جدل تونسي حول إطلالة سيف الطرابلسي

جدل تونسي حول إطلالة سيف الطرابلسي

25 فبراير 2015
الاعتذار غير كاف المطلوب إعادة الأموال المنهوبة
+ الخط -
أثارت الإطلالة الإعلامية لسيف الطرابلسي، ابن شقيق ليلى، زوجة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، موجة كبيرة من الجدل الذي اختلط فيه الغضب بالحشرية للاطلاع على تفاصيل نظام الحكم المافيوزي، الذي حكم تونس على مدى أكثر من  عقدين من الزمن.

وأطل سيف في برنامج "لمن يجرؤ فقط"، على قناة تلفزيونية تونسية. وحققت حلقته أعلى نسبة مشاهدة بحصولها على أكثر من سبعين في المائة. وشغلت التونسيين خلال اليومين الماضيين، وأُثير الجدل حول معنى هذا الظهور في هذا التوقيت بالذات، وإن كان بداية تطبيع مع عائلة "الطرابلسي" بعد التطبيع مع بعض رموز النظام القديم. فيما اعتبرته بعض الشخصيات السياسية التونسية محاولة لتبييض "الطرابلسية" وتلميع صورتهم برغم الاعتذار الذي قدّمه سيف إلى الشعب التونسي باسم العائلة.

اقرأ أيضاً ("إعادة نظام بن علي" عبر الإعلام تُغضب التونسيين)
وقدّم سيف الطرابلسي اعترافات وحقائق لافتة حول الرئيس المخلوع منذ بدايات علاقته بليلى الطرابلسي، وصولاً إلى تعرّض شقيقه عماد إلى محاولة اغتيال صدرت بأوامر من بن علي نفسه، بحسب سيف، بسبب كشف عماد لعلاقات مشبوهة للرئيس المخلوع مع بعض "العشيقات"، قال إنهن نجمات فن وإعلام، وتجرأ ببوح هذا السر إلى ليلى.
وكشف سيف معطيات عن يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011، حين أُجبر بن علي على الفرار من تونس وحالة الارتباك التي عاشتها العائلة الحاكمة، إلى جانب تواصل ليلى مع عائلتها في تونس بعد الثورة، سواء كان ذلك عبر الهاتف أو عن طريق برنامج "سكايب"، وإرسالها الأموال إليهم حتى اليوم.
وتحدث عن خيبة أمل بن علي في عدد من وزرائه كمحمد الغنوشي، رئيس الوزراء الأسبق، وبعض المحيطين به في القصر.

وعلى الرغم من أنّ سيف ليس شخصية هامة في العائلة المافيوزية، ويأتي في أسفل سلم التأثير المالي والسياسي "للعائلة المالكة" كما كانت تُسمى في تونس، فإن ظهوره شكل صدمة لكثير من التونسيين. وجاءت أولى ردود الفعل على ظهور سيف من عدنان منصر، المستشار السابق للرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي، الذي علّق على صفحته الاجتماعية، قائلاً إن "الثورة كانت شيئاً جميلاً، أملاً للفقراء وحلماً للأحرار، لكنها سقطت أحياناً كثيرة في يد مستثمرين سيئين، أساؤوا لها وللأمل وللحلم".

تصريحات منصر التي عبرت عن خيبة أمل في ظهور من وصفهم بالجلادين، لا تقل عن خيبة أمل بعض السياسيين، إذ اعتبر القيادي في  حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، سمير بن عمر، في حديث لـ"العربي الجديد" انّ "معظم الاعترافات والتصريحات التي أدلى بها سيف لم تأت بجديد، خصوصاً وأن غالبية هذه الاعترافات يعرفها الشعب التونسي، لاسيما تلك المتعلقة بتجاوزات الطرابلسية".
وأضاف بن عمر "جميعنا يدرك أن النظام السابق هو "مافيوزي" مكوّن من عصابة ولصوص. كنا نعرف أنّه لا وجود لدولة ولا لجمهورية، وبالتالي هذه التصريحات لم تقدم لنا الجديد".
وأكدّ بن عمر أنّ الاعتذار مسألة هامة وقد يخفف على الضحايا، ولكنه غير كافٍ لأن على الشخص أن يقرّ بذنبه لا أن يقول إن الطربلسية فيهم الجيد والسيىء، مبيناً أن المصالحة تكون بإرجاع ما سُرق ونُهب من مليارات.
بدوره، رأى الأمين العام للتيار الديمقراطي، محمد عبو، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ  "قدوم أحد الأشخاص ممن قامت ضدّهم الثورة إلى التلفزة أمر ممكن، خصوصاً أنه لا يوجد أي مانع قانوني من استضافة أحد أفراد العائلة الحاكمة". وبيّن أنّه "لا يجب تبسيط الجرائم التي ارتكبت في العهد البائد لأن تجاوزات الطرابلسية كثيرة".
وقال عبو إنه "كان يجب دعوة أشخاص متضررين من الطرابلسية كي يقدّموا الرأي الآخر". وأكّد أنّه يجب على وسائل الإعلام ألا تقدم هؤلاء الأشخاص باستمرار، لأنهم يسعون إلى تلميع صورتهم والظهور بمظهر أبرياء. وقال إن البعض يركز على شهداء الثورة، عند الحديث عن ضحايا النظام السابق، ولكن هناك شهداء آخرون لا يذكرهم الإعلام، وهم ضحايا الاستبداد والجوع والفقر.
بدوره، اعتبر القيادي في "الشعبية"، زياد لخضر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الإشكال لا يكمن مع الأشخاص أي الطرابلسية. بل مع نظام بأكمله وطريقة حكم كانت قائمة على الظلم والفساد". وأضاف لخضر أن ممارسات النظام السابق "للأسف لم تزل متواصلة إلى غاية اليوم؛ فالضغوطات تمارس على دوائر الحكم لتلبية رغباتهم".

من جهة ثانية، علقت محامية عائلات شهداء وجرحى الثورة، ليلى حداد، على إطلالة سيف وتصريحاته، وقالت لـ"العربي الجديد" إن ظهوره يماشي منهج بعض وسائل الإعلام في تبييض رموز النظام السابق مع الواقع السياسي. واعتبرت أن هذه المماشاة تكرّس ضمنياً بروز العديد من الشخصيات المحسوبة على النظام السابق للترشح في مجلس النواب، وحتى تعيينهم في وزارات.

وأضافت ليلى أنّ ظهور سيف هو في ظاهره سبق إعلامي في معرفة بعض تفاصيل، أو تجاوزات العائلة الحاكمة التي تمثلت في حياة المجون والترف، ولكن بدون الدخول في فتح ملفات الفساد وتورّط هذه العائلة في سرقة المال العام. وتابعت أن في باطنه استدراج الرأي العام لتجاوز أخطاء هؤلاء وعدم طلب المحاسبة.
وقالت حداد إنّ "ظهور سيف الطربلسي هو رسالة أيضاً للقضاء الوطني الذي أطلق سراح أكثر المتورطين في الفساد بحجة أن الملفات فارغة أو تجاوزوا مدة الإيقاف التحفظي، وفي هذا دليل أيضاً على ضعف القضاء في المحاسبة خصوصاً أن سيف أكد بأن العائلة تورطت في نهب المال العام".
وشدّدت على أنّ "ظهور سيف ينسف مسار العدالة الانتقالية ودور الهيئة وتجاوز صلاحيتها لتصبح البرامج التلفزية فضاء بظهورهم في صورة الأبطال وهم يقدمون اعتذاراتهم".

المساهمون