مناطق الهدن في محيط دمشق... حياة اللاحرب واللاسلم

مناطق الهدن في محيط دمشق... حياة اللاحرب واللاسلم

18 نوفمبر 2016
يواصل سكان مناطق الهدن حياتهم بحذر (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
لم يتردد النظام السوري طوال سنوات في اللجوء إلى سياسة الحصار والتجويع والقصف قبل أن يتمكن من فرض اتفاقات عرفت باسم "هدن الجوع"، إذ إنها تمحورت حول وقف القصف والاشتباكات التي تتعرض لها المناطق المحاصرة مقابل السماح بإدخال المواد الغذائية وحركة المدنيين غير المطلوبين أمنياً. وتحول هذا الوضع إلى أمر واقع في مناطق عدة تقع في محيط العاصمة السورية دمشق على غرار برزة، وببيلا، ويلدا، وبيت سحم، وعقربا.

وتحاصر القوات النظامية والمليشيات الموالية لها، منذ عام 2012، عشرات الآلاف من المدنيين في جنوب دمشق بمناطقه المهادنة باتفاقات علنية أو بحكم الأمر الواقع - كمناطق تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أو جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً). وتعتمد قوات النظام في حصارها على حواجز ترابية مدعمة مرتفعة، إضافة إلى نقاط قنص وحراسة ودشم تساندها مدرعات ثقيلة. في مقابل ذلك تترك قوات النظام معبرين لحركة دخول المدنيين والبضائع، الأول في ببيلا والثاني في حي العسالي. وأطلق الأهالي اسم "ميدنا" (من مأذنة) على المعبر في حي العسالي.



تقول أم مهند، ربة منزل في الخمسينيات من العمر، وهي نازحة اضطرت للخروج من منزلها من مخيم فلسطين جنوب دمشق منذ عام 2012 باتجاه العاصمة السورية، في حديث مع "العربي الجديد" إنه "بعد اتفاق الهدنة الأخير في جنوب دمشق، أصبحت أختي المقيمة في ببيلا قادرة على دعوتي لزيارتها، وقد دخلت إلى الآن مرتين، ورافقتني للاطمئنان على منزلي على أطراف مخيم فلسطين". وتضيف "لا أستطيع أن أصف مدى سعادتي وأنا أرى بيتي بعد أكثر من 4 سنوات، والحمد الله أنه على حاله لم يتهدم كغيره، حتى أن الأثاث بغالبيته مازال موجوداً".

