"طالبان" محاصرة بدعوات المصالحة: خلافات داخلية وضغوط شعبية

"طالبان" محاصرة بدعوات المصالحة: خلافات داخلية وضغوط شعبية

26 يونيو 2018
مقاتلو "طالبان" ومواطنون يحتفلون بوقف إطلاق النار(جافيد تانفير/فرانس برس)
+ الخط -
وضع وقف إطلاق النار لثلاثة أيام في أفغانستان، خلال عيد الفطر الأخير، حركة "طالبان" أمام أزمة جديدة ومنعطف خطير، مع ظهور رغبة لدى الكثير من مقاتليها وقادتها الميدانيين باستمرار وقف المعارك، الأمر الذي قوبل بالرفض من قادة الحركة، ما خلق خلافات في صفوفها على مستويات مختلفة، لتجد نفسها أمام تحدٍ كبير قد تكون له تداعيات كبيرة مستقبلاً.
وأدهشت نتائج وقف إطلاق النار بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" لثلاثة أيام، الكثيرين، ففي أول أيام العيد اجتمع مقاتلون من "طالبان" مع جنود في الجيش، وصلّوا معهم، ثم سجلوا شريط فيديو يطالبون فيه بإبرام مصالحة، فضلاً عن جلوسهم على موائد طعام مشتركة.

وبدا أن "طالبان" لم تكن منتبهة لهذا التطور، فيما كانت الحكومة على أتمّ الاستعداد، إذ خرج رؤساء الأقاليم لاستقبال مقاتلي "طالبان" ورحّبوا بهم، حتى إن وزير الداخلية ويس برمك استقبل مسلحي الحركة على أبواب كابول وهم مدججون بالأسلحة. هذا الاستقبال، وما جرى خلال فترة وقف إطلاق النار، وجّه رسائل للحركة حول نفوذها على عناصرها وقادتها الميدانيين. فلم يكن أحد يتوقع، ولا حتى "طالبان" نفسها، أن يستقبل المقاتلون وقف إطلاق النار بهذه الحفاوة، وأنهم متعطشون إليه لهذه الدرجة. وقال مسؤول في الحكومة المحلية في إقليم ننجرهار، لـ"العربي الجديد"، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، إنه كان حاضراً في جلسة لحاكم إقليم ننجرهار حيات الله حيات قبل العيد بيوم واحد، عندما تلقى اتصالاً من رقم مجهول تبيّن أنه قيادي مهم في "طالبان"، أبلغه بأنه سيحضر إلى مدينة جلال أباد في أول أيام العيد حين يبدأ وقف إطلاق النار وطلب أن يساعده في حال واجه أي مشكلة. هذا القيادي الطالباني زار المدينة للقاء أهله بعد ثماني سنوات تقريباً من غيابه.

بعد ما حدث في اليوم الأول من وقف إطلاق النار، بدا أن "طالبان" أدركت خطورة الموقف عليها، لذا أمرت مقاتليها في اليوم التالي بعدم التحرك إلى مناطق الحكومة ومنعتهم من التقاط الصور مع جنود الجيش. ولكن على الرغم من ذلك، دخل المئات من مقاتلي الحركة إلى العاصمة ومدن أخرى، وتجوّلوا في أماكن الترفيه وشاركوا في الاحتفالات. هذا التصرف لاقى ترحيباً واسعاً في الأوساط الشعبية، وانشغلت وسائل التواصل الاجتماعي بنشر صور وفيديوهات لمقاتلي الحركة وجنود الجيش والمسلحين طيلة أيام العيد الثلاثة. ولاقى بعضها اهتماماً كبيراً من المواطنين. فأحد الفيديوهات الذي تفاعل معه الأفغان، أظهر رجلاً قبلياً يبكي وإلى جانبه مقاتل من "طالبان" وجندي من الجيش. وفي فيديو آخر يرفع قائد ميداني في الحركة هتافات مهنئة بوقف إطلاق النار ويقول "الحياة لملا هيبة الله زعيم طالبان والحياة لأشرف غني رئيس الجمهورية".

لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل إن الكثير من مقاتلي "طالبان" الذين دخلوا المدن لم يغادروها. وقالت وزارة الدفاع الأفغانية إن 2400 من مقاتلي وقياديي "طالبان" دخلوا إلى كابول وحدها خلال أيام وقف إطلاق النار، بعد أن سُجلت أسماؤهم وصودرت أسلحتهم عند أبواب كابول، ونصفهم لم يخرجوا منها. هذا الأمر أثار مخاوف البعض من تحصّن هؤلاء داخل العاصمة لشنّ هجمات لاحقاً، لكن المتحدث باسم وزارة الدفاع الجنرال راد منش، قال إن هؤلاء تحت مراقبة أجهزة الدولة، وهم لم يعودوا إلى صفوف "طالبان" لأنهم تعبوا من الحرب.

