حملة "هيئة تحرير الشام" ضد "داعش" بإدلب: التوقيت والتساؤلات

حملة "هيئة تحرير الشام" ضد "داعش" بإدلب: التوقيت والتساؤلات

11 يوليو 2017
شكوك حول الجهة المسؤولة عن التفجيرات بالمنطقة أخيراً(عارف وتد/الأناضول)
+ الخط -

أثارت الحملة التي أعلنت عنها "هيئة تحرير الشام" مساء الأحد الماضي، والتي أدت بحسب بيان الهيئة إلى اعتقال عشرات العناصر التابعين لتنظيم "داعش"، والسيطرة على أوكار تابعة لهم، العديد من التساؤلات لجهة وجود هذا الكم الكبير من العناصر التابعة للتنظيم في شمال سورية، وهل هم مجرد عناصر تابعين للتنظيم أم هناك انتشار للفكر الداعشي في المنطقة، بالإضافة لتساؤلات عديدة حول توقيت العملية وآلية تنفيذها.
فقد أفادت "هيئة تحرير الشام" في بيان، عن تمكّن المكتب الأمني التابع لها من اعتقال أكثر من مائة عنصر تابعين لتنظيم "داعش"، بينهم ثلاثة انتحاريين، في كل من مدينة إدلب وبلدة سرمين (شرق إدلب بنحو 10 كيلومترات)، بالإضافة إلى تمكّنها من إلقاء القبض على "والي تنظيم داعش" في الشمال السوري المدعو أبو القعقاع الجنوبي، والمسؤول الشرعي للتنظيم في المنطقة أبو السوداء المصري، والمسؤول الأمني لخلايا التنظيم أبو ابراهيم العراقي، في مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي الشرقي بالقرب من الحدود التركية السورية. كما أكد البيان اعتقال الأمنيّ العام للتنظيم المدعو أبو سليمان الروسي في مدينة إدلب.

ولاقى توقيت الحملة والسرعة التي تمت بها، تشكيكاً كبيراً من سكان تلك المناطق. فخلال جولة لـ"العربي الجديد" في المناطق التي شملتها الحملة، أثار الكثير من المواطنين شكوكاً حول حقيقة الحملة وأهدافها. ولفت ناشط إعلامي من مدينة إدلب، رفض الإفصاح عن اسمه لأسباب أمنية، أن الحملة تمت خلال ساعات ومن دون وقوع أي ضحايا ومن دون إطلاق رصاصة واحدة من قِبل العناصر التي قيل إنه تمت مهاجمتها، وهذا أمر منافٍ للمنطق، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه "من المعروف أن ملاحقة عنصر داعشي واحد بالحالة الطبيعية تتخللها مقاومة شديدة من قبل العنصر الملاحق الذي يعرف أن مصيره الإعدام في حال تم الإمساك به، فما بالك بمائة عنصر بينهم قيادات وانتحاريون؟". فيما عزا مواطن آخر من مدينة سرمين سبب الحملة إلى محاولة الهيئة الظهور بمظهر المتحكم أمنياً بالمنطقة والقادر على حفظ أمن المواطنين أكثر من حركة "أحرار الشام". وأوضح في حديث مع "العربي الجديد" أن "عشرات التفجيرات التي حصلت في مدينة إدلب في فترة عيد الفطر كانت في معظمها تفجيرات لعبوات صغيرة في أماكن خالية من السكان وبعيدة عن مواقع أي فصيل، وكنا نستغرب الهدف منها، ولكن بعد قيام الهيئة بهذه الحملة أصبحت لدينا شكوك حول الجهة التي نفذت تلك التفجيرات، والتي تزامنت مع تفجيرات فعلية أدت إلى وقوع ضحايا في مدينة الدانا"، مضيفاً: "قد تكون الهيئة اعتقلت هذا العدد من الأشخاص، ولكن لا أعتقد أنهم من داعش، وربما تم اعتقالهم بتهمة الانتماء للتنظيم نتيجة أفكار سابقة لهم معروفة بتأييدهم للتنظيم عندما كان له وجود في المنطقة، وأعتقد أن معظمهم قد يتم الإفراج عنهم بعد أن تكون الحملة قد حققت أهدافها".

