المعارك الكبرى ضدّ "داعش": تدمير الفلوجة أو انسحاب التنظيم

المعارك الكبرى ضدّ "داعش": تدمير الفلوجة أو انسحاب التنظيم

23 مايو 2016
13 ألف قتيل وجريح بالفلوجة حتى الآن (فرانس برس)
+ الخط -

تستمر عملية التحشيد العسكري حول مدينة الفلوجة العراقية، لليوم الثاني على التوالي، من قبل قوات الجيش والشرطة الاتحادية ومليشيات "الحشد الشعبي"، بعدد أفراد يتجاوز ثلاثين ألف عنصر. وهو أعلى تحشيد لمدينة منذ اجتياح تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أجزاء واسعة من البلاد منتصف عام 2014، مما يعكس أهمية وخطورة المعركة وإصرار الجانب العراقي على استعادتها تحت أي ثمن. وهو ثمن قد يكلّف تدمير المدينة بالكامل وقبل كل شيء تهديد حياة نحو 100 ألف مدني، يقبعون داخل أزقة الفلوجة وحاراتها، يمنع التنظيم خروجهم منها، فارضاً عليهم إقامة جبرية ومعاقباً من يخالف أوامره.

وحتى مساء أمس الأحد، وصل إلى مشارف المدينة 20 ألف جندي وعسكري عراقي، وفقاً لبيان رسمي صدر عن قيادة العمليات المشتركة، التي أكدت أن العملية ستنطلق قريباً، وأن معركة الفلوجة ستكون عراقية يشارك بها الجميع، بما فيهم "الحشد الشعبي".

إلا أن مسؤولين عراقيين أكدوا أن مليشيات "الحشد الشعبي" لن تدخل المدينة، وسيقتصر دورها على المشاركة بمعارك في محاور الفلوجة الخارجية، وأن الاقتحام سيكون على عاتق قوات الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب العراقي وقوات العشائر.

في هذا السياق، ذكرت خلية الإعلام الحربي التابعة لوزارة الدفاع، في ثلاثة بيانات متعاقبة حول الفلوجة، أن "عملية التحرير هي عراقية خالصة، تشترك بها كل القطاعات من الجيش وجهاز مكافحة الاٍرهاب والشرطة والحشد الشعبي والعشائري والقوة الجوية وطيران الجيش". ونقل البيان أن "هذه القوات ستخوض المعركة بخيار وحيد هو النصر وتحرير الفلوجة من دنس داعش"، وفقاً للبيان نفسه.
من جهتها، أكدت قيادة الشرطة الاتحادية في بيان مماثل "وصول 20 ألف من مقاتليها إلى الفلوجة، ترافقهم دبابات ومدرعات ومعدات ثقيلة ويرابطون حالياً على مشارف المدينة". إلا أن عضو البرلمان العراقي عن مدينة الفلوجة، خالد العلواني، ينوّه لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "حضر مساء السبت مع مسؤولي محافظة الأنبار اجتماعاً مع رئيس الحكومة، حيدر العبادي، في بغداد"، مبيّناً أنّ "الاجتماع حضره أيضاً وزير التخطيط، سلمان الجميلي، ومحافظ الأنبار، صهيب الراوي، وعدد من نواب المحافظة وأعضاء مجلسها، بالإضافة الى قائمقام الفلوجة والقادة الأمنيين".

ويوضح العلواني أنّ "الاجتماع ناقش معركة الفلوجة تحديداً، والاستعدادات الجارية لها"، كاشفاً عن أنّه "تم رسم الخطوط العريضة للمعركة من ناحية دخول القوات الأمنية والعشائرية، وأهميّة ساعة الصفر، فضلاً عن مشكلة وجود المدنيين الذين يزيد عددهم عن 50 ألف مدني وكيفيّة الحفاظ على أمنهم وتأمين إخراجهم".

كما يشير إلى أنّ "العبادي أبلغنا خلال الاجتماع أنه اتخذ قراراً بعدم مشاركة (الحشد الشعبي) في المعركة، وأن يبقى خارج المدينة كقوة مساندة للقوات العراقيّة فقط"، لافتاً إلى أنه "أبلغ قادة الحشد بقراره ومنهم هادي العامري وأبو مهدي المهندس".

ويشرح بأنه "تم تحديد القوات التي ستشارك في المعركة، وهي قوات الجيش ومكافحة الإرهاب وقوات العشائر حصراً"، مشدّداً على أنّ "قضية تحرير الفلوجة هي قضية مهمة جدّاً، وأنّ العبادي مهتم بموضوع تحريرها بشكل كبير".