وفي هذا السياق، قال المواطن الأفغاني وسيم أحمد، وهو أحد سكان منطقة كمبني في ضواحي العاصمة، إن قائداً ميدانياً في الحركة عاد إلى منزله في تلك المنطقة وعندما دخل كان جميع أفراد المنزل يبكون ويصرخون. الأم التي تجاوزت الثمانين من العمر أغمي عليها مراراً. وفي اليوم الثالث من العيد جلست الوالدة عند باب المنزل مناشدة ابنها ألا يرحل، ما أجبره على عدم العودة إلى صفوف الحركة، وهو يسعى الآن عبر وساطة بعض وجهاء المنطقة للحصول على ورقة الضمان من الاستخبارات وأجهزة الأمن. كذلك نقلت قناة "بي بي سي" البشتوية آراء بعض مقاتلي "طالبان" بعد إعلان الحركة إنهاء وقف إطلاق النار. أحدهم، ويدعى محمد الله، قال إن إعلان "طالبان" عدم تمديد فترة وقف إطلاق النار ضربة للجميع.


خلافات داخلية
بعد إعلان إنهاء وقف إطلاق النار، برزت خلافات في صفوف "طالبان" على مستويات مختلفة. وجاءت إقالة زعيم الحركة الملا هيبة الله أخوندزادة، لوزير الإعلام والثقافة فيها الملا أمير خان متقي، وتعيين المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد مكانه، لتؤكد وجود خلافات على مستوى القيادة، على الرغم من أن الحركة بررت ذلك بأن الرجل فشل في تثقيف مقاتلي "طالبان" بشأن وقف إطلاق النار، وأنها لم تكن مصالحة حتى يدخل المقاتلون إلى أرض العدو ويجلسوا معهم على طاولة واحدة. كذلك أمرت الحركة بمعاقبة كل من التقط الصور أو سجل الفيديوهات مع جنود الجيش والمسؤولين في الحكومة.

لم تقف الأمور عند الحد، بل بدأ بعض القادة المحليين بالتفاوض مع الحكومة بوساطة قبلية لوقف إطلاق النار، كما حدث في بكتيا وفي مديرية أزره بإقليم لوجر. حتى إن الأمور وصلت إلى اقتتال بين المقاتلين في الداخل في إقليم بكتيا، أدى إلى مقتل 12 من مقاتلي "طالبان"، بعد خلافات بين من يريد استمرار وقف إطلاق النار ومن يطالب بإنهائه.

القبائل تتحرّك
مشكلة كبيرة أخرى ظهرت أمام "طالبان"، هي مواجهة الشعب الذي تمتّع بثلاثة أيام من الهدوء والراحة والاستقرار. فمنذ ذلك الحين تستمر الاحتجاجات والمسيرات القبلية والشعبية في مناطق مختلفة من جنوب البلاد، كإقليم قندهار وزابل وهلمند، مع دعوات تطلقها القبائل لـ"طالبان" تطالبها بالدخول في وقف لإطلاق النار ومن ثم التفاوض مع الحكومة. ومع إصرار القبائل على هذا المطلب، مقابل استمرار "طالبان" في الرفض، فإن الفجوة تزداد بين الطرفين. ففي إقليم بكتيا، جنوبي البلاد، بدأت القبائل حراكاً قبلياً لتأسيس منطقة آمنة لـ"طالبان" يكون فيها مكتب للتفاوض، وتضمن القبائل الأمن فيها. وأعلنت القبائل وقوفها ضد أي طرف يرفض هذا المطلب وأنها لن تترك له موطئ قدم في الإقليم.

هذا التطور تسعى الحكومة الأفغانية لاستغلاله، والدفع لجعل هذه الظاهرة تتمدد إلى بقية الأقاليم، وبالتالي وضع القبائل في مواجهة مع "طالبان". ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، ففي الشهر الماضي اجتمع نحو 2500 عالم دين في العاصمة كابول بإشراف من الحكومة الأفغانية، وأصدروا فتوى ضد الحرب في أفغانستان، اعتبروا فيها الحرب بين المسلمين وكل العمليات العسكرية محرّمة. هذه الفتوى أعطت للحكومة الأفغانية فرصة جديدة لإطلاق حملة إعلامية ضد حركة "طالبان"، واعتبار حربها غير شرعية ولا أساس لها في الدين، وأظهرت أنها مرفوضة من أطياف الشعب المختلفة، لا سيما الطيف الديني.

وفي خضم هذه التطورات، التي لا تصب في صالح "طالبان"، جاءت دعوة إمام الكعبة والمسجد النبوي الشيخ عبدالله البعيجان، يوم الجمعة الماضي، أطياف الصراع الأفغاني إلى المصالحة. هذه الدعوة التي تضعف موقف الحركة، تشير أيضاً إلى مدى نجاعة موقف الحكومة الأفغانية في إقناع دول المنطقة بالوقوف معها ضد حرب "طالبان".
لكن مقابل كل ذلك، تستمر "طالبان" في إصرارها على الحرب ورفض الحوار مع الحكومة الأفغانية بذريعة أنها عميلة، وهو أمر يجعلها أمام منعطف خطير، فالإصرار على الحل العسكري لا يصب في مصلحة "طالبان"، خصوصاً بعد التغير في موقف الشعب ودول المنطقة وداخل الحركة نفسها.

المساهمون