تونس: منافسة يساريّة ــ "نهضويّة" في "الوقاية من التعذيب"

تونس: منافسة يساريّة ــ "نهضويّة" في "الوقاية من التعذيب"

27 مارس 2016
راضية النصراوي وضياء الدين مورو (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يستكمل البرلمان التونسي الأسبوع المقبل تركيز هيئة "الوقاية من التعذيب"، بعد أن بدا للكثيرين أن المُشرّع عدل عن إنشائها. وستعكس هذه الهيئة على غرار سابقاتها كـ"هيئة الانتخابات"، و"هيئة الحقيقة والكرامة"، المحاصصة السياسية عند انتخاب أعضائها، على أن الاختيار يُعدّ عسيراً بالنظر للأسماء المرشحة.

ويتنافس على عضوية الهيئة، حقوقيون معروفون، منهم من اشتهر بدفاعه الشرس عن حقوق الإنسان والتحرك ضد جرائم التعذيب التي ارتكبت خلال فترة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، على غرار راضية النصراوي، زوجة زعيم "الجبهة اليسارية" حمة الهمامي، وأسماء أخرى نشطت بعد الثورة، وعُرفت بدفاعها عن فئة من الموقوفين، تحديداً الإسلاميين أو الموقوفين في قضايا الإرهاب، مثل إيمان الطريقي، وضياء الدين مورو.

ويخشى مراقبون أن تكون المعركة قد حُسمت مسبقاً لصالح ضياء الدين مورو، نجل النائب الأول لرئيس البرلمان عبد الفتاح مورو، لكون الأغلبية لمصلحته في الجلسة العامة، مما يؤهله لعضوية الهيئة على حساب النصراوي، مرشحة اليسار في تونس.

وانطلق النزال بين الإسلاميين واليسار في أروقة مجلس نواب الشعب حول ترؤس هيئة "الوقاية من التعذيب"، وهو نزال ذو أبعاد تاريخية، لاعتبار الفريقين أن لهما الأحقية بتولّي رئاسة الهيئة، بالنظر للتضحيات التي قدمها كل طرف، خلال الحقبة السابقة. ويستعرض الإسلاميون ما لحقهم خلال الفترة الماضية من سجن وتعذيب ومعاملة مهينة وقمع لأعضائهم، ويعتبرون بذلك أن عضوية الهيئة وترؤسها حق طبيعي إثر الثورة (2010).

في المقابل، يرى اليسار ممثلاً في "الجبهة الشعبية" بالبرلمان، أحقيته في هيئة "الوقاية من التعذيب"، باعتبار أن ما قدّمه أيضاً من سجناء سياسيين، وما تعرّض له أنصاره من اعتقالات وتعذيب وقمع، فضلاً عن دفاع النصراوي بالذات عن جميع السجناء الذين تعرّضوا للتعذيب، بما فيهم الإسلاميون خلال الفترة الماضية وعدم خضوعها لابتزاز وضغط نظام بن علي.

اقرأ أيضاً تونس: "التيار الديمقراطي" يعقد مؤتمره وأمينه العام لن يترشح

في هذا السياق، يؤكد رئيس اللجنة الانتخابية، النائب عن "حركة النهضة"، بدر الدين عبد الكافي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "على النواب أن يكونوا محايدين ونزيهين، وهم أحرار عند الاقتراع واختيار من يبدو لهم مناسباً لعضوية الهيئة". ويُفنّد عبد الكافي ما يُروّج عن أن كفة نجل مورو ستُرجّح، ويقول إن "المسألة بمثابة دعاية سياسية يروّج لها داعمو النصراوي لممارسة الضغط على النواب".

في الجهة المقابلة، يشير النائب عن "الجبهة الشعبية" نزار عمامي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "النواب ينتظرون الجلسة العامة، ويتوقعون أن يُحكّم طيف واسع من النواب ضمائرهم عند التصويت، كما أن أحقية النصراوي بترؤس الهيئة، ليست منّة أو فضلاً، نظراً لتاريخها النضالي في هذا المجال، وتكريمها من قبل هيئات ومنظمات دولية عدة على ما قدمته في هذا المجال".