تروي السيدة الفلسطينية كيف أنها في المرة الأولى أدخلت كمية قليلة من المواد الغذائية كهدية لعائلة أختها. وتضيف "أخرجت معي قطعة كهربائية منزلية كنت في حاجتها، إضافة بعض الملابس التي اشريتها، والتي هي أرخص من مثيلاتها في مناطق النظام، وذلك يشمل أسعار الأدوات المنزلية الكهربائية أو غير الكهربائية". وتلفت إلى أن "حواجز الفصائل المسلحة والنظام كانت تسمح في البداية بنقل مثل هذه الأغراض، إلا أنها أخيراً فرضت العديد من القيود، إذ أصبح إخراج أي قطعة بحاجة إلى معرفة بعناصر الحواجز أو دفع مبالغ مالية مقابل ذلك".
وتوضح أم مهند أن "عملية الدخول إلى ببيلا لم تكن معقدة". وتصف مراحلها في حديث مع "العربي الجديد" بالقول "وصلت إلى حاجز القوات النظامية باكراً ووقفت ضمن صف الداخلين. أخذوا بطاقتي الشخصية وفتشوني وفتشوا أغراضي، ومن ثم وصلنا إلى حاجز القوات المعارضة والذي يبعد نحو 250 متراً، والذي يقوم بالإجراءات نفسها لأجد ابن أختي في انتظاري. طبعاً في الداخل أعداد كبيرة من الناس، بل فوجئت بالحركة داخل ببيلا، فهناك محال تجارية وبسطات، إضافة إلى حركة جيدة للناس والأطفال في الشوارع". أما بالنسبة لرحلة تفقّد منزلها فتقول "عندما ذهبنا للاطمئنان على منزلي اضطررنا للبس النقاب الأسود، لأنه يقع في منطقة خاضعة لجبهة النصرة أو فتح الشام الآن. لكن على كل حال لم يتعرض لنا أحد ونحن حاولنا ألّا نتجول في منطقتهم، حتى أن الحركة كانت خفيفة مقارنة ببيلا"، على حد وصفها.
من جهته، يشرح الناشط الإعلامي في جنوب دمشق، أحمد مصطفى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "معبر ببيلا هو خاص باتفاق هدنة ببيلا ــ يلدا ــ بيت سحم، والمسؤول عنه من جهة النظام هو فرع فلسطين التابع للاستخبارات العسكرية". ويوضح أنه "يُسمح عبره بحركة المدنيين من هذه المناطق بشكل مباشر، علماً أن غالبية الحركة تقتصر على النساء والأطفال وكبار السن، وجزء ضئيل جداً من الشباب الذين أجروا تسوية لأوضاعهم، منهم طلاب ومنهم موظفون". من جهة ثانية، يشير مصطفى إلى أن "من يطلق عليهم الغربتلية (مشتقة من غرباء وهي تسمية تستخدم لوصف من هم ليسوا من أبناء هذه المناطق ويرغبون بالخروج لمناطق النظام أو استقبال أقارب لهم)، فهم مضطرون لأن يسجلوا أسماءهم أو أسماء أقاربهم لدى لجنة مختصة بانتظار الرد، والذي قد يستغرق أياما عدة ليحدد بالموافقة أو الرفض. علماً أنه لا ضمانات بعدم اعتقالهم من قبل النظام، فكل من يخرج أو يدخل يكون ذلك على مسؤوليته الشخصية".
ووفقاً للناشط نفسه، فإنه "في بداية تطبيق الاتفاق كان يسمح للأهل بإخراج بعض الأدوات المنزلية، إلا أن حواجز المعارضة والنظام سرعان ما قيدت الأمر، فاقتصر الوضع على إخراج البضائع من المستودعات والورش الكبيرة، لصالح أشخاص محددين بالاتفاق مع ضباط النظام ومقابل مبالغ مالية. أما إخراج الأدوات المنزلية فبقي قسراً على الواسطة، ما جعله في حدوده الدنيا، في وقت يسمح النظام لتجار معروفين بإدخال الحاجات الأساسية والحطب، مقابل مبالغ مالية متوافق عليها".
ويلفت مصطفى إلى أن "المعبر الثاني في جنوب دمشق هو في العسالي، ويشمل القدم والعسالي والحجر الأسود، وكان لداعش دور مهم في إقراره، وهو معبر أقل تقييداً من معبر ببيلا"، على حد وصفه.

ووفقاً لمصطفى "يسمح بخروج ودخول الجميع من نساء وأطفال وكبار السن ما عدا الشباب، في وقت تعتبر حركة البضائع قليلة جداً بسبب قلة التجار، في حين تفرض القيود نفسها على إخراج الأدوات الكهربائية في المعبرين". ويوضح أنه "يتجمع كل من سجل اسمه راغباً بالخروج، في الصباح الباكر بالقرب من الحاجز التابع للفصائل، وتتم عملية الإخراج في مجموعات عبر حافلة صغيرة إلى حاجز النظام الذي يبعد نحو 800 متر، ويستمر هذا الخروج حتى الساعة 12 ظهراً، ليبدأ موعد الدخول إلى الساعة الـ4 عصراً".
وعن الحياة داخل جنوب دمشق، يبين مصطفى أن "نحو 90 في المائة من سكان جنوب دمشق يعانون من البطالة والفقر المدقع". ويشير إلى أنهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية من المنظمات الدولية والمحلية، والتي تعتبر أساساً لتبادل البضائع مع ما يتوفر في السوق.
كما يتوقف مصطفى عند ظاهرة أخرى، لافتاً إلى أنه "في ظل حياة اللاحرب واللاسلم بدأ الشباب يبحثون عن مواصلة حياتهم، فجزء كبير تزوج ويحلم بطفل يحمل اسمه. علماً أن التقاليد والعادات الخاصة بالزواج قد تغيرت فلا مهر يدفع ولا ذهب يقدم. ويقتصر الأمر على بعض الملابس البسيطة وحفلة صغيرة". كما يوضح أن "هناك شبابا تابعوا تحصيلهم العلمي عبر التعليم عن بعد، علماً أن الهاجس الأكبر لدى الجميع هو مصيرهم المجهول، إذ لا أحد يعلم إلى أين قد تتجه الأمور، وما إذا كانوا سيبقون في مناطقهم أم سيهجرون كأهالي المناطق الأخرى في دمشق وريفها".

المساهمون