احتجاجات إيران تتّسع: قبضة أمنية وأحاديث مؤامرة وتوقعات بالتصعيد

احتجاجات إيران تتّسع: قبضة أمنية وأحاديث مؤامرة وتوقعات بالتصعيد

03 يناير 2018
من تظاهرة في طهران يوم السبت الماضي (فرانس برس)
+ الخط -
بدا واضحاً مع اقتراب الاحتجاجات في إيران من إكمال أسبوع على انطلاقتها، أن السلطات باتت مقتنعة، أن هذا التحرك تخطى الدوافع الاقتصادية التي انطلق منها، مع حديث المرشد الأعلى علي خامنئي عن أن "أعداء إيران يتربصون بها لخلق عقبات أمام النظام الإسلامي"، ليأتي الرد بتشديد القبضة الأمنية، ويصل عدد الموقوفين إلى نحو 450 شخصاً في طهران وحدها، ويرتفع عدد القتلى إلى 22 على الأقل، مقابل إطلاق وعود بإجراءات إصلاحية لتحسين الأوضاع المعيشية، في مسعى لاحتواء الغضب الشعبي الذي يمتزج فيه الاقتصادي بالسياسي. ومع استمرار التظاهرات، بات للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تعليق يومي عليها، ترتفع نبرته تجاهها بشكل دائم، ليشيد، أمس، بالمتظاهرين الذين يتحركون ضد "النظام الوحشي الفاسد" وفق قوله. ويبدو أن السلطات الإيرانية تنتهج سلوكين في مواجهة المتظاهرين، الأول بتحذيرهم من التعرض لعقاب قاسٍ والتعامل مع الموقوفين كمتهمين "استهدفوا الأمن القومي"، أما الثاني فبمحاولة ثني الغاضبين من الأوضاع المعيشية والاقتصادية عن النزول إلى الشوارع عبر إطلاق وعود بإجراء إصلاحات تدريجية تؤدي إلى تحسن الأوضاع.

يأتي ذلك مع استمرار التظاهرات، إذ خرجت تحركات ليلية في عدة مناطق إيرانية الإثنين، منها ما حمل شعارات سياسية وسادته اشتباكات وأعمال شغب، وأخرى مضادة رفضت تحويل الشعارات الاقتصادية إلى منحى آخر، فيما أعلنت بعض المواقع الإيرانية عن ارتفاع حصيلة القتلى في مناطق عدة بمقتل تسعة أشخاص، ليل الإثنين، لتصل إلى 22 قتيلاً حتى عصر أمس. وأفادت مصادر، أن خمسة أشخاص قتلوا إثر اشتباكات وقعت في قهدريجان في محافظة أصفهان وسط البلاد. كما ذكر موقع "أفتاب نيوز" في وقت سابق أن شرطياً قُتل إثر إطلاق نار بأسلحة صيد في منطقة نجف أباد في أصفهان أيضاً، فضلاً عن إصابة ثلاثة آخرين، فيما أفادت مواقع رسمية، صباح أمس الثلاثاء، أن عنصراً من الحرس الثوري الإيراني قُتل هو الآخر خلال اشتباكات وقعت في المكان نفسه.
في المقابل، نقل موقع "عصر إيران" عن مكتب والي منطقة سنندج في محافظة كردستان الإيرانية، نفيه مقتل شخصين في تلك المنطقة خلال احتجاجات هناك، يوم الإثنين، ووصف تلك التجمعات بغير القانونية كونها خرجت بلا ترخيص رسمي على حد تعبيره. أما منطقة تاكستان في قزوين، فشهدت هي الأخرى احتجاجات جديدة.

بالتزامن مع ذلك، أعلن المساعد السياسي والأمني لحاكم طهران، علي أصغر ناصر بخت، أن السلطات اعتقلت 450 شخصاً في طهران وحدها منذ السبت، 100 من هؤلاء تم اعتقالهم إثر مشاركتهم في احتجاجات خرجت، أمس الأول الإثنين. وذكرت قناة "مشرق" على تطبيق "تلغرام" أنه تم اعتقال آخرين في كل من زنجان، أبهره وخرمدره. أما محكمة الثورة في منطقة البرز القريبة من طهران فأكدت اعتقال من وصفتهم بمحرضين على أعمال شغب، والتعرف على آخرين تلاحقهم السلطات في الوقت الراهن. وفي صفحتها على "تويتر"، كتبت وكالة "تسنيم" الرسمية أن تسعة أشخاص اعتقلوا في منطقة ممسني في محافظة فارس جنوبي إيران.

من جهتها، ذكرت وزارة التعليم العالي، أمس، أن عدداً من معتقلي العاصمة هم طلاب من جامعة طهران، ومعظم هؤلاء تم إطلاق سراحهم، ومن بقوا في السجن سيخرجون في وقت لاحق قبيل بدء امتحاناتهم الرسمية. وأشارت الوزارة إلى أن أولى التظاهرات التي خرجت في طهران، السبت الماضي، وتحركت من جامعة طهران، لم يكن كل المشاركين فيها من الطلاب.
وفي تحذير مباشر للمشاركين في الاحتجاجات، أعلنت محكمة الثورة في طهران أن كل من تم اعتقالهم بعد اليوم الثالث من الاحتجاجات سيتعرضون لعقاب قاسٍ، وسيتم التعامل معهم كمتهمين استهدفوا الأمن القومي، وفق ما نقلت مصادر إيرانية. ودخل الحرس الثوري على الخط أيضاً، وبعد أن كان المتحدث باسم الحرس رمضان شريف قال، الإثنين، إن الشرطة والأجهزة الأمنية لم تطلب مساندة الحرس، حتى الآن، في المناطق التي تشهد توتراً، أعلنت قاعدة "ثار الله" التابعة للحرس ومقرها طهران، أنه في حال استمرار التوتر في العاصمة، سيتخذ المعنيون قرارات لإنهاء هذه الحالة. وفي بيان رسمي صادر أمس، أفادت هذه القاعدة أن قواتها جاهزة لأي مساعدة.