وتصوّت الجلسة العامة بالأغلبية المطلقة (109 أصوات من أصل 217 صوتاً) لصالح اختيار رئيس لهيئة "الوقاية من التعذيب"، وهو ما يتيح لكتل الائتلاف الحاكم التحكّم بنتائج التصويت واختيار من يتوافقون عليه لعضوية الهيئة. ويعتبر مراقبون أنه "في حال اختارت الأغلبية نجل مورو، فإنها ستتعرض لحملة تشكيك واسعة باعتبار أن استقلاليتها ستكون محل جدال".

وبعد نقاش طويل حول آليات العدالة الانتقالية التي أفضت إلى إقرار مسار الإصلاح في مؤسسات الدولة، المسؤولة عن التعذيب والانتهاكات سابقاً، وبعث هيئة "الحقيقة والكرامة"، ارتأت الطبقة السياسية بعث هيئة أخرى مهمتها التحقيق في جرائم التعذيب، ليتم سن قانون "الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب" في أكتوبر/تشرين الأول 2013. وتُجسّد الهيئة ما يُعتبر "البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، الذي صادقت عليه تونس عام 2011، والذي يقتضي أن تحدث الدول الموقعة لجنة وطنية لمنع التعذيب في أجل أقصاه سنة من الانضمام إليه.

وفتح المجلس الوطني التأسيسي باب الترشيحات، وخلافاً للترشح للهيئات الأخرى التي تحظى بميزانية هامة وامتيازات كبيرة، غير أن الملفات المقدمة للانضمام لهيئة "الوقاية من التعذيب" كانت شحيحة في اختصاصات عدة، فيما انعدمت في اختصاصات أخرى (القضاة المتقاعدون والمختصون في مجال حماية الطفولة) نظراً لغياب أي امتيازات مالية.

وفي أغسطس/آب 2014 تجدّد فتح باب الترشيحات، وكذلك بعد انتخاب البرلمان الجديد في أكتوبر/تشرين الأول 2014، حين أعادت "اللجنة الانتخابية" فتح باب الترشيحات إثر استشارة المحكمة الإدارية، لكن تغيّب النواب عن اللجنة حال دون فرز الترشيحات واختيار الأعضاء.

وانتهت اللجنة منذ أسبوعين من أعمالها، وشكّلت "لجنة الفرز" التي تولّت فرز الترشيحات والإبقاء على 48 ملفاً من أصل نحو 400 ملف، وصوّتت على الأعضاء بأغلبية 18 عضواً من ضمن 22 في اللجنة، وفقاً لما ينصّ عليه القانون تفادياً لاستئثار الأغلبية باختيار الملفات. وتصوّت الجلسة العامة يوم الثلاثاء المقبل على الملفات الـ48 لتختار 16 عضواً، يشكّلون الهيئة الإدارية لهيئة "الوقاية من التعذيب".

وتتولّى الهيئة، وفقاً لقوانينها، القيام بزيارات دورية لأماكن الاحتجاز والإيواء، للتأكّد من خلوّها من ممارسة التعذيب وحماية الموجودين فيها، وتحديداً ذوي الإعاقة، كما تتولّى مراقبة مدى تناسب ظروف الاحتجاز مع تنفيذ العقوبات مع معايير حقوق الإنسان، فضلاً عن تلقّي البلاغات حول الحالات المحتملة للتعذيب في أماكن الاحتجاز، ولها الحقّ في أن تفتح تحقيقاً بشأنها وإحالتها إلى السلطات الإدارية أو القضائية المختصة. علاوة عن المساهمة في نشر الوعي الاجتماعي عن مخاطر التعذيب، بالإضافة إلى تمتّعها بوظيفة استشارية، من خلال إبداء الرأي في مشاريع النصوص القانونية ذات العلاقة بالوقاية من التعذيب والممارسات المهينة، والمحالة إليها من قبل السلطات المختصة.

وتتطابق صلاحيات ومهام الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب، مع صلاحيات الهيئة الدستورية لحقوق الإنسان التي لم يمرّ على تأسيسها إلا أشهر معدودة، وهو ما يطرح إشكالاً حقيقياً حول تضارب الصلاحيات، مما قد يجعل هيئة "الوقاية من التعذيب" هيئة شكلية قد ينتهي المطاف بحلها.

اقرأ أيضاً تونس: ارتياح ومخاوف بعد المصادقة على المجلس الأعلى للقضاء