 و2000، وسقط فيها أكثر من 300 ألف قتيل، خصوصاً على جبهات تسورونا وبادمي وبوري.

انتهت الحرب بعد توقيع الجانبين على اتفاق الجزائر في العام 2000، الذي نصّ على تكليف قوات حفظ السلام من 60 دولة، بحفظ الأمن في "منطقة آمنة مؤقتة"، على مساحة 25 كيلومتراً بين الجانبين. كما منحت محكمة العدل الدولية في لاهاي في العام 2002، إريتريا الحقّ في منطقة بادمي، لكن ذلك لم يؤدِّ إلى خروج القوات الإثيوبية منها، ما ترك الأبواب مفتوحة لتجدّد الحرب في أي لحظة بين البلدين، كما حصل فجر الاثنين، وكاد أن يحصل في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي.

تدخلت دول عدة، خصوصاً العربية منها، لمنع تجدّد الحرب بين البلدين، وعملت قطر تحديداً على بناء علاقة قوية مع إريتريا وإثيوبيا، وعلى الرغم من عدم نجاح الدوحة بالكامل في الملف الإريتري ـ الإثيوبي، إلا أنها نجحت بنشر المئات من جنودها على الحدود بين إريتريا وجيبوتي، بعد خلافات حدودية بينهما، انتهت باتفاق وُقّع في الدوحة في العام 2010.

لا يبدو أن الاشتباكات الأخيرة بين البلدين ستدفع بالأمور قدماً سياسياً، أو على صعيد تطبيق إثيوبيا قرار لاهاي، فأديس أبابا تعمل من دون كلل على الانتهاء من أعمال سدّ النهضة على نهر النيل، المفترض أن يؤدي لنقلة نوعية في الاقتصاد الإثيوبي، ما يسمح لها بالضغط على إريتريا، لناحية مدّها بالماء لأغراضها الزراعية، أو بالكهرباء، وفقاً للطاقة التي سيستولدها السدّ. وقد تكون حرب تسورونا الخاطفة قبل يومين، مجرّد تمهيد لحرب مقبلة في بادمي، تستبق اكتمال إنشاء السدّ.