النظام المصري يسترضي القضاة: زيادة رواتب وعدم إنهاء الانتداب

النظام المصري يسترضي القضاة: زيادة رواتب وعدم إنهاء الانتداب

20 يونيو 2020
يقوم القضاء بإقصاء أي تيار معارض (Getty)
+ الخط -
أعلن مصدر قيادي في ائتلاف "دعم مصر"، الذي يستحوذ على الأغلبية في مجلس النواب المصري، أنه "بات في حكم المؤكد عدم مناقشة البرلمان الحالي مشروع قانون إنهاء انتداب القضاة، وأعضاء الجهات والهيئات القضائية، لدى السلطتين التنفيذية والتشريعية، لا سيما مع اقتراب فضّ دور الانعقاد الحالي في أغسطس/آب المقبل على أبعد تقدير، وهو دور الانعقاد الأخير في الفصل التشريعي (5 سنوات)". وأضاف المصدر، لـ"العربي الجديد"، أن "مجلس الوزراء لم يُرسل مشروع قانون إنهاء انتداب القضاة رسمياً إلى مجلس النواب حتى الآن، على الرغم من موافقة الحكومة عليه في إبريل/نيسان 2018، وإرساله إلى مجلس الدولة للمراجعة"، موضحاً أن المشروع أعد بواسطة قسم التشريع في وزارة العدل، إلا أنه اختفى منذ حينها في "ظروف غامضة"، على حد تعبيره. ونصت المادة 239 من الدستور المصري، الصادر في العام 2014، على أن "يُصدر مجلس النواب قانوناً بتنظيم قواعد انتداب القضاة، وأعضاء الجهات والهيئات القضائية، بما يضمن إلغاء الانتداب الكلي والجزئي لغير الجهات القضائية، أو اللجان ذات الاختصاص القضائي، أو لإدارة شؤون العدالة، أو الإشراف على الانتخابات، وذلك خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بالدستور".

وعزا المصدر عدم تقدّم النواب بمشروع قانون حول إنهاء انتداب القضاة إلى "حرصهم على عدم الصدام مع السلطة القضائية، خصوصاً أن جميع المستشارين القانونيين للجان النوعية في مجلس النواب هم من المنتدبين من الجهات القضائية، ويلعبون دوراً فاعلاً في تمرير التشريعات، منذ انعقاد البرلمان في يناير/كانون الثاني 2016، فضلاً عن أن الأمين العام للمجلس، المسؤول عن تنظيم كافة شؤونه، هو مستشار منتدب من مجلس الدولة". وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، اختارت هيئة مكتب مجلس النواب، برئاسة رئيس المجلس علي عبد العال، مستشار الأخير القانوني محمود فوزي أميناً عاماً للبرلمان، وهو أحد المحسوبين على جهاز المخابرات العامة، منذ انتدابه في الأمانة الفنية للجنة تقصي الحقائق، في أعقاب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، ثم في وزارة العدالة الانتقالية (المجالس النيابية حالياً) في عهد الوزير السابق إبراهيم الهنيدي.

وفي السياق نفسه، قال عضو في تكتل "25-30"، الذي يمثل الأقلية النيابية، إن "البرلمان الحالي ليست لديه النيّة في إصدار قانون إنهاء انتداب القضاة، لأن ذلك سيتبعه حتماً إنهاء انتداب بعض المستشارين المقربين من النواب، بحكم عملهم المشترك في صياغة التشريعات باللجان النوعية"، منوهاً إلى أن "مجلس النواب لم يلتزم بإقرار العديد من القوانين المكملة للدستور خلال فصله التشريعي الحالي، على غرار العدالة الانتقالية، ومفوضية عدم التمييز، والإدارة المحلية". وأضاف المصدر، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك محاولات مستمرة من النظام لاسترضاء القضاة، وعلى وجه أخص من ناحية الامتيازات المالية، في أعقاب إقرار التعديلات على الدستور عام 2019، وسحبها العديد من اختصاصات القضاة، ومنها إلغاء مبدأ الأقدمية الراسخ في القضاء المصري، علاوة على منح رئيس الجمهورية سلطة تعيين جميع رؤساء الهيئات القضائية".

