الأسئلة العشرة في سيناريو تعويم محمد بن سلمان

الأسئلة العشرة في سيناريو تعويم محمد بن سلمان

29 ديسمبر 2018
جاء العاهل السعودي بإبراهيم العساف إلى وزارة الخارجية(فرانس برس)
+ الخط -
عشرة أسئلة وملاحظات تبدأ ولا تنتهي حول الرسائل والدلائل والنتائج التي يمكن أن تفضي إليها الأوامر الملكية الصادرة من العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، ظهر خميس غير اعتيادي، في المملكة التي تمر بواحدة من أصعب أزماتها الوجودية، منذ تأسيسها قبل أكثر من سبعين عاماً، وحولتها إلى فقرة يومية ثابتة على مدار ما يقارب ثلاثة أشهر، في المشهد السياسي والإعلامي على المستوى الدولي، وما يتبع ذلك من تداعيات اقتصادية، ومجتمعية، هي أقرب للكابوس الذي لا يبدو أن له آخر، يضغط على العائلة الحاكمة.
وتفتح الإجابات وقراءة الرسائل، وفق ما يتوفر من معطيات ومعلومات، باباً جيداً لفهم ما جرى وما قد يجري في مياه السعودية، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، في ضوء جملة من الحقائق التي يكرّسها الواقع منذ عقود، في مقدمتها أن الوزير، وما هو أدنى من ذلك في المملكة، وربما في بلدان كثيرة غيرها في المنطقة، ليس صانع سياسة، إلا في استثناءات نادرة تحكمها درجة القربى من العائلة الحاكمة. وبالتالي فإن ربط تغيير السياسة بتغيير وزير، أو عشرة، أو حتى كل الوزراء، هو ضرب من الوهم الذي لا مبرر له في عالم السياسة.
ثمة حقيقة أخرى، ربما تصلح منطلقاً مناسباً لطرح جملة من الأسئلة، بحثاً عن إجابة تستند إلى المنطق، في هذا المشهد المستجد، وهي أنه ليس من باب المفاجآت في شيء، أن يجري العاهل السعودي، أي عاهل في أية مرحلة، تغييراً واسعاً، أو محدوداً، في التشكيلة الوزارية التي لا تعرف حتى اللحظة تسمية لرئيس حكومة فعلي، غير الملك نفسه. فلماذا إذاً هذا الاهتمام الواسع، وتلك الأهمية البالغة للأوامر الملكية الصادرة يوم الخميس الماضي؟
يبدو ما وراء المشهد، وفي خلفيته، مهماً في الإجابة. المملكة تتلظى برياح تهدد أركان رئيسة فيها تهديداً حقيقياً يصل إلى حد مطالبات دولية، ربما تبدو خجولة حتى الآن، بمحاكمات جنائية بتهم القتل والجرائم ضد الإنسانية، كما الحال في ملفي اليمن، وقتل الصحافي السعودي البارز جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في مدينة إسطنبول التركية.
وفي الخلفية أيضاً، تعنيف، أقرب إلى "المرمطة"، بتعبير مصدر سعودي، داخل الكونغرس في الولايات المتحدة الأميركية، الحليف الأهم للسعودية، والتي لا يتورع رئيسها المتهور، دونالد ترامب، في إطلاق عبارات مهينة، من عينة أنه لولا بلاده ولولا حمايته لانهار حكم آل سعود في ساعات عدة، حددها ذات مرة في اثنتي عشرة ساعة، ومن عينة أنه لولا هذه الحماية التي يكررها بمناسبة حيناً، وبغير مناسبة في كثير من الأحيان، لاحتلت إيران السعودية، ولكانت المملكة "العربية" تتحدث "الفارسية" الآن! ويحدث ذلك، وليس من أحد في النظام السعودي الرسمي يرد.
ماذا عن الأسئلة الأهم إذاً؟

1- لعل السؤال الأهم، هو لماذا الآن، تصدر الأوامر الملكية، ويجري التعديل الوزاري المحدود؟

