الاعتراضات الفرنسية تعرقل الخطة الأوروبية لاحتواء المهاجرين

الاعتراضات الفرنسية تعرقل الخطة الأوروبية لاحتواء المهاجرين

18 مايو 2015
رفعت فرنسا لواء "نظام الحصص" قبل رفضه (فرانس برس)
+ الخط -
بخلاف كل التوقّعات، أشهرت فرنسا رفضها لـ"نظام الحصص" الذي اقترحته المفوضية الأوروبية، يوم الأربعاء، في إطار جهودها لبلورة خطة أوروبية لاحتواء التدفق الهائل للمهاجرين غير الشرعيين عبر البحر المتوسط. وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، رفضه "نظام الحصص" في زيارة مفاجئة للحدود الفرنسية الإيطالية، برفقة وزير الداخلية برنار كازنوف، مؤكداً أن "هذا الاقتراح الأوروبي لا ينسجم مع السياسة الفرنسية بخصوص الهجرة وحق اللجوء السياسي". وقال "حقّ اللجوء مبدأ دولي وكل الدول الأوروبية تطبّقه حسب شروط محددة، ولا يمكن أن يخضع هذا الحق لنظام الحصص".

وحسب آخر الإحصائيات الأوروبية، فقد تم تسجيل 626 ألف طلب للجوء في دول الاتحاد الأوروبي في عام 2014، وغالبية هذه الطلبات مصدرها مواطنون من سورية وأفغانستان وكوسوفو. فضلاً عن وجود توزيع غير متكافئ لهذه الطلبات، فألمانيا هي الدولة الأكثر استقطاباً لهذه الطلبات بنسبة 32 في المائة، وتحلّ السويد ثانياً بنسبة 13 في المائة، وفرنسا في المرتبة الثالثة، بنسبة 10 في المائة.

وفي معرض رفضه لـ"نظام الحصص" الأوروبية، ذكّر فالس، بأن "فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا تتحمّل وحدها 75 في المائة من اللاجئين في أوروبا". كما ذكّر بالجهود الفرنسية المبذولة بخصوص اللجوء، وقال إن "فرنسا منذ عام 2013 منحت حق اللجوء لـ5000 لاجئ سوري و4500 لاجئ عراقي، وهو رقم مرتفع بالنسبة لبعض دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ومن بينها دول لا تمنح بالمطلق هذا الحق مثل رومانيا وكرواتيا وإستونيا وتشيكيا".

وللتذكير، فإن الخطة الأوروبية المقترحة تنطلق من مبدأ تخفيف الضغط على البلدان المعنية بشكل مباشر بهذه الظاهرة، وتحديداً إيطاليا واليونان ومالطا، ومساعدتها مالياً ولوجستياً في عمليات استقبال المهاجرين غير الشرعيين، الذين تجاوز عدد الناجين منهم من قوارب الموت أكثر من 80 ألف شخص. وتقترح الخطة وضع "نظام حصص" واضح، تلتزم بموجبه كل دولة باستقبال عدد محدد من المهاجرين غير الشرعيين.

اقرأ أيضاً: "ستاتيكو سوتشي"... إدارة الاختلاف

أما الشق الثاني من الخطة، فيقترح تسهيل الهجرة الاقتصادية الشرعية، بعد اقتناع المفوضية بأن سياسة غلق الأبواب في وجه الهجرة الشرعية، هي التي تساهم بشكل أساسي في الهجرة غير الشرعية. وترى المفوضية أن "على الدول الأوروبية إعادة النظر في سياسة الهجرة الشرعية، لأن الوسيلة الوحيدة لاستقرار المهاجرين فيها حالياً، هي حق اللجوء السياسي، في حين أن كل طلبات الهجرة الشرعية يتم رفضها بشكل مبدئي".

غير أن رفض رئيس الوزراء الفرنسي لـ"نظام الحصص" لم يكن بهذا الوضوح، حين أفاد بأن "فرنسا تقول إن توزيع اللاجئين على دول الاتحاد الأوروبي يجب أن يستند على نظام متوازن ومتكافئ، مع أخذ جهود الدول التي تستقبل أعداداً كبيرة من اللاجئين بعين الاعتبار".

وهو بالضبط ما تسعى إليه المفوضية الأوروبية، التي أكدت في مقترح الخطة أنها "تريد توزيعاً عادلاً لعدد اللاجئين في الدول الأوروبية وفق شروط محددة، تأخذ في الاعتبار عدد السكان ونسبة البطالة والناتج الداخلي العام" وأيضاً، وهذا ما يقوله فالس، "الجهود التي تبذلها كل دولة في استقبال اللاجئين".

وبدا الموقف الذي اتخذه فالس متناقضاً مع التوجه العام للسياسة الفرنسية والترحيب الرسمي بالخطة الأوروبية. ولا يفهم المتابعون كيف أن فالس انتظر ثلاثة أيام كاملة بعد عرض المقترحات الأوروبية كي يعلن رفضه لها. كما أن تصريحاته تتناقض مع تصريحات أخرى لوزير الداخلية، برنار كازنوف، الذي أكد يوم الأربعاء في حديث لإذاعة "أر تي أل"، يوم عرض المقترحات الأوروبية، أن "مقترح نظام الحصص هو في الأساس فكرة فرنسية".

ويرى المراقبون أن ثمة نفاقا فرنسيا واضحا بخصوص الموقف من المقترحات الأوروبية، فللمرة الأولى تضمّ فرنسا صوتها إلى بريطانيا، الخصم التقليدي لسياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي، ومن شأن هذا الموقف نسف كل الجهود الأوروبية لمعالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية. خصوصاً أنها المرة الأولى التي يتخلى فيها الاتحاد عن سياسة "النعامة والتدابير الوقائية الفاشلة"، ويحاول تقديم مقترحات ملموسة لحلّ هذه المعضلة.

ويبقى التفسير الوحيد لهذا التخبّط الفرنسي بخصوص المقترحات الأوروبية، هو أن إعلان فالس الرفض الفرنسي، بمثابة توجيه رسالة سياسية داخلية إلى الناخب الفرنسي، تعكس حزم الحكومة بخصوص سياسة الهجرة، وقطع الطريق على مزايدات المعارضة اليمينية واليمين المتطرف في هذا الشأن.

ولا شك أن اختيار الحدود الفرنسية الإيطالية لإطلاق هذه التصريحات لا يخلو من الدلالة، فقد قامت السلطات الفرنسية في الأسابيع الأخيرة بإبعاد حوالى 1000 مهاجر غير شرعي حاولوا الدخول إلى فرنسا انطلاقاً من الأراضي الإيطالية.

وقد كثفت السلطات من دورياتها في الطرق الرابطة بين فرنسا وإيطاليا، وعلى متن القطارات التي يستقلها المهاجرون في اتجاه الأراضي الفرنسية. وهذا ما دفع بفالس إلى فتح جبهة خلافية أخرى مع الاتحاد الأوروبي، في خضمّ تصريحاته عن "نظام الحصص"، بدعوته إلى "تغيير سياسة الحدود المفتوحة في فضاء شنغن، الذي يكفل حرية تنقل الأشخاص والبضائع بين دول الاتحاد الأوروبي وإقامة نظام أوروبي جديد لحماية الحدود الداخلية الأوروبية من تدفق المهاجرين، ومن الشبكات التي تتخذ من تهريبهم تجارة مربحة".

اقرأ أيضاً: أوروبا مُتهمة بـ"الهجرة غير الشرعية"