ممثل الكلدان في بريطانيا: تهجير مسيحيي الموصل بداية التقسيم

ممثل الكلدان في بريطانيا: تهجير مسيحيي الموصل بداية التقسيم

25 يوليو 2014
+ الخط -
يرى ممثل الكنيسة الكلدانية في المملكة المتحدة، الأب نظير دكو، أن ما يحدث مع المسيحيين في العراق هو جزء من مؤامرة دولية لتفتيت الشرق الأوسط، ويتّهم النظام العراقي بالوقوف متفرجاً إزاء ما يحدث للمسيحيين.

*فوجئ العالم بما يحدث لمسيحيي العراق من استهداف من قبل ما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية"، هل تفاجأتم أيضاً؟

- وهل تفاجأ العالم حقاً؟ أنا أشك في ذلك... الهجمة الشرسة مخطط لها مسبقاً من قبل السياسة العالمية ضد مسيحيي الشرق الأوسط، وفي العراق تحديداً. هذه الهجمة هي جزء من مخطط لشرذمة الشرق الأوسط وتقسيمه.

إن الدوافع لم تنطلق من منطلقات دينية وإنما سياسية، هي المنفعة والمصالح، وهما لغة السياسة العالمية. فهدف هذه السياسة هو تمزيق الشعوب في سبيل مصالح وأطماع عالمية في المنطقة. أعتقد ان هناك الكثير من الأخيار والحكماء في العالم العربي والعراق الذين لا يقبلون بوجود الشر في بلدانهم، لا عراقي ولا سوري ولا مصري وغيرهم من العرب يقبل بذلك. ما يحدث لعموم العراقيين هو مسلسل بدأ منذ عام 2003 ولغاية يومنا هذا. إنه مسلسل من القتل والتهجير يسير بوتيرة ثابتة ويحدث أمام مرأى ومسمع العالم، إلا أن وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم.

مسيحيو الموصل لم يُهجَّروا لأول مرة وليس في الموصل فقط، فقد هجرت من منطقة الدورة في بغداد مئات من العوائل المسيحية من قبل تنظيم القاعدة إبان الصراع الطائفي في العراق في 2005-2008.

*ما غاية هؤلاء المتطرفين من تهجير المسيحيين في العراق؟

- الغاية هي تنفيذ مأرب سياسية عالمية. بماذا تفسرين أن الدنيا تقوم ولا تقعد بسبب مقتل ثلاثة من اليهود المراهقين؟ ولماذا لم يهتم العالم بتهجير 500 ألف عراقي، تاركين وطنهم وبيوتهم في أسبوع واحد؟ أين العدالة والإنسانية؟

*ما هو رد فعل الفاتيكان لتهجير المسيحيين من العراق؟

- الفاتيكان هي جهة دينية وليست جهة سياسية، وحتى هي محارَبة من قبل السياسية العالمية. الفاتيكان يقف على نفس المسافة من المسلمين واليهود والمسيحيين، بالرغم من كل ما يواجهه المسيحيون من تطرف باسم المسلمين واليهود وبقية الأديان الأخرى.

إن الفاتيكان يرفض التطرف، وهو الذي دعا إلى حوار الأديان. لقد كان يستخدم تعبير "صراع الحضارات"، وقد استطاع تغيير هذا التعبير إلى "حوار الحضارات". إن الأديان جميعها، المسيحية والإسلام واليهودية، تدعو إلى أن نحب الآخرين كما نحب أنفسنا. التطرف هو وسيلة تستخدمها السياسة العالمية لتدمير الشعوب.

*هل لديك فكرة عن عدد المسيحيين الذين غادروا العراق؟

كان عدد المسيحيين في العراق في ثمانينيات القرن الماضي يقدر بنحو مليون ونصف المليون شخص، اليوم يقدرون بنحو 300 ألف شخص فقط. المسيحيون الذين غادروا هم جزء من المكونات الأخرى التي غادرت العراق. لقد بدأت عملية التهجير ضد كل من يبني العراق، من عقول وكفاءات. أما الذين بقوا وتمسكوا بأرضهم، فقد قُتلوا ودفعوا الثمن. لقد بدأت هجرة العراقيين، ومنهم المسيحيون، خلال تسعينيات القرن الماضي، بسبب الحصار الذي فرض على العراق، ذلك الحصاركان جزءاً من المخطط السياسي العالمي الذي تكلمت عنه سلفاً.

