غارة دير الزور: فخ روسي أو خطأ محسوب؟

غارة دير الزور: فخ روسي أو خطأ محسوب؟

19 سبتمبر 2016
موسكو سارعت لتوظيف الحادثة من كافة النواحي (Getty)
+ الخط -
أثارت غارة التحالف الدولي في سورية، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، من الأسئلة وعلامات الاستفهام، بقدر ما أثار اتفاق الهدنة الأميركي – الروسي، من الشكوك والريبة. من ملابسات حادثة، تبدو أقرب إلى حالة الوقوع بفخ منها إلى الوقوع بخطأ. وربما جرى استخدامها لنسف الاتفاق والتنصل من المسؤولية واتهام الآخر بتخريبه.

الطرفان، على ثقة أن صيغة الهدنة غير قابلة للتنفيذ، ليس فقط لأن الثقة بينهما مفقودة، كذلك لأن الأجندات متضاربة والهوة متعذر ردمها في الوقت الحالي.

لم تكن الغارة مفاجئة، سوى بحجمها، فقد كان من المتوقع أن يحصل ما يقضي على الاتفاق الهش أساساً. القيادة العسكرية الأميركية زعمت أن العملية وقعت بالخطأ نتيجة معلومات استخباراتية مغلوطة، مقدّمة اعتذارها.

لكن في المعلومات والتفاصيل ما يضع علامة استفهام حول هذا التفسير. فالقيادة الأميركية أعلنت إبلاغها الجانب الروسي الميداني مسبقاً بالغارة، وكشفت أن موسكو اعترفت بحصول التبليغ، لكن لاذوا بالصمت على ما بدا.

واستناداً إلى أن القوة الروسية في سورية على علم بمواقع التشكيلات والتحركات العسكرية التابعة للنظام، فهل كانت على دراية أن الغارة الأميركية تستهدف قوات سورية وليس أخرى من تنظيم "داعش"، وتعمدوا السكوت للإيقاع بالأميركيين؟

كذلك، لماذا انتظرت موسكو عشرين دقيقة بعد بدء الغارة، لتلفت الأميركيين إلى الواقعة؟

موسكو، سارعت لتوظيف الحادثة من كافة النواحي، وصولاً إلى رفع شكوى بشأنها إلى مجلس الأمن، وكأنها كانت تنتظر العثور على مخرج لتحمل واشنطن مسؤولية انهيار الاتفاق.

مقابل هذه الفرضية، لا يجور إهمال سيناريو الخطأ، وهو نوعان، المغفل والمحسوب.

الأول، من الصعب تصديقه وافتراض حصوله بهذه السهولة. فالاستخبارات الأميركية لديها طرق وتقنيات وقدرات تكنولوجية هائلة للاختراق والتنصت وتحديد الأهداف بدقة. بهذه الإمكانيات تمكنت من تحديد أماكن تواجد قيادات من "داعش"، واستهدفتها، في أوقات متفاوتة.

فكيف اختلط الأمر على الأميركيين، وفاتهم معرفة هوية مجموعة عسكرية كبيرة ومكشوفة؟فضلاً عن أن خطأ من هذا النوع لم يسبق أن حصل على الساحة السورية ولو بحجم صغير، فإدارة الرئيس باراك أوباما قررت، خصوصاً منذ  التراجع عن "الخط الأحمر"، الابتعاد عن الصدام مع النظام.

الخطأ المحسوب، غير مستبعد، خصوصاً أن "البنتاغون" وافق "على مضض" على اتفاق الهدنة، وتسربت معلومات كثيرة في واشنطن، تفيد أن العسكريين، وكذلك، وزير الدفاع آشتون كارتر، لا يرغبون في التعاون مع الروس.

بنظر هؤلاء، التعامل مع موسكو "غير مأمون" والتنسيق يعود بالفائدة عليها، إذ يمكنها "الاطلاع على وسائط وأساليب الاستخبارات الأميركية والتي لا تملكها".

كما أنه، واستناداً إلى كون القيادات العسكرية عازفة، منذ البداية، عن التدخل أساساً في سورية، فإن المشاركة مع موسكو هناك، ستضع واشنطن في موقع "التابع" لمن يمسك المبادرة في تلك الساحة.

بالنسبة لكل هذه الحسابات والمحاذير، يمكن أن تكون الغارة بمثابة ضربة قاسمة للاتفاق، بحيث يعود من الصعب الاستمرار فيه. حتى لو أنها وقعت بالخطأ الميداني البحت.

الاتفاق جاهز للتفجير، حتى لو مرت حادثة الغارة، هو مهيأ لاستيلاد التنافر والتعقيد أكثر مما هو قادر على فتح المداخل لتفكيك الأزمة. المعونات الإنسانية مثلاً تعذر تمريرها بعد أكثر من أسبوع على إبرامه.

ويبقى أن صراعاً "جيو – سياسي" بحجم الأزمة السورية، لا تصح مقاربته بتدابير مبنية على حسن النوايا. فهذه وصفة للمزيد من الإحباط. وإدارة أوباما المتبقي لها عدة أشهر فقط، ليست في وارد الذهاب إلى أبعد، هي تتمسك بالاتفاق على الرغم من علمها بانهياره.