أزمة "نداء تونس": مبادرات الوقت الضائع تمهّد لكتلة ثالثة؟

12 نوفمبر 2015
قد تولد كتلة ثالثة من رحم "النداء" (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -

تتواصل مفاوضات الساعات الأخيرة في تونس، لمحاولة إنقاذ حزب الأكثرية النيابية، "نداء تونس" من التشظي. وقد شملت محاولات "الندائيين" لملمة جروحهم، لقاء جمع، أمس الأربعاء، الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، بمجموعة من النواب المستقيلين، هم مصطفى بن أحمد، وبشرى بلحاج حميدة، ورؤوف الشريف، وحسونة الناصفي، وألفة السكّري، وهاجر العروسي. وعلى الرغم من بعض "التفاؤل الحذر"، الذي عبّر عنه المجتمعون مع الرئيس التونسي، في ما يتعلق بتأكيدات السبسي أن "الرئاسة لن تتدخل في الأزمة، ولن تنتصر لحساب فريق على آخر، فإن قرارهم سيكون رهن توجه اجتماع الهيئة التأسيسية، اليوم الخميس، وما ستعلنه من قرارات بشأن الأزمة". غير أن هذا الأمر لن يغيّر في عمق الصراع شيئاً، حتى لو حصلت تفاهمات لحفظ ماء الوجه، فلن تُشكّل إلّا مسكّنات ظرفية، ستُعيد الأزمة إلى نقطة الصفر، حالما يقترب موعد التنافس.

في موازاة ذلك، كان الأمين العام لحركة "نداء تونس"، محسن مرزوق، أحد أطراف الأزمة في مواجهة نائب رئيس الحزب، حافظ السبسي، قد نشر على صفحته على "فيسبوك" ورقة من 6 نقاط في مبادرة لـ "تجاوز الوضع الحالي في الحركة" لم يوضح ما اذا كان يتبناها كحل ملزم وخصوصاً أن الورقة لم تكن موقعة منه أو من أي من قيادات "النداء"، لكنها وصفت بأنها غير قابلة للتنفيذ. وتتضمن هذه النقاط "اعتبار المكتب التنفيذي ذي الصلاحية التقريرية الإطارَ الوحيد لوضع التوجهات الأساسية للحزب وخصوصاً المتعلقة بالمؤتمر". أما النقطة الثانية فتتعلق "بتفعيل قرار حل الهيئة التأسيسية والتي عوضها المكتب السياسي المنتخب وعدم دعوتها للاجتماع مستقبلاً، وقد كانت سبباً في انقسام الكتلة النيّابية. ثالثة النقاط تنص على تكوين لجنة محايدة من بين أعضاء المكتب التنفيذي يلتزم أعضاؤها بعدم الترشح لأية مسؤولية في الحزب، للإعداد للمؤتمر بجميع مراحله".

كما تضمنت الورقة طرح "تكوين لجنة من المكتب التنفيذي برئاسة رئيس الحزب لمراجعة وضعيات الهياكل في الجهات وخارج الوطن وفق القرارات التي اتخذتها الهيئة التأسيسية للحزب قبل حلها والمكتب السياسي"، و"وضع كل الإمكانات الإدارية و الرمزية للحزب، بما فيه استعمال شعاره أو وسائل الاتصال المتحدثة باسمه تحت السلطة المباشرة للمكتب السياسي للحزب". وتأتي هذه المبادرات لاحتواء الأزمة داخل "النداء" بعد أيام من إعلان مجموعة مكوّنة من 32 نائباً الانفصال عن الحزب. وبات يطلق عليهم "مجموعة الثلاثين" بعدما قدموا استقالاتهم الإثنين الماضي على أن تدخل حكماً حيز التنفيذ بعد خمسة أيام إلا في حال التراجع عنها من قبلهم. وهو ما سيحسم خلال الساعات القليلة المقبلة. ومما زاد المشهد تعقيداً ما أعلنه نائب رئيس "نداء تونس"، رجل الأعمال التونسي، فوزي اللومي، المؤثر جداً في تونس، مساء الثلاثاء، من أن "كتلة ثالثة من النواب ستنشقّ قريباً جداً عن نداء تونس، لتُضاف إلى الكتلتين الأخريين".