ربما تكمن الإجابة الأهم، وفقاً لمصدر دبلوماسي، تحدث مع "العربي الجديد"، أن جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي ومستشاره، نصح العاهل السعودي، ونجله ولي العهد محمد بن سلمان، "بضرورة الكف عن التلكؤ، وعمل شيء ما، لم يحدده لهم مفصلاً، ولكنه طالبهم بالسرعة في التغيير لأن الدفاع عن صورتهم أمام الهجوم الضاري في الكونغرس، والإعلام الأميركي، أصبح أمراً أكثر صعوبة، وأن ترامب ربما يضطر، أو يكون مجبراً على اتخاذ خطوة، وربما خطوات صادمة تجاه الحكومة السعودية"، بحد وصف المصدر نفسه.
يضيف المصدر، أن جولة رئيس الاستخبارات السابق، السفير السابق، الأمير تركي الفيصل، حملت نفس الرسائل للعاهل السعودي، ومعها صورة متشائمة من القدرة على حتى التخفيف من الصورة السوداء للنظام السعودي بالولايات المتحدة، داخل الدوائر، ومجموعات الضغط السياسية والإعلامية. فلا أحد هناك مستعد لأن يورط نفسه في تلك المتاهة مهما كانت الإغراءات المالية وغيرها.

2- ما الهدف من التعديل؟

الحقيقة أنه يوجد حزمة أهداف تقف وراء التعديل وتتمثل في اتجاهين، خارجي بالأساس وهو الأهم، ثم داخلي، على قدر لا بأس به من الأهمية، وتتركز بالأساس، في محاولة إيهام الخارج والداخل، بأن ثمة تغييراً يحدث. وقد تلقى النظام السعودي إشارات، شرع في تنفيذ بعضها، قبل إعلان الأوامر الملكية، بضرورة إحداث ضجة وحملة إعلامية كبيرة تواكب إصدارها، ولعل استدعاء مجموعة من الإعلاميين العرب الذين تتكرر وجوههم عبر الفضائيات، محاولين "تبييض وجه النظام"، وفقاً لمصدر سعودي، واجتماعهم مع وزير الإعلام المُقال، يأتي ضمن آليات الحملة، ومن ضمنها أيضاً أنه جرى الاتفاق مع وسائل إعلام غير محلية، لم يسمها المصدر نفسه، للمشاركة في الترويج والدعاية، والتركيز على التغيير في الدائرة الأمنية بالذات، وهي الدائرة المتهمة بتنفيذ جريمة قتل خاشقجي.



3- ماذا حدث، وكيف تم اختيار الوجوه الجديدة؟

تشير القراءة الأولى في الجهات التي جرى فيها التغيير، والإحلال والتبديل، إلى أن العاهل السعودي تولى أمر الوجه الخارجي للتعديل، فقد جاء بإبراهيم العساف، أحد أشهر وزراء المالية في تاريخ المملكة إلى وزارة الخارجية. وهنا تبرز معلومات دالة، فالرجل الذي يوصف في المملكة بأنه المسؤول الأول، وربما الأوحد عن المال السعودي الوفير لسنوات طوال، جيء به من السجن في حملة فندق "ريتز كارلتون" بالرياض التي شنها ولي العهد محمد بن سلمان إلى واحدة من أهم الوزارات، خصوصاً في مرحلة تعاني فيها المملكة دبلوماسياً وضعاً يقترب من التقوقع، والحصار الدولي بالأساس، والإقليمي بدرجة أقل.

4- لماذا تمت الإطاحة بالجبير؟ 

الوضع الدولي الجديد، يفرض إبعاد وزير الخارجية السعودي، السابق، عادل الجبير، وقد كان أول من يتولى الوزارة من خارج آل سعود. فالرجل، ودون نسيان أنه ينفذ ويقرأ ما كان يملى عليه من خطوات وتصريحات، لم يعد مقبولاً في ظل حديث أميركي، وأوروبي، يبرز حيناً، ويخفت حيناً آخر، عن ضرورة حل أزمة فرض الرباعي العربي، السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، الحصار على قطر. وقد كان الجبير صاحب تصريحات تفتقر للياقة والدبلوماسية طوال الأزمة، وحتى الإطاحة به.
والجبير نفسه، ورغم قلة تصريحاته المتعلقة بملف جريمة قتل خاشقجي، أثار سخرية وغضباً وصلا إلى حد التراشق غير المباشر، مع المسؤولين الأتراك، الذين اتهموه بالتضليل والكذب، واستمراره بمنصبه، لن يكون مفيداً بأي حال في أي مسعى سعودي، للتخفيف من الضغط الهائل، وبدبلوماسية هادئة ومتأنية، من الجانب التركي، الذي لا يمكن للسعودية في أزماتها الحالية، أن تكون في موقع صدام معها.
وتشير معلومات، حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر متعددة، أن الجبير في كل الحالات، ومنذ صعود محمد بن سلمان، لم يكن مقدراً له أن يستمر طويلاً في منصبه، بل ربما أدت جريمة القتل والمأزق الذي سببته، في تأخير الإطاحة به.