ويبدو أن حملة "هيئة تحرير الشام"، وبغض النظر عن مدى دقة المعلومات الواردة في بيانها، تندرج ضمن الصراع الذي تخوضه الهيئة على ثلاثة مستويات: الأول مستوى صراعها مع المجتمع الدولي ومحاولتها التخلص من تهمة الإرهاب، والثاني صراعها مع حركة "أحرار الشام"، والثالث محاولتها كسب حاضنة شعبية والاستثمار في خدمات المواطنين لتأمين مصادر دخل ذاتية.
ولا تزال الهيئة تحاول تبرئة نفسها من تهمة الإرهاب التي تلاحقها بسبب وجود "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً) كأحد أهم مكوّناتها وعلى رأس قيادة ذراعها العسكري. فعمدت الهيئة إلى ضم مجموعة من المكوّنات غير المتجانسة إيديولوجياً من الجيش الحر وفصائل إسلامية متباينة التوجّهات، كما خفّفت كثيراً من خطابها المتشدد، لتبدأ خطاباً جديداً يتحدث باسم الثورة، علّها تتخلص دولياً من تهمة الإرهاب. وبالتالي قد تكون العملية الأخيرة مبادرة من الهيئة لتثبت أنها تحارب الإرهاب.


كما عملت الهيئة على فكرة توحيد الفصائل التي أصبحت مطلباً شعبياً، واستغلت رفض "أحرار الشام" التوحّد معها، فعملت على شيطنتها شعبياً وتصويرها كفصيل ساعٍ للسلطة. كذلك استغلت موافقة حركة "أحرار الشام" على دخول قوات تركية إلى الأراضي السورية، وبدأت تعمل على تصدير خطاب يُصوّر الحركة كفصيل ينسّق مع القوى الخارجية والموافق على تقسيم سورية، وتصوّر نفسها على أنها الفصيل الذي يعمل على حماية وحدة الأراضي السورية والذي سيقف في وجه كل القوى الخارجية التي قد تدخل الأراضي السورية. علماً أن هذا التوجّه هو أبعد ما يكون عن توجّه "جبهة النصرة" التي لا تعترف بوحدة الأراضي السورية وإنما تنظر إليها كجزء من أرض الخلافة الموعودة.
وتعمل الهيئة على كسب الحاضنة الشعبية في المنطقة بكل السبل المتاحة، وإضافة إلى محاولة شيطنة الفصيل الذي ينافسها، تعمل على تصوير نفسها كخيار أفضل للمواطنين لجهة تقديم الخدمات لهم، وذلك بهدف الاستثمار في الخدمات التي تُقدّم لهم وتحقيق عائد من التمويل الذاتي يساعدها على الاستمرار.

وبالعودة إلى المناخ العام في محافظة إدلب، ومن خلال جولة لـ"العربي الجديد" في مناطق المحافظة، بدا المزاج العام للمواطنين خصوصاً بعد فترة الهدوء التي سادت نتيجة انكفاء الطيران عن سماء المحافظة، يتجه نحو الحفاظ على هذا الاستقرار ويدعو الفصائل للانكفاء ضمن جبهات القتال وعدم التدخّل في شؤون المواطنين وترك هذا الأمر لهيئات مدنية، خصوصاً بعد أن جرب المواطنون حكم الفصائل لهم والذي لم يكن ناجحاً بكل المقاييس. كما أن مظاهر التطرف في الشوارع بدأت بالانكفاء بشكل كبير، خصوصاً بعد تراجع الفصيلين المتصارعين، "أحرار الشام" و"هيئة تحرير الشام"، عن التدخّل في الشؤون الخاصة للمواطنين بشكل كبير. وباتت معظم أفكار التنظيمات المتطرفة مرفوضة من قبل المواطنين، مع عدم نفي أن الكثير من النقاشات العامة لا تزال تدور في فلك المقارنة بين حركة "أحرار الشام" و"هيئة تحرير الشام"، كخيارين متاحين لا ثالث لهما. إلا أن المزاج العام في المنطقة يتجه نحو نبذ كل الأفكار المتطرفة ودعوة هذين الفصيلين للتخلي عنها، وقد لاحظت "العربي الجديد" تغيراً ملموساً حتى في طريقة تفكير عناصر تلك الفصائل، التي لم يعد يهمها كثيراً الولاء للفصيل بقدر ما يهمها ضمان سبل العيش وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

المساهمون