أيام لبنان الانتخابية... اقتراع بلدي بارد يشبه البلد المشلول

أيام لبنان الانتخابية... اقتراع بلدي بارد يشبه البلد المشلول

04 مايو 2016
ملف النفايات الأسوأ في لبنان بالعام الأخير (حسين بيضون)
+ الخط -
يتعامل المجتمع الدولي مع الانتخابات البلدية في لبنان المقررة أيام 8 و15 و22 و29 مايو/أيار الحالي، على أنها استحقاق يعنيه أكثر بكثير مما يعني القيادات السياسية اللبنانية. في هذا السياق، قالت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، سيغريد كاغ، قبل أيام قليلة إنّ "تاريخ الثامن من مايو/أيار (موعد المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية اللبنانية لبيروت ومحافظة البقاع) هو جزء مهم من الحياة الديمقراطية في لبنان". أما القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة في لبنان ريتشارد جونز، فأعلن أنه متأكد من إجراء الانتخابات البلدية. واعتبر أن ذلك "مؤشر مهم على استمرار الديمقراطية في لبنان ويتيح للناس أن يعبروا عن رأيهم وهذا هو المهم، كما أن اللبنانيين يعبرون عن رأيهم بشكل جيد. وقد عبّرت عن سعادتي لأن التحضيرات والاستعدادات لإجراء الانتخابات البلدية جارية على قدم وساق".

المجتمع الدولي يُريد هذه الانتخابات أكثر من الطبقة السياسية التي عطّلت كل الانتخابات الأخرى منذ العام 2010. يخشى هذا المجتمع على استقرار البلد. فهو يؤمّن الغطاء الأمني والاقتصادي للبنان في السنوات الأخيرة. كل سياسي تسأله عن سبب عدم تدهور الوضع الأمني، تماشياً مع تصاعد النبرة المذهبية، والأمن الذاتي وتعميق الاختلافات، يُجيب: "الغرب لا يُريد أن يشتعل لبنان بما يُمثله من حديقة خلفية للصراع في سورية، ومخيم كبير للاجئين السوريين".

هذا هو الدور المفترض للبنان حالياً. المساعدات المالية لمختلف القطاعات تأتي في هذا السياق. دعم كبير للجيش والقوى الأمنية، رغم الملاحظات الكثيرة على أدائها لجهة احترام حقوق الإنسان. دعم للقطاعات الاقتصادية والبنى التحتية المرتبطة بوجود اللاجئين. ويأتي الحرص على الانتخابات البلدية من باب منع الانهيار الاجتماعي ــ السياسي المرتبط بحالة انعدام ثقة شعبية بالنظام السياسي، وهو ما عبّر عنه عدد من الوزراء ورؤساء الكتل النيابية. بالتالي تأتي الانتخابات البلدية اليوم، لتكسر حلقة من ضرب العملية السياسية وتداول السلطة عبر التمديد للفراغ.

وقد طاول التمديد المجلس النيابي، الذي انتخب في صيف عام 2009، إذ قرّر النواب تمديد ولايتهم مرتين، ليكون مجموع السنوات التي أضافوها إلى ولايتهم أربع سنوات، أي ولاية كاملة. تمديد لم ينعكس تفعيلاً لعمل المجلس النيابي، في وقتٍ يستمر فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس للجمهورية، إذ يدخل الفراغ الرئاسي في 25 مايو/أيار الحالي عامه الثالث. وقد أدى هذا الفراغ إلى تعطيل مجلس الوزراء ومجلس النواب. ولعلّ أبرز مثالٍ على فشل الحكومة في إدارة شؤون الناس الحياتية، تراكم النفايات لأكثر من سبعة أشهر في شوارع العاصمة بيروت، ومناطق جبل لبنان. وعلى الرغم من هذا التأخير، جاء الحلّ بأكثر الأشكال بدائيّة: مطامر للنفايات تُحاصر بيروت في مدخليها الجنوبي والشمالي.
تكثر الملفات التي تفشل الحكومة في حلّها، ومن أبرزها ملف جهاز أمن الدولة، الذي اتخذ طابع الصراع المسيحي ــ الإسلامي. بدوره، يفشل مجلس النواب في الانعقاد لإقرار القوانين، إلى جانب الفشل في انتخاب رئيس. وكحال الحكومة، يأخذ الصراع طابعاً مسيحياً ــ إسلامياً، إذ تخشى القوى الحزبية المسيحية تكريس عرف التشريع في ظلّ غياب رئيس الجمهورية. كذلك طاول التمديد مواقع أمنية وإدارية، لعلّ أبرزها قائد الجيش.

إذا كانت حال الدولة ومؤسساتها، في أكثر مراحلها حرجاً منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، فإن حال القوى السياسية والمجتمع اللبناني والاقتصاد ليست أفضل. في لبنان حالياً، أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري بحسب الأرقام الرسمية اللبنانية، (مليون و130 ألفا بحسب الأمم المتحدة)، ويعاني البلد من تراجع حاد في السياحة، ومن عقوبات خليجية وأميركية على حزب الله. كما أن القطاع العقاري، الذي شكّل رافعة الاقتصاد اللبناني، يواجه ركوداً حاداً.

على مستوى القوى السياسية، تمرّ الأحزاب الأساسية بأزمات متلاحقة. يجمع بين هذه القوى غياب المال السياسي حالياً، بسبب انشغال القوى الإقليمية بأوضاعها وبالمعارك المشتعلة في المحيط. فلا إيران ولا السعودية، مستعدتان حالياً لدفع عشرات ملايين الدولارات في هذه المعركة، كما فعلتا سابقاً في انتخابات 2009 النيابية، و2010 البلدية.