اقرأ أيضاً: "النهضة" بعد انفجار "نداء تونس"... لن تحكم منفردة

ويوضح اللومي، في مقابلة على محطة "نسمة"، أن "هذه الكتلة تضمّ 20 نائباً، وستنشق عن الحزب، لتُشكّل كتلة مستقلّة، تواصل العمل على مشروع الحركة المبدئي نفسه"، مشيراً إلى أن "17 نائباً في كتلة نداء تونس فقط، يساندون جناح حافظ قائد السبسي".

وبحسب ما فهم من كلام اللومي فإن هذه الكتلة ستضم نواباً من "مجموعة الثلاثين" وآخرين من المحسوبين على "مجموعة الخمسين" وهو الاسم الذي يطلق على النواب المتبقين داخل النداء وعددهم 56 نائباً. في الوقت عينه، دعا تسعة نواب شبّان من كتلة "نداء تونس"، جميع نواب الحزب إلى "التريث والحفاظ على وحدة الكتلة وتغليب مصلحة الوطن". وفي كل الحالات، يتضح أن الانفجار حاصل بالضرورة، سواء اليوم أو بعد شهرين، إذا انعقد المؤتمر، الذي يريده بعضهم مؤتمراً انتخابياً، مع ما يعنيه ذلك من تأخير لموعده، بسبب ضرورة إنجاز المؤتمرات القاعدية أو التأسيسية، على الرغم من استحالة التوفيق بين الأطراف المتنوعة.

وأمام التصعيد المتواصل من كل الأطراف، تُظهر بعض الإشارات الصغيرة، أن الطرفين حسما أمرهما. ولوحظ في هذا الصدد، أمس، أن اجتماع الكتلة النيابية العادية لـ"النداء" لم يحضره المستقيلون. وسُجِّل عدم تقدّم بشرى بلحاج حميدة (المستقيلة) لمواصلة رئاستها لجنة الحقوق والحريات، ليحلّ مكانها خميس قسيلة من الجناح الآخر في "النداء".

وتقدم إلى لجنة التشريع العام، نائب جديد من "النداء"، وهو شاكر العيادي، المحسوب على مجموعة "الخمسين"، بدلاً من الرئيس الحالي عبادة الكافي (المستقيل). وأضحى عبد العزيز القطي من مجموعة الخمسين، مقرراً للجنة الطاقة، بدلاً من منصف السلامي من المستقيلين. كذلك علمت "العربي الجديد"، أن "تيار السبسي الابن ورضا بلحاج (مدير الديوان الرئاسي)، قد بدأ يقتنع بأن ما يحصل حالياً حتمي، وفيه كثير من الإيجابيات، أولاها أن الحزب قد يتخلّص من بعض الشخصيات المضرّة باستقراره والمتقلبة سياسياً باستمرار، وأن الأرضيّة الفكرية ينبغي أن تتضح نهائياً على مستوى الخيارات الكبرى (كان الائتلاف مع حركة النهضة من أبرز عوامل الخلاف مثلاً)". وتُفيد المعلومات، أيضاً، بأن "الحزب سيتمكن، أيضاً، من التقليل من عديد ذوي الطموحات الشخصية والمشاريع الفردية لمكوّناته، التي هبّت إليه من كل المشارب خلال فترة الانطلاق". غير أن هذا التيار لا يريد في المقابل أن يكون الصف المقابل بهذه القوة، لذلك تتكثف المشاورات مع بعض "المستقيلين المعتدلين" بقصد إقناعهم بالعودة إلى الحزب، وإقناع بقية الوجوه المؤثرة من خارج النواب، كوزير الخارجية الطيب البكوش، والمدير التنفيذي للحزب بوجمعة الرميلي، بتوضيح موقفهم نهائياً مما يحدث والالتحاق بالأغلبية.

أما الطرف المقابل، أي تيار الأمين العام الحالي محسن مرزوق، فيبدو من خلال ما يتسرّب، أنه قد حسم بدوره قراره في اتجاه الانفصال. وهو ما يبرر ما رآه متابعون "هجوماً على السبسي الأب شخصياً، وطرح مبادرات غير قابلة للتنفيذ. وفي هذا السياق، علمت "العربي الجديد"، أنه "بوشر منذ فترة العمل على تأسيس حزب جديد، اختير له اسم: حزب التوافق أو الوفاق". وذهب البعض إلى حدّ التأكيد أن "مقرّ الحزب الجديد موجود". مع العلم أن هناك حزبا في تونس يحمل اسم "الوفاق".

اقرأ أيضاً: انفجار كتلة "نداء تونس" هل يفقد الحزب أغلبيته؟
المساهمون