ويؤكّد أن "القوات الأمنية والعشائرية التي حرّرت مناطق الأنبار تملك القدرة على تحرير المدينة من دون الحاجة إلى قوات أخرى"، منوّها إلى أنّه "تم الاتفاق أيضاً على تسليم المدينة إلى القوات العشائرية من أهلها، بعد التحرير لتوفير الحماية اللازمة لها".

كما يلفت العلواني إلى أنه "تم أيضاً بحث ساعة الصفر وأهميتها، لكن هذه المعلومات تُعتبر معلومات عسكرية لا نستطيع الحديث عنها"، مشيراً إلى أنّ "تحرير الفلوجة بات وشيكاً، وما يجري الآن هو محاولات لإعطاء الفرصة لإخراج المدنيين".

ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية، فإن قطعات الفرقة السادسة والفرقة العاشرة في الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية والشرطة المحلية، فضلاً عن قوات العشائر، ستكون في مقدمة القوات المهاجمة للفلوجة من المحاور الأربعة للمدينة، تليها مليشيات "الحشد الشعبي". وسيتمّ الهجوم على شكل خطوط متقاربة، يُضاف إليها لواءان من الدروع والدبابات وكتيبة صواريخ وكتيبة مدفعية، فضلاً عن مقاتلات التحالف الدولي والطيران العراقي.
وسيكون الجيش العراقي حاضراً في المحاور الأربعة من محور الحلابسة غرب الفلوجة، عبر نهر الفرات، ومن محور الجنوب والجنوب الشرقي، ومنطقة البو دعيج والجامعة والطريق السريع ومن محور الشمال ومنطقة قرية المختار. ولا يفصل تواجد تلك القوات حالياً عن الحدود الإدارية للفلوجة، أكثر من خمسة كيلومترات، لكنها تبعد عن مركزها نحو 20 كيلومترا تقريباً. ويحيط "داعش" الفلوجة بحقول ألغام كبيرة ومعقّدة، تنتشر على طول حزام المدينة من اتجاهاتها الأربعة.

ووفقا للتسريبات، فإن "طيران التحالف الدولي سيطلق صافرة بدء المعركة، من خلال قصف مكثف بقنابل ارتجاجية لتدمير حقول الألغام، تعقبها استهداف الدفاعات الجوية ومنصات الصواريخ ومدافع الهاون التابعة للتنظيم، لتتقدم القوات البرية إلى الفلوجة".

في المقابل، يتخذ "داعش" سلسلة دفاعات معقّدة، عبارة عن ثلاثة خطوط صدّ، أبرزها وحدات الانتحاريين ثم الانغماسيين ثم المقاتلين العاديين، في حال تم تدمير حقول الألغام وتقدمت القوات المشتركة إلى الفلوجة. وتشير مصادر عسكرية عراقية إلى أن "المليشيات المتواجدة حالياً في محيط الفلوجة، هي مليشيا أنصار المرجعية ومليشيا علي الأكبر والعباس والإمام علي وأبي الأحرار الجهادية وبدر وسرايا عاشوراء وسرايا أنصار العقيدة، وحزب الله العراقي، ومليشيا العصائب والجهاد، والخراساني والكرار والمنتظر ولواء مجاهدي الأهوار وكتائب سيد الشهداء. يرافقهم العشرات من عناصر الحرس الثوري الإيراني".

وتُبيّن المصادر أن "تدخل التحالف الدولي بقيادة واشنطن في المعركة لم يحسم بعد، ما لم يقدم العبادي ضمانات بإبعاد مليشيات الحشد عن الفلوجة، التي تجدها واشنطن مدينة لها خصوصيتها الدينية والطائفية في العراق، ومن الممكن أن تتسبب بفتنة طائفية في حال شاركت المليشيات في أية عملية داخل المدينة".

ويلاحظ في بيانات وزارة الدفاع، الصادرة أمس، أن الخطة العسكرية ستكون مختلفة من خلال الاعتماد على القصف الصاروخي، وهو ما يعني مزيداً من الضحايا المدنيين، وتكرار سياسة الأرض المحروقة في المدن، أسوة بالرمادي وتكريت.

من جهته، يقول القيادي في "جبهة الحراك الشعبي"، محمد عبد الله، إن "المليشيات يرتدون حالياً ملابس عسكرية شبيهة بالجيش، ولا يمكن التفريق بينهم وبين الجندي الحقيقي". ويضيف بأن "القيادات السنية تسعى إلى ضمانات من رئيس الحكومة، حيدر العبادي، قبل بدء المعركة، خوفاً من دخول المليشيات إلى الفلوجة، في ظلّ سماعنا يوميا تصريحات طائفية ووجود الحرس الثوري الإيراني غير مطمئن".

