صمت فتريث في بريطانيا تجاه الاحتجاجات الإيرانية

صمت فتريث في بريطانيا تجاه الاحتجاجات الإيرانية

03 يناير 2018
لا تلتزم بريطانيا الخط الأميركي بالعداء المفتوح لإيران (Getty)
+ الخط -
تريّث وترقّب حذر يسودان ردود فعل الساسة البريطانيين تجاه الاحتجاجات التي تعمّ المدن الإيرانية منذ يوم الخميس الماضي؛ فبعد صمت دام حتى يوم أمس، دعت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، السلطات الإيرانية للحوار مع المتظاهرين، بينما لا يزال رئيس "حزب العمال" المعارض، جيريمي كوربن، ملتزماً الصمت.

ويبدو أن الموقف الحكومي البريطاني الخجول حتى الآن مرتبط بمدى تطور الأحداث في المدن الإيرانية. فالحكومة البريطانية تتجنب إطلاق أي تصريحات يمكن أن تدفع باتجاه تدهور العلاقات مع إيران، وخاصة في ظل عدم اتخاذ التظاهرات لأي شكل نهائي حاسم، وذلك لأن بريطانيا لا تلتزم الخط الأميركي بالعداء المفتوح ضد إيران، بل إن وزير خارجيتها، بوريس جونسون، كان قد زار طهران الشهر الماضي، ليؤكد على استمرار الاتفاق النووي. كما ناقش في تلك الزيارة احتمال إطلاق إيران سراح مواطنة بريطانية محتجزة في طهران بتهمة التجسس.

ويوم أمس، دعت تيريزا ماي، على لسان متحدث باسمها، إيران إلى الحوار مع المتظاهرين حول القضايا التي يطالبون بها. وقال المتحدث ذاته: "نعتقد بضرورة وجود حوار ذي معنى حول القضايا الهامة والشرعية التي يطالب بها المتظاهرون، ونرغب في أن نرى السلطات الإيرانية تسمح بذلك".

أما وزير الخارجية البريطاني، فقد أخذ موقفًا أقل جرأة من رئيسة الوزراء، مطالباً بضبط النفس والابتعاد عن العنف، قائلاً: "نأسف للوفيات التي حصلت في تظاهرات إيران، وندعو جميع الأطراف المعنية إلى الامتناع عن العنف والالتزام بالمعايير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان".

أما جيريمي كوربن، رئيس أكبر الأحزاب المعارضة، فقد التزم الصمت حيال المطالب التي تحملها التظاهرات الإيرانية، وإن كانت تصريحات كوربن حول ما يجري خارج الجزر البريطانية نادرة.

ولكن النائبة عن "حزب العمال"، إيميلي ثورنبيري، والتي تشغل أيضاً منصب وزيرة الخارجية في حكومة الظل المعارضة، اتخذت موقفاً وسطاً من التظاهرات، متذرّعة بتعذر التأكد مما يجري في إيران. وقالت ثورنبيري: "لا تزال الصورة المحيطة بالتظاهرات في إيران غير أكيدة، ويجب أن يتبنى السياسيون الغربيون الحذر عند ادعائهم فهْم أصلها وتنظيمها وأهدافها، عندما لا يزال العديد من الخبراء الإيرانيون يجاهدون لمعرفة ذلك".


وأضافت: "إلا أن أمراً واحداً فقط واضح تماماً: يجب وضع حد لتصاعد العنف، ويقع عبء ذلك بشكل أساسي على السلطات الإيرانية بأن تردع شرطتها، وتسمح للتظاهرات السلمية والديمقراطية بالتواصل، وأن تسمح بالحوار السياسي بحيث يمكن طرح كامل المطالب السياسية والاقتصادية والتعامل معها".

أما الصحافة البريطانية، وعلى عكس سياسيي البلاد، فقدمت تغطية واسعة للوضع في إيران، وحاولت تحليل الأسباب الكامنة وراءه. واتفقت الصحف، بمجملها، على "الطابع الشعبي" للتظاهرات الإيرانية، وأكدت على أن جمهورها يختلف عن جمهور التظاهرات التي سبقتها في عام 2009.

وترى صحيفة "ذي غارديان" أن هذه التظاهرات "تشكل التحدي الأكبر للنظام الديني في إيران، بعد أن اتخذت المطالب الشعبية بعداً سياسياً يطالب بإسقاط النظام". كما قارنت الصحيفة حجم المظاهرات وانتشارها ومطالبها بنظيرتها التي أطاحت بنظام الشاه عام 1979.

وعزت الصحيفة التظاهرات الإيرانية إلى عدة أسباب، يشكل العامل الاقتصادي العمود الفقري لها. وبينما تشكل البطالة والفقر ومشاركة الشباب في التظاهرات عناصر مشتركة بين جميع المدن الإيرانية، توجد عوامل محلية تختلف من منطقة إلى أخرى؛ فالصحيفة ترى أن إهمال الحكومة المركزية للمناطق ذات الأغلبية الكردية هو السبب وراء تفاقم الاحتجاجات وانتشارها في مدن مثل كرمانشاه، بينما كانت التظاهرات الأولى قد دعا إليها رجال دين في مشهد، معقل المعارضة للرئيس الإيراني الإصلاحي، حسن روحاني.

وتعتقد الصحيفة أن النظام في طهران بحاجة للإصلاحيين الذي قادوا تظاهرات عام 2009، والذين قمعهم النظام ذاته منذ ذلك الحين، وهمّش دورهم السياسي. كما أن غياب الإصلاحات السياسية خلال عهد روحاني، ومن ثمّ غيابها بين الإصلاحيين والمحافظين، دفع الشباب إلى الشارع للمطالبة بإسقاط نظام لا يرون أنهم يستطيعون التأثير فيه.

وتؤكد صحيفة "إندبندنت" على صعوبة تحديد أصول هذه التظاهرات كونها تجسد مطالب متعددة للشرائح المختلفة في المجتمع؛ فبينما يطالب طلاب الجامعات بإيجاد فرص عمل، ينادي العمال بزيادة في الأجور، ويعترض الجميع على غلاء الأسعار. أما بالنسبة للمحافظين، فقد تظاهروا ضد روحاني واحتجاجاً على خسارتهم للانتخابات، أو حتى في سياق مطالب طلاب العلوم الدينية في المراقد الشيعية الكبرى بالحاجة إلى الإصلاح والتغيير.

كما أن الصحيفة حاولت تحليل السبب وراء الصمت المطبق القادم من جهة كوربن؛ إذ ترى "إندبندنت" أن بعض اليساريين، ومنهم كوربن، يثمنون الموقف الإيراني المعادي للولايات المتحدة، ويرون في إيران معقلاً لمعاداة أميركا، وهو أمر لا يقدر بثمن بالنسبة لهم.

وتروي الصحيفة شواهد سابقة لكوربن في هذا السياق، فقد شارك في الذكرى السنوية لتأسيس "الجمهورية الإسلامية" عام 2014، وامتدح "التسامح وقبول العقائد والتقاليد والأعراق الأخرى" فيها، ودان السياسة الغربية التي تقوم بموجبها بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة بغزو وحكم بقية العالم.

وتشير الصحيفة إلى ظهور كوربن المتكرر على شاشة محطة "برس تي في" الإيرانية، والتي فقدت رخصتها للبث من بريطانيا عام 2012. وتنتقد موقفه الصامت حول ضحايا العنف فيها "طالما أن أميركا لا تزال على قيد الحياة".

المساهمون