وتابع أن "القضاة يحصلون على زيادات كبيرة سنوياً في بنود مثل الأجور والبدلات والمكافآت، بما لا يتناسب مع الزيادة الدورية للعاملين في الجهاز الإداري للدولة، والتي لا تزيد على 7 في المائة في أحسن الأحوال من قيمة الراتب الأساسي (وليس الشامل)"، مستطرداً بأن "القضاة يحصلون على بدل عدوى يراوح بين 900 (نحو 56 دولاراً) و3000 جنيه شهرياً (وفقاً للأقدمية)، في وقت يحصل فيه الأطباء على 19 جنيهاً شهرياً فقط لهذا البدل، على الرغم من مواجهتهم خطر الموت في ظل أزمة تفشي فيروس كورونا".

وقال المصدر إن "اعتمادات باب المصروفات الأخرى في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية الجارية (2019-2020)، قد ارتفع من 74.69 مليار جنيه إلى 90.44 ملياراً، ثم إلى 105 مليارات جنيه في موازنة العام المالي الجديد (2020-2021)، وهو الباب الذي تخصص موارده لصالح ميزانيات الأمن القومي، واعتمادات جهات مثل القضاء، ومجلس النواب، والجهاز المركزي للمحاسبات". كما رفعت الحكومة المصرية من تقديراتها لمخصصات باب "قطاع النظام العام وشؤون السلامة العامة" من 69.68 مليار جنيه في الموازنة الجارية إلى 78.87 مليار جنيه في الموازنة الجديدة، من بينها 59 ملياراً و166 مليون جنيه لصالح باب الأجور وتعويضات القضاة والعاملين في المحاكم، ووزارة العدل، والمحكمة الدستورية العليا، والهيئات القضائية، ودار الإفتاء، وصندوق تطوير الأحوال المدنية، وصندوقي أبنية المحاكم والسجل العيني.

وكان عضو البرلمان السابق، محمد أنور السادات، قد وجّه تساؤلاً إلى رئيس مجلس النواب، بشأن المخالفة الصريحة لنصوص الدستور بعدم إقرار قانون إنهاء انتداب القضاة. وتساءل: "من سيحاسب مجلس النواب على هذا التجاهل المتعمد للاستحقاقات الدستورية، محاباة منه لبعض القضاة المنتدبين لدى الحكومة والبرلمان، ممن يتقاضون أضعاف رواتبهم؟ في حين تضرب تصريحات أعضاء البرلمان والحكومة أروع الأمثلة في التقشف، نظراً للظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر".

وبحسب مشروع قانون إنهاء انتداب القضاة، المعد من وزارة العدل، فإنه يحظّر "العمل كمستشار أو خبير، أو بأية صفة كانت، في أي وزارة، أو محافظة، أو هيئة، أو مصلحة حكومية، أو أية جهة إدارية، أياً كان مسماها القانوني، أو أي من شركات القطاع العام، أو قطاع الأعمال العام، أو أية شركة من الشركات المملوكة للدولة، أو إحدى هيئاتها، أو المساهمة في رأسمالها". غير أن القانون أقر أربعة استثناءات تتيح انتداب القضاة إلى الجهات القضائية، واللجان ذات الاختصاص القضائي، والإشراف على الانتخابات، والانتداب لإدارة شؤون العدالة، مع منح رئيس الوزراء سلطة تحديد مجالات الانتداب لإدارة شؤون العدالة، وهو ما يمثل تحايلاً على الدستور، الذي حظر الانتداب الكلي والجزئي، بغرض الإبقاء على المستشارين المنتدبين في الجهات الحكومية، والبالغ عددهم ثلاثة آلاف قاضٍ (أرقام رسمية)".

وسبق أن كشفت "العربي الجديد" نقلاً عن مصادر قضائية مصرية، أن وزارة المالية بدأت في استقطاع ضريبة الدخل من إجمالي رواتب القضاة، متضمناً الأجرين الأساسي والمتغير، وما يشمله من حوافز وبدلات، الأمر الذي تسبب في حالة من الغضب المكتوم لدى القضاة، وهو ما حاول النظام المصري احتواءه بعدم إنهاء الانتداب، وزيادة مخصصات القضاة المالية في بنود الموازنة العامة للدولة. ويلعب القضاء في مصر دوراً هاماً في إحكام قبضة الرئيس عبد الفتاح السيسي على مقاليد السلطة، وإقصاء أي تيار معارض من المشهد السياسي، من خلال تلفيق القضايا للمعارضين من المنتمين إلى الأحزاب الشرعية بواسطة نيابة "أمن الدولة"، إلى جانب إصدار الأحكام القضائية المغلظة بحق المعارضين من إسلاميين أو غيرهم، والتي تصل إلى حد الإعدام خصوصاً بحق الإخوان المسلمين في كثير من القضايا المسيسة.