5 - لماذا اختير العساف الآن؟

تربط مصادر عدة، تحدثت مع "العربي الجديد"، بين اختيار العساف وزيراً للخارجية، خصوصاً أنه هو لم يمارس عملاً دبلوماسياً طوال حياته، وهو ليس صغير السن ليضفي حيوية ما على الدبلوماسية السعودية التي تعاني منذ رحيل الأمير سعود الفيصل عنها، وبين عدد من الاحتمالات في مقدمتها أن النظام السعودي لا يستبعد، حتى اللحظة، أن جريمة قتل جمال خاشقجي، قد تحمل ضمن طرق الخروج من المأزق، تكاليف مالية هائلة، خاصة بالأرصدة السعودية في بنوك الولايات المتحدة الأميركية، يعرف العساف ومعاونوه تفاصيلها الدقيقة.
وعلى المستوى الداخلي، فقد أثار ما حدث لعساف من اعتقال وتنكيل غضباً مكتوماً، لكنه كان واسعاً داخل المنطقة التي ينتمي لها، ولدى شخصيات مهمة في آل سعود يتمتع العساف بعلاقات متينة للغاية معها.
المصادر نفسها، ترجح أن بقاء العساف بمنصبه، ربما لن يستمر طويلاً، لدرجة قول أحد المصادر، أنه ربما سيكون أحد أقصر وزراء الخارجية بقاء في منصبه.

5- أين اختفى خالد بن سلمان؟

لم يكن خافياً على كثير من المراقبين والمتابعين للشأن السعودي، أن السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، الأمير خالد بن سلمان، يجري إعداده وتأهيله ليكون وزيراً للخارجية، في أقرب وقت ممكن، ومنذ صعود شقيقه محمد إلى منصب ولي العهد، إلى درجة أنه جرت بالفعل محاولة تمرينه على إدارة بعض ملفات الخارجية، حتى في وجود الوزير السابق، عادل الجبير، فلماذا لم يأت به الملك؟
نصيحة كوشنر، وهي أقرب للتوجيه، كانت واضحة، "لا تأتوا به الآن، قبوله سيكون أقرب للمستحيل أميركياً وغربياً"، بحسب ما يكشف مصدر دبلوماسي عن النصيحة الموجهة. ويوضح المصدر نفسه في حديثه مع "العربي الجديد": "قال لهم، يعني كوشنر، إذا جئتم به الآن، فذلك قد يؤدي إلى زيادة ضغوط الكونغرس على الرئيس ترامب. أن يتوارى الآن أفضل، فلا هو ولا أنتم، ولا نحن، يمكن أن نتحمل ذلك في ظل اتهامات إعلامية وبرلمانية له، بأنه أدى دوراً ما في جريمة قتل جمال خاشقجي"، وقد استجاب العاهل السعودي للنصيحة.



6- حصة داخلية للعاهل السعودي، كيف؟

ربما يدخل تعيين الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز، أميراً لمنطقة عسير، ضمن ما يمكن وصفه بالمفاجأة، فهو أحد القادمين من معتقل "الريتز"، بما يفترض أنها تهم بالفساد تولى هندستها محمد بن سلمان، ولكن المفاجآت في السياسة السعودية الخاصة بالتعيين، والإطاحة أيضاً، ربما تخرجها أصلاً من المفهوم المتعارف عليه "للمفاجأة".
وليس عصياً على الفهم، قطعاً، أن تعيين الأمير تركي ومعه تعيين الأمير بدر بن سلطان نائباً لأمير منطقة مكة المكرمة، والأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل رئيساً للهيئة العامة للرياضة، والأمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز أميراً لمنطقة الجوف، وأمراء آخرين، يأتي ضمن خطوات العاهل السعودي لما يمكن وصفه بمحاولة لم شمل العائلة، وتوحيد صفوفها من جديد، وهي التي عانت، ومازالت تعاني تشققات وتصدعات هائلة في جدرانها، أحدثتها قرارات، وتصرفات ابنه، ولي عهده، وشملت سجن وتشريد عدد من أبناء عمومته الأمراء.