وفي تفاصيل واقع كل طرف، فإن حزب الله يُقاتل في سورية، وهو عمل في السنوات الأخيرة على رفع مستوى التعبئة في أوساط البيئة الشيعيّة، لتأمين الغطاء المجتمعي والقوة البشرية لقتاله في سورية، خصوصاً مع توسّع المعارك وتزايد خسائره. أما وضع حركة أمل، فلم يختلف بشكلٍ كبير عن الفترة السابقة. الحركة، التي لم تُشارك في الحرب السورية، وحافظت على دورها السياسي وشبكتها العنكبوتية داخل الإدارة الرسمية.

وعليه، يستمر تحالف حزب الله وحركة أمل في السيطرة على الساحة الشيعيّة، وإذا كان التحالف البلدي بينهما عام 2010 (التحالف السياسي بدأ قبل ذلك)، واجه في عدد قليل من البلدات لوائح ذات طابع عائلي، أو يسارية/عائليّة، فإنه استطاع حسم معظم هذه المعارك لصالحه مع خروقات بسيطة. لا يختلف الواقع حالياً عن عام 2010 كثيراً، لا بل يبدو أكثر ميلاً لصالح الثنائي الشيعي.

بدوره، يُعاني تيار المستقبل من أزمة تنظيمية مترافقة مع مشاكل مالية كبيرة. وتنعكس المشكلة المالية على الوضع التنظيمي، خصوصاً أن هذا المال السياسي شكّل لفترة طويلة إحدى وسائل التعبئة الشعبية إلى جانب القضية السياسية.

استطاع تيار المستقبل تفادي معارك قاسية في معظم المناطق ذات الأكثرية السنية، بفعل بعض "المصالحات" التي قام بها زعيم التيار سعد الحريري، مع الوزير السابق عبد الرحيم مراد، والرئيس نجيب ميقاتي، والعديد من الشخصيات السنية. بذلك تجنّب معارك في العديد من المناطق، وخصوصاً في المدن الكبرى في طرابلس وبيروت (حالة خاصة، إذ تتحالف معظم القوى السياسية في لائحة واحدة: تيار المستقبل، حركة أمل، حزب الله، التيار الوطني الحرّ، القوات اللبنانيّة، حزب الطاشناق، شخصيات من 14 آذار). هذا "التفاهم" لم يشمل مدينة صيدا، رغم أن معركتها تبدو سهلة لصالح الحريري. وكنتيجة عكسيّة للتفاهمات وغياب المال، فإن تيار المستقبل يخوض المعارك ضد نفسه في العديد من البلدات، لكنها تأخذ طابعاً عائلياً.

من جهتها، تُحاول القوى المسيحيّة "هضم" المصالحة بين التيار الوطني الحرّ وحزب القوات اللبنانية، فطرفا المصالحة، يريدان كشف مدى قبول جمهورهما لها، وتمتينها بشكلٍ أكبر، خصوصاً أنها أتت بعد سنوات طويلة من الصراع السياسي والحروب الدموية. أما حزب الكتائب وتيار المردة (طابعه مناطقي أكثر) والقوى والشخصيات الأخرى، فتسعى خلال هذه الانتخابات إلى تأكيد وجودها السياسي، وأن "الثنائي المسيحي" الجديد لا يستطيع اختزال الساحة المسيحية كما استطاع فعله "الثنائي الشيعي".

لكن الوقائع الانتخابية تُشير إلى غياب المواجهات السياسية عن معظم المناطق الأساسية في الساحة المسيحيّة، إذ تميل الكفّة لصالح رؤساء البلديات الذين استطاعوا تأمين شبكة مصالح اقتصادية وعائليّة، وأخيراً حزبيّة تحميهم. وتبدو بلدية زحلة مثالاً، إذ يدعم حزب الكتائب والتيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانيّة لائحة في مقابل لائحة يدعمها آل سكاف، الذين يُحاولون تأكيد "هيمنتهم" على زحلة.

من جهته، لا يبدو حال الحزب التقدمي الاشتراكي والنائب وليد جنبلاط مختلفاً. يسعى جنبلاط لتكريس زعامة ابنه تيمور، الذي ينقل له قيادة "البيت الجنبلاطي"، وفي الوقت عينه، لا يرغب باشتباكات مع الثنائي المسيحي في الشوف وعاليه أو مع البيئة السنية في إقليم الخروب.

في ظلّ غياب "السياسة" أو محاولة تغييبها عن الانتخابات، لا بدّ من الإشارة إلى أن البلديات تواجه في العادة مشكلات عدّة أبرزها، حجز الصندوق البلدي المستقل لأموالها، ويُفرج عن هذه الأموال بقرار سياسي. كما أن البيروقراطية الإدارية، تُعدّ من أبرز ما تواجهه البلديات، حيث تفوح رائحة الفساد من معظمها.

لا تختلف الانتخابات البلدية عن واقع البلد. الانهيار يطاول كلّ شيء. عودة الخطاب العنصري للارتفاع من قبل عشرات البلديات في وجه اللاجئين السوريين، عبر منعهم من التجول منذ ساعات المساء الأولى إلى ساعات الصباح، تؤشّر إلى نوع الخطاب السياسي الذي يلجأ إليه رؤساء البلديات. وحدها لائحة "بيروت مدينتي" ولوائح قليلة أخرى، استطاعت تجاوز هذا "الفخ" وتقديم خطاب تنموي ــ سياساتي مقبول. كما أن اتهامات الفساد التي يتبادلها المرشحون دليل على وجود، لا بل تفشّي، هذا الفساد الذي يبقى بعيداً عن المساءلة القانونية.

المساهمون