*ما هو دور المسيحيين في العراق على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي في العصر الحديث؟

- إن النهضة في الفكر العربي، وليس فقط في الفكر العراقي، حصلت على أيدي المسيحيين. وهناك عدد كبير من الرواد من المسيحيين، الذين احدثوا ثورة في الفكر العربي، منهم ناصيف اليازجي وبطرس البستاني. فأول مطبعة دخلت العراق كانت للأباء الدومنيكان. لقد كان المسيحيون العراقيون يعملون جنباً الى جنب مع مكونات الطوائف الأخرى لبناء العراق. وكان في العراق شعب موحد. وكان المسيحيون سباقين في بناء العراق، ولقد استهدفوا لأنهم أصلاء ولديهم روح وطنية عالية. ذلك أن الجهة التي تستهدف المسيحيين، والعراقيين بصورة عامة، لا تريد نجاح العراق وتريده دائماً مجهداً وضعيفاً، لا يستطيع الوقوف على قدميه.

*كيف تنظرون إلى السياسات التي مورست بحق مسيحيي العراق بعد غزو العراق في 2003؟

- هناك سياسات وثوابت حكومية خاطئة مورست بحق المسيحيين في العراق والشرق الأوسط. بالنسبة إلى مسيحيي العراق، الأسئلة المطروحة كانت، ما الذي قدمته الحكومات المتعاقبة في العراق إلى المسيحيين بعد سقوط النظام السابق في 2003؟ هل اعترفت بحقوق المسيحيين العراقيين كمواطنيين، حالهم حال بقية العراقيين؟ لقد نعت رئيس وزراء العراق المنتهية ولايته، نوري المالكي، المسيحيين العراقيين بـ"الجالية". وهذا عارٌ على من لا يعرف من هم أبناء العراق الأصلاء.

لطالما طالبنا بتصحيح قوانين الأحوال الشخصية العراقية، التي نراها غير منصفة بحق المسيحيين، ولم نلق آذاناً صاغية. تعترض الكنيسة دائماً على مناهج التعليم، لأنها ذات طابع وبعد إسلاميين، ولكن لا استجابة من قبل الحكومات المتعاقبة.

يقول المالكي: "نحن نستنكر ما يحصل من تهجير لمسيحيي العراق"، وهو (المالكي) رئيس وزراء، أي سلطة تنفيذية، كان المفروض به أن يأمر جيشه لإرجاعهم إلى بيوتهم.

هل يعقل أن 500 ألف عراقي تركوا بيوتهم ورئيس الوزراء فقط يستنكر؟ أليسَ الاستنكارُ والإدانة غير كافيتين، لقد جاء في الأثر أن : "الساكت عن الحق شيطان أخرس".

ألم يقم المسيحيون بواجباتهم كمواطنين تجاه الدوله؟ ألم يكونوا مواطنين صالحين؟ ألم يدفعوا الضرائب في العراق؟ ألم يكونوا رواد الحضارة في المجتمع؟ أما كان على هذه الدولة أن تحمي رعاياها؟

يكتب في جواز السفر الأميركي: "من أجل حامل هذا الجواز نحرك الأساطيل". وأنت (المالكي) لديك 100 ألف عراقي مهجر، لم تحرك الجيش لحمايتهم؟

* بالإضافة إلى الاستنكار، هل قامت الحكومة العراقية بمساعدة المسيحيين في محنتهم؟

- لم تمنح الحكومة العراقية غير المساعدات الطارئة إلى المسيحيين. لم تنظر إلى المسيحيين الذين طردوا من وظائفهم، وشددت عليهم الخناق. اليوم، المسيحي في بغداد يُهدَّد ويستولى على بيته، والحكومة واقفة تتفرج. الحكومة العراقية لم تحقق على الأرض أي إنجاز يفيد المسيحيين.

* ألا تعتقد أن المالكي استغل تهجير المسيحيين العراقيين من قبل تنظيم الدولة الأسلامية لمكاسب سياسية عندما حمّل جميع الفصائل المسلحة مسؤولية تهجيرهم؟

- يجب أن ننظر للموضوع بأفق واسع. أنا في قولي هذا لا أتهم شخصاً، أنا أقول إن السياسات كانت فاشلة وخاطئة، والحكومة غير قادرة على قيادة البلد، لذلك تمزق. اليوم الكل يحكي عن تمزق العراق. نحن لا نقبل بذلك، نحن نريد عراقاً موحداً. لكن الواقع يقول إن هناك عراقاً كردستانيّاً وعراقاً سنيّاً وعراقاً شيعيّاً. هناك مخططات تُحاك في الساحة للدفع في هذا الاتجاه.

أنا أنسان عراقي مجروح يريد أن يرجع إلى الموصل، التي اليوم لم يستطع المسيحي أن يدخلها لأنه مُهدَّد، إمّا أن يسلم، أو يدفع الجزية أو يذبح بحد السيف.

* سمعنا أن بعض المسيحيين رضخوا لتهديدات تنظيم الدولة الأسلامية، فمثلاً بعضهم دفع الجزية ليبقى في الموصل. ماذا تقول عن ذلك؟

- ما سمعت من خلال اتصالاتي ومن خلال متابعتي للأخبار، علمت أن هناك رجلاً مريضاً لم يستطع مغادرة بيته، فتوفي وقام بمراسيم دفنه أخواننا المسلمون. وسمعت اليوم أن "الدواعش" سيطروا على مشفى لذوي الاحتياجات الخاصة، وأجبروا نحو خمسة من المرضى المسيحيين المعاقين هناك على أن يتحولوا إلى الإسلام بنطق الشهادة، ففعلوا لأنهم لا حول ولا قوة لهم.