ولا تبدو هذه الاحتجاجات متجهة للانحسار، فوفق بعض المواقع الإيرانية من المتوقع أن تخرج تظاهرات ضخمة في طهران، يوم الجمعة المقبل، مع توقع تظاهرات مماثلة في مناطق أخرى، سترفع شعارات تندد بتحويل الأمور لحالة شغب وتضييع المطالب الحقيقية، على حد تعبيرها.
مقابل هذا التشديد الأمني برز موقف لافت من نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، الذي أعلن أن الحكومة ستقوم بإصلاحات تدريجية وهو ما سيؤدي لتحسن الأوضاع المعيشية، التي اعترض عليها المحتجون في الأيام الأولى لبدء احتجاجاتهم.

في هذه الأجواء، جاء التعليق الأول للمرشد الأعلى، علي خامنئي، على التطورات بالإشارة إلى أعداء إيران، قائلاً "إن العدو يتحين الفرص للتسلل إلى الداخل وإيذاء الشعب الإيراني، وقد شهدنا خلال الأحداث الأخيرة أعداء إيران كيف اتحدوا بشتى الوسائل من مال وأسلحة وسياسات وأجهزة أمنية ليخلقوا مشاكل للنظام الإسلامي". وأعلن خلال لقاء عقده وعائلات ضحايا من الحرب العراقية الإيرانية، أن لديه موقفاً ووجهة نظر مما يجري سيخاطب الإيرانيين بشأنها لاحقاً، لكنه أبدى كذلك تحفظه على مسار الأحداث، قائلاً، إن أعداء إيران في الخارج يتربصون بها لاستغلال أي فرصة بما يضر الإيرانيين.

وفي السياق نفسه، نددت مجموعة "الإصلاحيين" الرئيسية في إيران برئاسة الرئيس الأسبق، محمد خاتمي، بأعمال العنف التي تخللت الاحتجاجات وبـ"الخداع الكبير" الذي تمارسه الولايات المتحدة عبر إعلان تأييدها التظاهرات. وقالت المجموعة في بيان، نشرته وكالة "فرانس برس" أمس، إن "مثيري الاضطرابات استغلوا التجمعات والاحتجاجات السلمية لتدمير الممتلكات العامة وإهانة القيم الدينية والوطنية المقدسة"، منددة بالدعم الذي يقدمه "أعداء الشعب الإيراني اللدودون وفي مقدمهم الولايات المتحدة للأعمال العنيفة".

من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، محمد باقر نوبخت، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، أمس الثلاثاء، إن هناك فرقاً بين الاعتراضات ذات المطالب الحقيقية والاحتجاجات التي تؤدي لأعمال شغب، معتبراً أن بعض الأطراف خارج إيران تبدي فرحها بما يجري وهؤلاء هم من يعتبرونها عدواً لهم. وأضاف نوبخت، أن هناك أعداء في الخارج فضلاً عن مجموعات متفرقة مستعدة لقتل أفراد أبرياء لتحقيق أهدافها، داعياً الإيرانيين للتفريق بين الأمور، والتعامل بدراية ووعي.

دولياً، يبقى موقف ترامب الأقوى تجاه هذا الحراك، وكتب في تغريدة على "تويتر" أمس: "شعب إيران يتحرك أخيراً، ضد النظام الإيراني الوحشي والفاسد"، مضيفاً: "كل تلك الأموال التي أعطاهم إياها الرئيس أوباما بحماقة ذهبت إلى الإرهاب وداخل جيوبهم. القليل من الطعام لدى الناس؛ الكثير من التضخم؛ وانعدام حقوق الانسان. الولايات المتحدة تراقب".
وردت وزارة الخارجية الإيرانية على هجوم الرئيس الأميركي، وقال المتحدث باسم الخارجية، بهرام قاسمي، "عوضاً عن إضاعة وقته في كتابة تغريدات عديمة الفائدة ومهينة بخصوص دول أخرى، الأحرى بـ(ترامب) الاهتمام بالقضايا المحلية في بلاده مثل القتل اليومي لعشرات الأشخاص ووجود ملايين المشردين والجوعى".

أوروبياً، أعربت فرنسا عن "قلقها حيال الحصيلة المرتفعة للضحايا والتوقيفات" في إيران، وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان أن "السلطات الفرنسية تتابع عن كثب الأوضاع في إيران"، مشددة على أن حرية التظاهر حق أساسي، وكذلك الأمر بالنسبة لحرية تداول المعلومات". كذلك رأت بريطانيا "أنه يجب أن يكون هناك نقاش جدي حول القضايا المشروعة والمهمة التي يثيرها المحتجون، ونتطلع إلى سماح السلطات الإيرانية بذلك"، وفق قول متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أمس. وكان الاتحاد الأوروبي دعا، الإثنين، إلى "ضمان الحق في التظاهر السلمي وحرية التعبير".
أما تركيا فأعربت عن "قلقها" إزاء التظاهرات في إيران. ودعت وزارة الخارجية في بيان "إلى تغليب المنطق لمنع أي تصعيد"، معلنة أنها "تعلق أهمية كبرى على الحفاظ على السلم والاستقرار في إيران الصديقة والشقيقة". كما أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، مكالمة هاتفية مع نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، دون الكشف عن فحواها.