في سياق متصل، يرفض القيادي في "مجلس العشائر" المتصدّية لـ "داعش"، فاضل العيساوي، مشاركة المليشيات الايرانية في تحرير الفلوجة، أو المناطق المحيطة بها، مؤكداً خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أن "وجود عناصر منفلتة، وخارجة عن إطار الدولة، قد يؤدي إلى تكرار سيناريو المجازر التي ارتكبت في المناطق المحررة، في محافظتي صلاح الدين وديالى".

خلال ذلك، يبدو الحديث عن مصير المدنيين على الهامش تماماً من خلال بيانات روتينية أصدرتها وزارة الدفاع العراقية، تدعو السكان إلى الخروج، رغم علمها المسبق بحادثة مقتل عائلة من خمسة أفراد على يد مقاتلي "داعش"، بعد محاولتهم الفرار من المدينة عبر بساتين نخيل، جنوب الفلوجة.

في هذا الإطار، يقول الشيخ، سعيد سلمان، في حديث عبر سكايب من الفلوجة لـ"العربي الجديد"، إن "الموجودين في المدينة لا يمكن حصرهم، لكنهم أكثر من 75 ألف مدني جميعهم من الفقراء، الذين لم يخرجوا في البداية من الفلوجة، كونهم لا يملكون مال الخروج أو الإقامة خارج منازلهم، وحالياً التنظيم يمنع مغادرتهم". ويبيّن أنهم "كانوا أكثر من هذا العدد لكنّ قسماً منهم قتل بالهجمات الصاروخية للمليشيات والتحالف، وآخرين نجحوا بالفرار سباحة أو ليلاً عبر البساتين، من دون أن يلاحظهم داعش".

لكن سلمان يستدرك قائلاً إنها "مخاطرة لا يقدم عليها من كان لديه أطفال رضّع ونساء، لأن ذلك يستدعي السير والسباحة والركض، وجهداً بدنيّاً كبيراً للعبور إلى خارج المدينة". وقد بلغ عدد القتلى والجرحى في صفوف المدنيين جراء القصف الجوي والصاروخي على المدينة حتى الآن 13 ألف مدني، من بينهم خمسة آلاف قتيل، بينهم 2900 طفل وامرأة، منذ يناير/كانون الثاني عام 2014، الذي شهد فيه سقوط المدينة وسيطرة تنظيم "داعش".

هذا مع العلم بأنه حتى مساء أمس، لم يكن يوجد أي مؤشر على أن التنظيم قرر الانسحاب من الفلوجة، كما فعل مع مدينة الرطبة الأسبوع الماضي، التي تركها من دون قتال متجهاً إلى صحراء الأنبار الواسعة، وهو ما جنّب المدينة خراباً كبيراً صار ملاصقاً لكل عمليات تحرير المدن العراقية.

ويعوّل أهالي المدينة على انسحاب التنظيم من مدينتهم في آخر لحظة، لتجنيب مجزرة محتملة تطاول مئات الأهالي، حال بدء المعركة، ونفذت عملية القصف الجوي والصاروخي على أحياء الفلوجة، فيما يحبس السكان أنفاسهم بين آمال تحرير نظيف وبين مخاوف التدمير والانتقام، وذلك بعد نشر مواقع تواصل صوراً لمليشيات "الحشد" تقصف المدينة براجمات صواريخ، ثبت عليها صوراً لزعماء وشخصيات دينية مختلفة، من بينها السعودي، نمر النمر، الذي أُعدم قبل أشهر بتهمة "الإرهاب" في السعودية.

ويقول عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة الأنبار، راجع العيساوي، إن "القوات التي ستشارك في معركة تحرير الفلوجة هي قوات الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب وعمليات الأنبار ولواء الصمود في ناحية العامرية ولواء درع الفلوجة وأفواج مقاتلي العشائر، وبدعم من طيران التحالف الدولي". ويبيّن أن "العمليات ستكون على مراحل عدة بسبب مساحة المدينة وطبيعة أرضها"، ويضيف أن "المعلومات تشير إلى تناقص أعداد التنظيم، بحسب المعلومات، إلى أقلّ من 600 عنصر داخل المدينة، مقابل عشرات آلاف المدنيين".

المساهمون