* لماذا نزح المسيحيون إلى كردستان وليس إلى مناطق أخرى برأيك؟

- أشبه ذلك بنظرية الضغط الجوي، فالرياح في مناطق شديدة الضغط تنتقل إلى المناطق أقل ضغطاً. لقد أصبح أقرب مفرّ من أمام ما يطلق على نفسه "الدولة الإسلامية"، هو كردستان، على الأقل هو أكثر أماناً من باقي مناطق العراق. لو كان في بغداد أمان لاتجه كل المسيحيين إليها. السبب الآخر أن البنى التحتية والخدمات في كردستان أفضل من باقي مناطق العراق.

*هل تفكرون بالمطالبة بإقليم خاص بكم؟ سمعنا قبل فترة أن المسيحيين كانوا يطالبون بإقليم، مثل سهل نينوى، الذي كان يسكنه غالبية مسيحية.

- لا يريد المسيحيون أن يكونوا جزءاً من المؤامرة ضد العراق، بتقسيمه وتجزئته. المسيحيون يطلبون أن يكون كل العراق آمناً. إذا تقسم العراق، فهذا لن يرضينا وسيكون ذلك خسارة كبيرة لنا. المسيحيون يريدون بلداً، كبيراً كان أم صغيراً، يعيشون فيه بأمان.

*ماذا لو أصبح التقسيم واقعاً فعيلاً، هل ستطالبون بإقليم خاص بكم؟

- إذا تم تقسيم العراق، سيصبح الموقف بالنسبة لنا مثل العائلة التي يحصل فيها طلاق بين زوجين لديهم أطفال، فيخير الأطفال مع أي من الأبوين يفضلون العيش، الأب أم الأم. العراق هو أبونا وأمنا، وإذا تم تقسيمه، نصبح كاليتامى.

إن عمر المسيحية في العراق يناهز ألفي سنة. ونحن اليوم نبكي دماً على الموصل، أكبر مدن العراق، تُدمَّر وتنتهي وتصبح من التاريخ. نبكي على كنيسة عمرها 1800 سنة تقريباً. إن الذي يحدث في الموصل ليس ضربة موجهة إلى المسيحيين فحسب، وإنما هي ضربة للتاريخ الإنساني.

*ماذا سيحل بالكنائس في الموصل بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة وتهجير المسيحيين؟

- أتوقع أن الدولة الإسلامية ستحولها إلى جوامع، وهذا ما حصل بالفعل مع إحدى الكنائس هناك. إن هذه الكنائس ممكن أن تعود إلى المسيحيين يوماً ما ويستطيعون أن يبنوها إذا دمرت، ولكن الخوف إذا بقى "تنظيم الدولة الإسلامية" يسيطر على الموصل بهذه القوة، فهذا يعني انتهاء المسيحية فيها.

ذات صلة

الصورة
نازحون فلسطينيون يلعبون الكرة الطائرة في المواصي في جنوب غزة (العربي الجديد)

مجتمع

من وسط أحد المخيّمات العشوائية في رفح جنوبي قطاع غزة، تصدح ضحكات النازحين. ويحاول هؤلاء إيجاد هامش لهو لهم في ظلّ المأساة، فيلعبون كرة الطائرة.
الصورة
نازحون فلسطينيون في رفح (عبد زقوت/ الأناضول)

مجتمع

يتخوّف النازحون في رفح الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة من اجتياح قوات الاحتلال هذه المدينة التي تُعَدّ ملاذاً أخيراً لنحو مليون ونصف مليون فلسطيني.
الصورة
"خطوة".. مشروع صناعة الأطراف لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة بالموصل

مجتمع

معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تعرضوا لبتر أحد أطرافهم خلال الحرب أو بسبب مضاعفات مرض السكري أو من يعانون من تشوهات منذ ولادتهم، ألهمت جميعها تقى عبد اللطيف (25 عاما)، رفقة زميلها محمد قاسم، افتتاح مركز لصناعة الأطراف الصناعية
الصورة
عراقي يتحدى إعاقته (العربي الجديد)

مجتمع

لم يستسلم الشاب العراقي مصطفى إسماعيل (30 عاماً) المصاب بالشلل الرباعي لإعاقته، ولا للظروف المعيشية الصعبة المحيطة به، وتمكّن متسلحاً بالإرادة الصلبة من تحقيق حلمه في افتتاح مكتبته الخاصة، أخيراً، في شارع النجفي بمدينة الموصل.

المساهمون