7- حصة محمد بن سلمان، ما هي؟
إذا كان العاهل السعودي تفرد بأبرز قرار في هذا التغيير، مع ملاحظة أن الأوامر الملكية من ناحية الشكل صدرت جميعها باسمه، فقد كانت للابن ولي العهد، محمد بن سلمان، حصة لا بأس بها، تركزت بالأساس في شؤون داخلية، ما زال يراهن عليها في محاولة إحكام السيطرة محلياً، وتلميع صورة جللها السواد خارجياً، بسبب دور يتهم به في جريمة قتل خاشقجي. فقد كان واضحاً غضبه من وزير الإعلام الذي أطيح عواد العواد، بسبب فشله الذريع في الدفاع أو حتى التخفيف من الضغط، أمام هجمة إعلامية دولية على الرغم من أنه كان يصعب التصدي لها، بعد أن اتسع مداها، ولم يكن ممكناً أن يفلح الإعلام السعودي البائس، بحد وصف المتخصصين من السعوديين أنفسهم، في مواجهة إعلام عربي ودولي يملك مقومات مهنية وأخلاقية بدرجات متفاوتة، لكن أضعفها يفوق بسنوات ضوئية الإعلام في المملكة العربية، الذي لم يعد يمتلك سوى المال، وفقط.

8- هل غاب مستشارو محمد بن سلمان عن المشهد؟
الإجابة الأقرب للواقع، هي كلا، فوزير الإعلام الجديد، تركي الشبانة، أحد المقربين من سعود القحطاني، الذي قيل، دون أي دليل، أنه تم إبعاده عن المشهد، وهو المتهم تركياً ودولياً، بأنه على رأس من أشرفوا مباشرة على جريمة قتل خاشقجي. كما أن الشبانة ضمن الدائرة الأقرب لرئيس هيئة الشباب والرياضة، السابق، تركي آل الشيخ، والذي انتقل إلى رئاسة هيئة الترفيه.

9 - لماذا هذا الثنائي؟

الثنائي هنا، هما وزير الإعلام الجديد، الشبانة، والقديم الجديد، آل الشيخ، والإجابة واضحة إلى درجة كبيرة، وفقاً لوصف مراقب للشأن السعودي، ذلك أن محمد بن سلمان، ما زال يراهن على ورقتين لإعادة تعويمه، الأولى هي "صفقة القرن"، التي تمر بمطبات ومآزق متتالية قد تؤدي في أغلب الترجيحات إلى العصف بها. وأما الأخرى فهي ما يحاول ترويجه من خطوات، يتصور أنها "إصلاحية"، وأنها يمكن أن تعيد إليه بعض القبول، بالتركيز على إحداث تغييرات هائلة بالمعيار السعودي المحلي، في سلوكيات المجتمع، بالمزيد من التركيز على الترفيه والانفتاح على أشياء جديدة على هذا المجتمع، ثم الترويج لها إعلامياً، بإشراف الوزير الجديد، الآتي من قنوات "روتانا" الترفيهية، بكل ما يستدعيه ذلك من تصور.

10- ماذا عن تغييرات الدائرة الأمنية؟
ترجح مصادر سعودية، تحدثت مع "العربي الجديد"، أن التغيير المحدود في الدائرة الأمنية التي يرأسها محمد بن سلمان، تم بما يشبه التفاهم مع والده العاهل السعودي، فقد تلقيا معاً نصائح، وتوجيهات متتالية من كوشنر، ومسؤولين أميركيين آخرين، بضرورة إحداث تغيير في المنظومة الأمنية، والعمل على الترويج لذلك بكل قوة، لعلها تفلح في إقناع أحد ما بأن ثمة تغييراً جرى.

ملاحظات على المشهد

تبقى ملاحظات أخرى على الأوامر الملكية، وإن بدت أقل لفتاً للانتباه، لكنها تبقى على درجة كبيرة من الأهمية، فهناك رسائل واضحة، من اختيار الأسماء من داخل العائلة الملكية، ومن عائلات معروفة أيضاً، وإن ارتبطت بها، عنوانها العريض هو "الترضية وجبر الخواطر"، لمن تم اعتقالهم هم أنفسهم، أو من القريبين منهم في حملة "الريتز".
وليس بعيداً عن ذلك تعمد عدم لفت الانتباه لدور محمد بن سلمان، المعني الأول بمحاولة التعويم هذه. لكن يبقى السؤال الأهم، هل يجدي ما حدث، ويكفي عن التغيير الحقيقي الذي يطالب به العالم؟
صحيح أن الأيام حبلى بالمفاجآت، لكن المعطيات الحالية تقول بعنوان عريض: لا.